تجدد الاقتتال في ريف إدلب بين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»

استخدام للسلاح الثقيل واستنفار قرب حدود تركيا

TT

تجدد الاقتتال في ريف إدلب بين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»

اتخذ القتال الذي اندلع مساء الثلاثاء بين «هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل بينها «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا) من جهة و«حركة أحرار الشام» من جهة ثانية منحى غير مسبوق في العلاقة المتوترة التي لطالما سادت بين الفصيلين المعارضين، خصوصاً بعد دخول السلاح الثقيل على خط المواجهات واتساع رقعة الاشتباكات لتشمل معظم مدن وقرى محافظة إدلب وصولا لاستنفار عام في كل مناطق الشمال السوري حيث توجد فصائل المعارضة.
وبدا واضحا، بحسب خبراء ومعنيين متابعين للتطورات هناك، أن المعركة الحالية بين الفصيلين هي معركة «إنهاء وجود»، قد تُحول كل الأنظار إلى إدلب في الأيام المقبلة خاصة في حال قررت فصائل «الجيش الحر» الانضمام إلى «أحرار الشام» بمحاولة لإخراج «النصرة» من المحافظة. واندلعت المواجهات بين الطرفين مساء الثلاثاء في بلدة حزارين التي تربط ريف حماة الشمالي في جبل الزاوية حين أقدمت «النصرة» على مهاجمة مقرات ومواقع وحواجز «أحرار الشام» واعتقال وقتل عدد من عناصرها، كما أكّد مصدر في «الجيش الحر» في إدلب، موضحا أنه «بعد شهر من التوتر بين الطرفين وقّعا قبل 4 أيام اتفاقا لضمان عدم الاقتتال، لكن النصرة ما لبثت أن انقضت على هذا الاتفاق ما أدّى لانفجار الوضع بينهما على نطاق واسع».
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن الاشتباكات امتدت أمس إلى جبل الزاوية وريف إدلب الشمالي ومناطق حدودية، مؤكدا أنهم لم يشهدوا يوما على «مواجهات بهذه الحدة توحي بقرار لدى كل من الطرفين بإنهاء خصمه». وتحدث المصدر عن تسريبات عن اجتماع عقده «أبو محمد الجولاني» قائد «هيئة تحرير الشام»، لقيادات في الهيئة أبلغهم فيه قراره بإنهاء وجود «الأحرار» إلا أن الفصائل المنضوية في الهيئة وأبرزها «حركة نور الدين الزنكي» أعلنت رفضها الانضمام إلى هذه المعركة فقرر الجولاني خوضها وحيدا بعناصر النصرة. وأضاف المصدر: «الجولاني يسعى لفرض نفسه لاعبا وحيدا وأساسيا لذلك يحاول إنهاء وجود الفصيل الأكبر في الشمال أي الأحرار، لكن الالتفاف الشعبي في إدلب حولهم (أي أحرار الشام) وخروج العشرات من المدنيين يوم أمس في مظاهرات رفضا لممارسات النصرة تجعل رهان الجولاني خاسرا، والأرجح أنّه سينقلب عليه».
وحتى الساعة، لم تنخرط فصائل «الجيش الحر» في الاقتتال الحاصل، لكنّها مستنفرة في مواقعها بالتوازي مع حالة الاستنفار العام المسيطرة في معظم مناطق الشمال السوري، حيث أغلقت الأسواق وتعطلت الحركة بشكل كلي.
ورجح قياديون في «الجيش الحر» في الشمال السوري أن يكون عدد عناصر «أحرار الشام» في الشمال 15 ألفا مقابل 10 آلاف عنصر لـ«النصرة»، ما يؤشر إلى معركة طويلة وصعبة. وركزت «الحركة» في الساعات الماضية، بحسب مواقع المعارضة، على محاولة تأمين المنطقة الحدودية مع تركيا بحيث سيطرت على مدينتي الدانا وسرمدا بشكل كامل، وركزّت قوتها الفعّالة والرئيسية فيهما واستطاعت إبعاد «هيئة تحرير الشام» عن معبر باب الهوى الحدودي بشكل كامل، وهي تحاول حاليا بسط سيطرتها على المنطقة الحدودية القريبة منه. بالمقابل، تسعى «النصرة» للتمركز في منطقة جغرافية تصعّب مهمة القوات التركية في حال قررت دخول إدلب لإنهاء وجودها وفرض «تخفيف التوتر» المتفق عليه في مؤتمر آستانة، مع روسيا وإيران. وتُعتبر مدينة سراقب أبرز النقاط الاستراتيجية في إدلب، من خلال موقعها على الأوتوستراد، كما أنها نقطة وصل لكل المنطقة، وتحاول «تحرير الشام» الدخول إليها بعد السيطرة على صوامعها.
ويعتبر الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج أن «الاشتباكات الحالية هي جزء من معارك استباقية ووجودية بالنسبة للنصرة، فمن جهة هي تريد فرض وقائع على تركيا في منطقة إدلب وخصوصا على الحدود التركية، ومن جهة أخرى تريد قطع خطوط إمداد المعارضة بالسيطرة على المنطقة الحدودية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «النصرة لا تملك القدرة على الحسم وتعاني من رفض شعبي واسع ومتزايد كما من انقسام داخلي باعتبار أن بعض حلفائها إما نأوا بأنفسهم عن المعارك ضد الأحرار وإما انشقوا وانضموا إلى (تحرير الشام)».
ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تسبب الاقتتال الداخلي بين الفصيلين النافذين في شمال غربي سوريا بمقتل 14 شخصاً على الأقل، غالبيتهم من المقاتلين. واعتبر مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن أن «هذه الاشتباكات هي الأعنف والأوسع» بين الطرفين، متحدثاً عن «معارك مستمرة في أنحاء عدة في المحافظة تتخللها سيطرة متبادلة». وأضاف: «على ما يبدو أنها معركة إنهاء وجود». وتأتي هذه المواجهات وفق عبد الرحمن بعد «خلاف حاد واستفزازات متبادلة مردها إلى رغبة كل طرف برفع رايته في مدينة إدلب».
من جهتها، تحدثت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن «اشتباكات تدور في مناطق عدة خصوصاً في مدينة سرمدا ومحيط مدينة سراقب وبلدة الدانا»، لافتة إلى وجود «نقاط تفتيش أقامها الطرفان داخل مدينة إدلب وفي محيطها».
أما وكالة الأنباء الألمانية، فنقلت عن مصدر في المعارضة السورية في محافظة إدلب، أن «حركة أحرار الشام سيطرت صباح الأربعاء على مدينة سرمدا بريف إدلب، والأتارب بريف حلب بعد اشتباكات مع هيئة تحرير الشام». وأضاف المصدر أن «المواجهات بين الفصيلين توسعت وامتدت إلى كل من منطقة جبل الزاوية ومدن سراقب والدانا، بالإضافة إلى منطقة بابسقا المتاخمة لمعبر باب الهوى، وأن قياديا من حركة أحرار الشام وعنصرين قتلوا خلال المواجهات الجارية في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي. كما سقط قتيلان من هيئة تحرير الشام، أحدهما في مدينة سرمدا والآخر في الدانا».
وتداركاً للتطورات، أعلنت السلطات التركية الأربعاء، إغلاق معبر باب الهوى الحدودي من الجانب التركي «جلفاكوز» بشكل كامل أمام حركة المسافرين والبضائع، يومي الجمعة والسبت بسبب ما قالت إنها «متطلبات الصيانة». لكن ناشطين من إدلب أكدوا أن سبب وقف حركة العبور تعود للاشتباكات الدائرة بين «الأحرار» و«تحرير الشام» في ريف إدلب، والتي وصلت لمدينة سرمدا وساحة باب الهوى القريبة من المعبر، فجاء الإغلاق بشكل كامل على خلفية التطورات الحاصلة.
ولم يقتصر الاقتتال بين الطرفين على المواجهات المسلحة، إذ هز انفجار عنيف بلدة أرمناز بريف إدلب الشمالي الغربي، ناجم عن تفجير استهدف مقراً لـ«حركة أحرار الشام». وتضاربت المعلومات فيما إذا كان ناجما عن مفخخة أم نتيجة عبوة ناسفة قضى وأصيب على إثرها نحو 17 شخصاً بينهم عناصر وأمنيين من «الأحرار».



اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
TT

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)

أوقفت الجماعة الحوثية، خلال الأيام القليلة الماضية، صرف المساعدات النقدية المخصصة للحالات الأشد فقراً في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، في ظل اتهامات لها باستقطاع مبالغ مالية من المساعدات التي تُخصصها المنظمات الأممية والدولية لمصلحة الفقراء في اليمن.

وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تعمدت وضع صعوبات وعراقيل عدة، لمنع صرف المساعدات النقدية للمستحقين في نحو 35 مركزاً خاصاً في 6 محافظات يمنية تحت سيطرتها، وهي صنعاء، وإب، والمحويت، وذمار، وريمة، وعمران، من خلال ما سمته «المرحلة الـ18 لمشروع الحوالات النقدية للمستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية».

إشراف عناصر حوثية على عملية صرف مساعدات نقدية طارئة في محافظة إب (إعلام حوثي)

ويستهدف مشروع الحوالات النقدية المموَّل من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف)، في هذه المرحلة، ما يزيد على مليون ونصف المليون أسرة، تضم نحو 10 ملايين شخص في صنعاء وبقية المحافظات، بينما يبلغ إجمالي المبلغ المخصص بوصفه معونات نقدية في هذه المرحلة أكثر من 63 مليون دولار.

واشتكى مستفيدون من تلك الحوالات في صنعاء ومدن أخرى لـ«الشرق الأوسط»، من عراقيل وصعوبات مستمرة تتعمد الجماعة وضعها، وتؤدي لإيقاف عملية صرف المساعدات النقدية ساعات وأحياناً أياماً، في مراكز عدة؛ الأمر الذي يزيد من معاناتهم ومتاعبهم نتيجة الوقوف ساعات طويلة أمام تلك المراكز.

وتتم عملية الصرف التي يُشرِف عليها عناصر يتبعون ما يسمى «المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية»، وهو هيئة مخابراتية شكَّلتها الجماعة للرقابة على أنشطة الإغاثة والمنظمات الدولية والمحلية، إضافة إلى موظفين في بنك الأمل وصندوق التنمية الاجتماعي، عبر أكثر من 2500 مركز صرف تنتشر في نحو 40 ألف قرية.

جانب من عملية صرف مساعدات نقدية للفقراء في إحدى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

ويبرر هؤلاء المشرفون إيقاف عمليات الصرف في تلك المراكز وحرمان المستفيدين من الحصول على مستحقاتهم المالية الزهيدة، بزعم عدم انتظام المستفيدين في طوابير خاصة بعملية التسلُّم، وعدم تجهيز كشوفات أسماء بعض المستفيدين، إضافة إلى التحجج بوجود أعطال فنية في المراكز.

استقطاع متكرر

كشف مستفيدون آخرون من تلك الحوالات في قرى عدة في مديريات العدين وحبيش ومذيخرة في محافظة إب، ومديريات الجبين والجعفرية في محافظة ريمة، والرجم وحفاش في المحويت، وعتمة في ذمار، والعشة في عمران، ومناطق أخرى في صنعاء، عن وجود استقطاعات حوثية حالية من مستحقاتهم الزهيدة لدعم جبهات القتال.

ولفت المستفيدون إلى أن تلك الاستقطاعات يسبقها في كل مرة عمليات إيقاف متعمدة للصرف ساعات طويلة، دون إبداء الأسباب.

الجوع والفقر يدفعان يمنيين في صنعاء للتسول (الشرق الأوسط)

وبيَّن (أمين ع.)، وهو أحد المقربين من أحد المستفيدين من الضمان الاجتماعي في إب لـ«الشرق الأوسط»، أن قريبه لم يتسلم هذه المرة سوى مبلغ يساوي 15 دولاراً أميركياً تقريباً (8 آلاف ريال يمني)، وتفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي (536 ريالاً) كمساعدة نقدية مخصصة له، وذلك بعد عناء وجهد من أحد مراكز الصرف في ضواحي مدينة العدين.

وأوضح أن قريبه سبق له أن تَسَلَّمَ في المرحلة السابقة مبلغ 22 دولاراً (12 ألف ريال)، أي أنه تم استقطاع ثلث مستحقاته هذه المرة.

واتُّهم أمين الجماعة باستهداف الفقراء بشكل متكرر، ونهب كل مدخرات وموارد برامج الحماية الاجتماعية (شبكات الضمان الاجتماعي)، ما أدى إلى تعميق الفقر وارتفاع نسبته، وفقدان اليمنيين في عموم مناطق سيطرتها للحماية.

تدمير شبكة الضمان

ليست المرة الأولى التي تعرقل فيها الجماعة الحوثية صرف المساعدات العينية أو النقدية لصالح الفقراء والنازحين؛ إذ سبق أن اشتكى مستفيدون في مدن تحت سيطرتها مرات عدة من عمليات نهب واستقطاع مستحقاتهم.

وكشفت مصادر حقوقية في يونيو (حزيران) من العام قبل الماضي عن استقطاع قيادات انقلابية تدير مكاتب الشؤون الاجتماعية في المحافظات التي تحت سيطرتها، مبالغ من مستحقات الفقراء المستفيدين من مشروع الضمان الاجتماعي، تراوحت في حينها بين 6 و12 دولاراً (3 آلاف و7 آلاف ريال) عن كل حالة.

أسر يمنية في صنعاء تلجأ للحصول على وجبات طعام من مخلفات القمامة (الشرق الأوسط)

كما اتهمت المصادر الجماعة حينها بعدم مراعاة معاناة آلاف الأسر المعوزة المستفيدة من تلك المبالغ، وقد باتت مُعظمها لا تملك أي مصادر دخل غير تلك المستحقات الزهيدة التي تُصْرف لها كل 3 أشهر بعد انقطاع دام أعواماً، بفعل سطو قادة الجماعة على أرصدة صندوق الضمان الاجتماعي.

وأظهرت تقارير محلية وأخرى دولية تعرُّض عدد من الصناديق الإيرادية بما فيها «صناديق التقاعد» في مناطق سيطرة الجماعة لعمليات سطو منظمة، من بينها صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق النشء والشباب، وصندوق مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

وعمدت الجماعة عقب انقلابها، وفق التقارير، إلى نهب أموال صناديق التقاعد، وأوقفت في المقابل مشاريع البنية التحتية، كما أحجمت عن تسديد ديونها للبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر، ما قاد هذه المكونات التي تقدم العون والمساعدة لشريحة كبيرة من اليمنيين، إلى التوقف عن العمل.