احتفالات 14 يوليو في قصر الصنوبر فرنسية الهوية... لبنانية الطابع

شارك فيها ألوف الفرنسيين من أصل لبناني

قصر الصنوبر (مقر إقامة السفير الفرنسي في لبنان) مرتديا حلة العيد الوطني الفرنسي الذي يصادف 14 يوليو من كل عام
قصر الصنوبر (مقر إقامة السفير الفرنسي في لبنان) مرتديا حلة العيد الوطني الفرنسي الذي يصادف 14 يوليو من كل عام
TT

احتفالات 14 يوليو في قصر الصنوبر فرنسية الهوية... لبنانية الطابع

قصر الصنوبر (مقر إقامة السفير الفرنسي في لبنان) مرتديا حلة العيد الوطني الفرنسي الذي يصادف 14 يوليو من كل عام
قصر الصنوبر (مقر إقامة السفير الفرنسي في لبنان) مرتديا حلة العيد الوطني الفرنسي الذي يصادف 14 يوليو من كل عام

احتشد آلاف من الفرنسيين الذين شكّلت الأصول اللبنانية العدد الأكبر منهم، في باحة قصر الصنوبر (مقر السفير الفرنسي في لبنان)، ليشاركوا في احتفالات العيد الوطني الفرنسي الموافق 14 يوليو (تموز).
هذا الحفل الذي حضرته شخصيات لبنانية سياسية وأخرى فرنسية رفيعة المستوى، يتقدّمها سفير فرنسا لدى لبنان برونو فوشيه، كانت قد دعت إليه السفارة الفرنسية ككلّ عام، لإحياء علامات صداقة وطيدة تربط ما بين البلدين منذ مئات السنين.
وألقى فوشيه الذي عُيِّن أخيراً، سفيرا لفرنسا لدى لبنان (وصل عشية الحفل إلى مقرّه الرسمي)، كلمة بالمناسبة، تحدّث فيها عن سعادته لوجوده في لبنان، مشيراً إلى أنّه كان قد تمنّى استضافة كل هذا الجمع الغفير داخل القصر وليس في باحته، لو أن الظروف كانت عادية. ورأى أنه من الطبيعي أن يشكل هذا المكان التاريخي العريق (قصر الصنوبر)، أول نقطة التقاء بينه وبين الفرنسيين الموجودين في لبنان، لا سيما أنه يُعدّ مقرّاً لفرنسا ومنزلاً لجميع اللبنانيين. وأضاف: «أحيي جميع اللبنانيين الذين جاءوا بكثرة للتعبير عن صداقتهم لفرنسا وتمسّكهم بلغتها وثقافتها وقيمها... لبنان اليوم بحالة أفضل، وقد قطع شوطاً مهماً على الصعيد السياسي بمنأى عن التأثيرات الخارجية. فلبلادي ملء الثقة بقدرة لبنان على مواصلة مساعيه في هذا الاتجاه وهي عازمة على تقديم الدّعم اللازم له»، وختم: «اليوم الظروف مواتية جدّاً لتعبّر الصداقة الفرنسية اللبنانية عن نفسها بكلّ مداها، تعود المؤسسات اللبنانية إلى العمل وفرنسا التي أصبح لديها هي أيضاً سلطات جديدة متضامنة أكثر من أي وقت مضى مع شركائها، وتتطلّع للعمل ضمن الاتحاد الأوروبي وملتزمة في العالم».
وبعيد ذلك افتتح الحفل رسميّاً من خلال عزف النشيدين اللبناني والفرنسي. وكانت شاشة عملاقة قد ثُبّتت على أحد جدران القصر تابع عليها الحضور مراسم الاحتفالات التي جرت في فرنسا نقلاً عن «قناة (2)» الفرنسية، ومن بعدها نقلت كلمة السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه، وليتفرّق إثرها المدعوون على أقسام حديقة القصر المظلّلة بأشجار الصنوبر، وقد افترشتها عشرات المطاعم اللبنانية آخذة من الأكشاك الخشبية التي وُزّعت على كامل مساحتها نقاط صلة وصل بين الثقافتين الفرنسية واللبنانية.
وامتزجت في هذه المشهدية الفرنسية الهوية واللبنانية الطابع لوحات ملوّنة تبرز العلاقة الوطيدة ما بين البلدين، إن من خلال أطباق الطعام المقدّمة فيها التي تنوعت ما بين الشاورما والمناقيش وخبز المرقوق على الصاج وبوظة (القشدة بالفستق الحلبي) اللبنانية الأصيلة، وأطباق لحم البطّ (canard) وال(escargots a la bourguignonne)، وشرائح الجبن ومشهيّات اللحوم وحلويات (إيكلير والتارت والكرواسان) الفرنسية المشهورة، أو من خلال أحاديث جانبية اختلطت فيها الفرنسية واللبنانية كلغتي أم لشعبين متحابين.
«هذا الحفل هو بمثابة مزيج بين الحضارتين يعبّر عن أواصر الصداقة القديمة بين البلدين، ونحن نشكّل عنصرا أساسيا فيها». علّق إيريك أحد الفرنسيين المدعوين إلى الحفل.
في حين أشار الفرنسي من أصل لبناني رياض شرف الدين (رئيس الاتحاد الفرنسي اللبناني في جنوب لبنان)، إلى أن هذا اللقاء الذي يُحتفل به سنويّاً بات يشكّل تقليداً سنوياً بين البلدين، ينتظره الجميع بحماس كبير. ورأت زيتا ربّاط أيضاً في حديث لـ«الشرق الأوسط»، التي يشارك ابنها في هذه التظاهرة الثقافية من خلال مطعم فرنسي يملكه في لبنان (o petit gris)، إنّها تشعر بسعادة عارمة في كلّ مرة تشارك في هذه المناسبة لما تحمل في طيّاتها من معاني تقدير للصلة القوية التي تربط بين البلدين.
وعلى رائحة اللحم المشوي من ناحية، والخبز الفرنسي الطازج من ناحية ثانية، صدحت موسيقى فرقة عازفة اعتلت المنصّة الخاصة بالحفل لتنطلق معها أجواء الغناء والرقص مع أبطالها من الشباب والشيّب في آن، متجاوزين حرارة الطقس ونسبة الرطوبة المرتفعتين اللتين سادتا موقع الحدث، تاركين العنان للتمتع بفرحة اللقاء بين شعبين تجمعهما عادات وتقاليد كثيرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».