عرض «المدينة» يقدم أكثر من قرن من الموسيقى التونسية

ضمن سهرات مهرجان قرطاج الدولي

جانب من العرض الذي قدم على خشبة مسرح قرطاج الدولي في دورته الـ 53
جانب من العرض الذي قدم على خشبة مسرح قرطاج الدولي في دورته الـ 53
TT

عرض «المدينة» يقدم أكثر من قرن من الموسيقى التونسية

جانب من العرض الذي قدم على خشبة مسرح قرطاج الدولي في دورته الـ 53
جانب من العرض الذي قدم على خشبة مسرح قرطاج الدولي في دورته الـ 53

جمع عرض «المدينة» الذي قدم على خشبة مسرح قرطاج الدولي في دورته 53 بين الغناء والموسيقى والرقص والتمثيل وقد صاحبت هذه التعابير الثقافية المتنافذة معزوفات ووصلات غنائية قدمت الأغنية التونسية الحضرية (موسيقى المدينة) بداية من سنة 1900 وإلى غاية اليوم.
وكانت الألحان والأغاني مصاحبة بلوحات راقصة مكونة من 40 فنانا بين عازفين وراقصين، ورسمت تفاصيل فترة تاريخية طويلة وعبرت عن مضمون الأغنية التونسية بطريقة فيها الكثير من البحث والجدية في التعامل مع التراث الموسيقي التونسي.
وقدم هذا العرض «الأوبرالي» خلال الليلة قبل الماضية وتضمن إضافة وتجديدا بإنتاج متميز وظّف من خلاله الموسيقى التونسية والعربية وعدة أنماط موسيقية أخرى على شاكلة مشروع ثقافي متكامل.
وفي هذا الشأن، قال الفنان التونسي نافع العلاني منفذ هذا العرض، أنه يسعى «من خلال هذه الفرجة إلى تقديم الإضافة والتجديد بإنتاج متميز وظف فيه موسيقى تونسية عربية وأنماطا أخرى راقية في قراءة جديدة ومتطورة»، على حد تعبيره.
وانقسم العرض إلى ثلاثة أقسام كبيرة يدوم كل فصل منها نحو 25 دقيقة وهو مقسم إلى لوحات كثيرة ويتضمن كل جزء منها إنتاجا موسيقيا خاصا بالمجموعة الفنية التي يقودها الفنان التونسي نافع العلاني وترافقه في الغناء الفنانة «ميرا» وخصص الفصل الأخير من العرض للأغاني الجديدة، وسار العرض بنسق متصاعد على إيقاع وحركة الراقصين برؤية إخراجية جديدة تشرف عليها المخرجة التونسية آمال علوان.
ونهل الفصل الأول من الأغاني القديمة ومعظمها من أغاني الجاليات الأجنبية على غرار أغاني «دليلة الطليانة» و«بريزة»، فضلا عن أغاني حبيبة مسيكة، وهي جاليات استقرت في تونس خلال الفترة الاستعمارية وتداخلت من خلاله الأنماط الموسيقية وخفت بريق الأغنية التونسية وينتهي هذا الفصل بأغنية عن مدينة حلق الوادي (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية) التي كانت في تلك الفترة مفتوحة أمام عدد من اليهود وتقام فيها الحفلات ولقربها من بلاط الحكم الملكي.
أما الفصل الثاني من عرض «المدينة» فقد قدم المطربين التونسيين البارزين ممن ساهمت الفرقة الرشيدية(نسبة إلى رشيد بأي أحد حكام تونس) والإذاعة الوطنية في تلك الفترة في بروزهم ثم جاءت التلفزة الوطنية لتمنحهم فرصة الظهور المصور. وظهر الفنان علي الرياحي وصليحة ومحمد التريكي وخميس الترنان وغيرهم من جهابذة الموسيقى التونسية.
وظهرت خلال هذه الفترة الموسيقى ذات الطابع الأندلسي، وينتهي هذا الجزء بمعزوفة موسيقية بتحمل عنوان «المدينة ثانية» من تلحين الفنان التونسي نافع العلاني، وهي التي استقى منها عنوان العرض الفني ككل.
أما الجزء الثالث والأخير فيتضمن أغاني جديدة من إنتاج وألحان الفنان التونسي نافع العلاني، وكلها تجسّم الموسيقى العربية المميزة والموسيقى المنفتحة على موسيقى العالم ككل ويختم العرض بأغنية وطنية تونسية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».