عون: لبنان بصدد إطلاق خطة اقتصادية شاملة

مساعدات دولية للمؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة

الرئيس اللبناني ميشال عون استقبل امس مدير قسم الشرق الاوسط في البنك الدولي (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون استقبل امس مدير قسم الشرق الاوسط في البنك الدولي (دالاتي ونهرا)
TT

عون: لبنان بصدد إطلاق خطة اقتصادية شاملة

الرئيس اللبناني ميشال عون استقبل امس مدير قسم الشرق الاوسط في البنك الدولي (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون استقبل امس مدير قسم الشرق الاوسط في البنك الدولي (دالاتي ونهرا)

أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال عون، أن لبنان بصدد إطلاق «خطة اقتصادية شاملة تتضمن رؤية مستقبلية للواقع الاقتصادي في البلاد لتعزيز قطاعات الإنتاج ووضع حد للاقتصاد الريعي»، معتبرا أن «الدعم الذي يقدمه البنك الدولي للبنان دليل ثقة بالإجراءات التي تقوم بها الدولة اللبنانية في إطار عملية النهوض التي بدأت قبل تسعة أشهر».
واعتبر عون خلال استقباله المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي، ساروج كومارجا، بمناسبة تسلمه مهامه الجديدة، أن «مساعدة المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة هي من الأولويات التي يتم التركيز عليها راهنا، باعتبارها خطوة أساسية لزيادة القدرات الاقتصادية في البلاد». وإذ شكر البنك الدولي على الاهتمام الذي يوليه للبنان وللمشاريع التنموية فيه، شدد على «أن المساهمة في المشاريع المائية والكهربائية والسدود والطرق وتنظيف مجاري الأنهر وإنشاء السجون والمجمعات التربوية، تساعد الحكومة اللبنانية على تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع».
من جهته، أكد كومارجا للرئيس عون «التزام البنك الدولي الاستمرار في مساعدة لبنان، لا سيما بعد عودة الحياة إلى المؤسسات الدستورية، إثر انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وتعزيز الاستقرار والأمن في البلاد»، لافتا إلى أن «البنك الدولي راغب في تعزيز الشراكة الجيدة مع لبنان، وأنه خصص محفظة مالية للمساعدة وفق الأولويات التي يحددها رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية». وأوضح كومارجا أن فريق العمل التابع للبنك الدولي «سيواصل التنسيق مع الفريق اللبناني لهذه الغاية»، مشيرا إلى أن «الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيكون من صلب عمل البنك الدولي لتحسين أوضاع هذه الشركات وتطويرها، لا سيما أن البنك لديه مشاريع مبتكرة تدخل في سياق أولوياته، إضافة إلى تطوير البنى التحتية».
وتزامن إعلان عون عن اقتراب لبنان من إطلاق «خطة اقتصادية شاملة» مع إطلاق رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية) رؤية تياره الاقتصادية، الذي قال إنها توازن بين «النمو الاقتصادي وإعطاء الدفع اللازم للاقتصاد»، مشددا على أن «الركيزة الأساسية لهذا الموضوع هي الطاقة، وهي المساهم الأساس لتخفيف التكلفة بمجالات عدة».
واعتبر باسيل «أننا استعدنا كلبنانيين القرار بمعانيه السيادية والسياسية الداخلية باستعادة التوازن بعدما أن صار لدينا رئيسا جديدا وقانونا انتخابيا جديدا»، لافتا إلى أن «الأولوية اليوم هي للاقتصاد». وأضاف: «مطلوب منا المباشرة بعمل اقتصادي يتعزز بمناخ سياسي خصوصا أن لدينا إمكانية أفضل للتغيير والذهاب إلى مرحلة استقرار ومن ثم مرحلة ازدهار». وأشار إلى أن «البلد بحاجة إلى خطة اقتصادية شاملة وإلى رؤية طويلة الأمد يوافق عليها الجميع بدءا بموافقة الرئيس وإقرار الحكومة لها، باعتبار أنه لا يمكننا أن نصحح أي قطاع في البلد دون وضع خطط واقعية له». وقال باسيل: «نحن نسعى لتكبير حجم الاقتصاد عبر النمو وخلق فرض عمل لكل الفئات والاستثمار بالبنى التحتية وأولها الطاقة، ومنع الاحتكار والاستفادة القصوى من مرافق الدولة وثروات الدولة»، مشيرا إلى أنه «ليس لدينا خيار إلا إطلاق عجلة الاقتصاد، لأن البديل هو الإفلاس». وأضاف: «نأمل أن يتم إقرار الموازنة التي هي أول مؤشر لانتظام العمل ومن ثم سلسلة الرتب والرواتب التي هي المؤشرات الأولى لانطلاق عجلة الاقتصاد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.