باحثون: هناك حيوانات تخطط لغدها

الغرابيات تتعمد تخزين طعام مساء لتتناوله في فطور اليوم التالي

باحثون: هناك حيوانات تخطط لغدها
TT

باحثون: هناك حيوانات تخطط لغدها

باحثون: هناك حيوانات تخطط لغدها

قال باحثون من ألمانيا إنهم اكتشفوا أن الطيور من جنس الغرابيات تشبه الإنسان في كثير من سماته، «ومنها على سبيل المثال القدرة على التخطيط وأحد أشكال الوعي خاصة»، حسبما أوضحت سوزانّه فويتسيك من جامعة ماينس الألمانية، مضيفة: «يبدو أن هذه الطيور تستطيع تقدير ما سيقع في المستقبل جيدا».
وكتب الباحثان كان كاباداي، وماتياس أوسفات، من جامعة لوند في السويد في دراستهما، التي تنشر أمس الخميس في مجلة «ساينس» أن «القدرة على التخطيط بشكل مرن لأحداث تقع خارج النطاق الحالي للإدراك من أساسيات الكينونة البشرية، وهي أمر حاسم في حياتنا اليومية وفي المجتمع... سواء تعلق ذلك بحفلة العشاء الوشيكة أو بالرعاية في فترة ما بعد التقاعد».
ورغم أنه كان معروفا لدى الباحثين أن الغرابيات تتعمد تخزين طعام مساء لتتناوله في فطور اليوم التالي، ولكن الباحثين كانوا يفسرون ذلك بأنه نوع من التكيف الخاص مع تخزين الطعام، إلا أن هذين الباحثين اكتشفا الآن أن الغراب الأسود يخطط أعمالا بشكل مسبق لفترة قد تصل إلى 17 ساعة، حيث يمكن أن يحتفظ بأشياء معينة لاستخدامها فيما بعد كأدوات أو ضمن صفقات تبادل مع آخرين، مما يؤكد أن هذه الطيور تمتلك قدرة على التحكم في نفسها وتستطيع تقدير الفترات الزمنية التي تفصلها عن الأحداث المستقبلية.
وتضطر الطيور للاحتفاظ بأشياء تخدمها في الوصول للغذاء سواء بشكل مباشر كأدوات، أو ضمن صفقة تبادل مع طيور أخرى.
وخلص الباحثان السويديان، من خلال الدراسة، إلى أن هذه القدرة لدى الطيور لا تقل عن قدرة القردة في هذا الاتجاه.
ورغم أن السنجاب هو الآخر يخزن طعاما للشتاء ويبدو بذلك جيد التخطيط، حسبما أوضحت الباحثة الألمانية فويتسيك، فإن مثل هذه الأساليب السلوكية تطورت كرد فعل على تكرار الحوادث التي تصادفه مثل اقتراب فصل الشتاء وما يعنيه من نقص في الغذاء «فهذه آلية ذاتية ولا تعني أن لدى السنجاب وعيا بما سيحدث قريبا، حيث إن التخطيط الحقيقي يتضمن إجابات مرنة على مواقف جديدة دائما».
درس الباحثان كاباداي وأوسفات القدرة على التخطيط لدى طيور الغراب من خلال أربع سلاسل من التجارب شاركت فيها خمسة غربان تمت تربيتها على أيدي الباحثين، منها اثنان ذكور.
اختبر الباحثان في البداية ما إذا كانت الطيور تستطيع اختيار الأداة المساعدة الصحيحة من بين كثير من الأدوات، وتضعها جانبا لاستخدامها بعد 15 دقيقة في موضع آخر والحصول بذلك على مكافأة من الباحثين.
تمثلت التجربة في حجر بحجم معين يتسبب في إسقاط طعام لذيذ للطيور، إذا تم قذفه فوق ماسورة موجودة في معدة خاصة بالتجربة.
أما التجربة الخاصة بالتبادل، فكان الباحثان يعرضان خلالها على الطيور أربعة أشياء تختار منها الشيء الذي يمكن أن يقبله الإنسان المشارك في التجربة كسلعة تبادلية، وقام الباحثان بتعليم الطيور في وقت سابق ما هي تلك الأشياء التي يفضلها الإنسان.
واستطاعت الغربان في جزء كبير من التجربة حل الواجب الخاص بالأدوات وواجب السلعة التبادلية بشكل صحيح.
وفي تجارب تالية تم حساب الوقت بين اختيار الطيور الأداة أو الشيء والاستخدام المحتمل له وقدروا هذا الوقت بما يصل إلى 17 ساعة. وظلت معدلات النجاح مرتفعة.
أما ما تتسم به هذه الطيور من القدرة على التحكم في النفس، فتم البرهنة عليه من خلال تجربة أخرى تم خلالها عرض وجبة فطور على الطيور بشكل متواز مع أداة أو وسيلة تبادل وتخييرها بين الأمرين، ولكن هذا الطعام كان أقل جودة من الطعام الذي ستحصل عليه الطيور في وقت لاحق من خلال استخدام الأداة المتاحة أو من خلال التبادل. واستغنت الطيور في نحو ثلاثة أرباع التجارب عن الوجبة السريعة المعروضة عليها، وفضلت الانتظار 15 دقيقة حتى يحين موعد مأدبة الغداء.
وقال الباحث الألماني أندرياس نيدر من جامعة توبينجن، إن قدرة هذه الطيور على التحكم في نفسها جديرة بالثناء بشكل خاص «وهي قاعدة مهمة للقرارات الذكية، قاعدة عدم الرد على كل شيء فورا بل اتخاذ خطوة للوراء للتمكن من التفكير والتروي أولا لمعرفة أفضل عمل يمكن القيام به».
وعندما كانت الغربان قادرة على استخدام الأداة مباشرة كانت تتخلى في جميع الحالات عن الوجبة الشهية الصغيرة البديلة «أي أن الطيور تحسب وقت الانتظار كأحد عناصر التكاليف»، حسبما أوضحت باحثة السلوك النمساوية أليس أويرسبرغ، مضيفة: «حيث تنحاز كثيرا للطعام الأسوأ إذا كان الطعام الأفضل مرتبطا بفترة انتظار».
ودرس الباحثون، تحت إشراف أويرسبرغ في معهد مسيرلي للأبحاث في مدينة جولد إيج في النمسا، سلوك ببغاء جوفين، الذي يعرف عنه هو الآخر قدرته على استخدام الأدوات.
ويجيد هذا الببغاء إعداد أدوات مناسبة مسبقا والإمساك بها بإحدى قدميه، إذا وجد أنه سيكون من الصعب التقاطها مرة أخرى من على الأرض. كما يستطيع هذا الببغاء الاختيار بشكل مرن بين الطعام والأداة، وذلك اعتمادا على ما إذا كانت الأداة مناسبة للحصول فيما بعد على مكافأة أفضل.
وترى أويرسبرغ أن «ذلك وتكرار استخدام الأدوات يدل على أن الببغاء ربما يمتلك القدرة على التفكير بشكل يستشرف المستقبل في حساباته».
وقالت أويرسبرغ إن هناك ضرورة لإجراء دراسات أخرى لمعرفة ما إذا كان الببغاء قادرا، مثل الغراب، على التخطيط للمستقبل «وبدأنا الآن نسير في هذا الاتجاه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».