ترمب يؤكد براءة ابنه في قضية «التدخل الروسي» ويهاجم الإعلام

الديمقراطيون يتجهون إلى التصعيد... والكرملين ينفي تورطه

دونالد ترمب الابن (يسار) خلال لقائه مذيع قناة «فوكس نيوز» شون هانيتي مساء أول من أمس (أ.ب)
دونالد ترمب الابن (يسار) خلال لقائه مذيع قناة «فوكس نيوز» شون هانيتي مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

ترمب يؤكد براءة ابنه في قضية «التدخل الروسي» ويهاجم الإعلام

دونالد ترمب الابن (يسار) خلال لقائه مذيع قناة «فوكس نيوز» شون هانيتي مساء أول من أمس (أ.ب)
دونالد ترمب الابن (يسار) خلال لقائه مذيع قناة «فوكس نيوز» شون هانيتي مساء أول من أمس (أ.ب)

دافع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، عبر «تويتر» عن ابنه الأكبر الذي وصفه بأنه «بريء»، بعد نشر رسائل إلكترونية وثّقت لقاءه مع محامية روسية خلال حملة والده الانتخابية.
وقال ترمب بعد أن نشر ابنه مراسلاته حول لقاء المحامية الروسية أملا في الحصول على معلومات تلحق الضرر بمنافسته هيلاري كلينتون، إن «ابني دونالد قام بعمل جيد الليلة (قبل) الماضية». وأضاف: «كان صريحا ونزيها وبريئا. هذه أكبر عملية مطاردة ساحرات في التاريخ. شيء محزن».
وفي وقت متأخر أول من أمس، قال ترمب الابن لشبكة «فوكس نيوز» إنه لم يطلع والده على الاجتماع عندما لم يحصل على أي معلومات من شأنها أن تلحق الضرر بكلينتون. وتابع لمقدم البرامج شون هانيتي: «كان مجرد لا شيء. لم يكن هناك ما يقال». لكنه بدا كأنه أقر بارتكاب خطأ، وقال: «في نظرة إلى الوراء، كنت على الأرجح سأتصرف بشكل مختلف بعض الشيء»، مضيفا: «بالنسبة إليّ، كان الأمر يتعلّق بالحصول على معلومات عن المنافسة، كان لديهم ربما أدلة ملموسة حول كل القصص التي كنت أسمعها... لذلك أردت الاستماع لكل ذلك، لكنه لم يفض إلى شيء في الحقيقة».
يذكر أن وكالات الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق على بذل جهود كبيرة من أجل التأثير على نتيجة الانتخابات لصالح ترمب، تشمل قرصنة معلوماتية، وتسريب رسائل إلكترونية محرجة من الحسابات الإلكترونية لمسؤولين ديمقراطيين.
وهاجم الرئيس ترمب الإعلام، أمس، بقوله: «تذكروا، عندما تسمعون عبارة (تقول المصادر) من الإعلام المزيف، فالأغلب أنها مصادر مفبركة لا وجود لها».
من جهته، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أمس، إن الكرملين لم يتواصل نهائيا مع المحامية الروسية ناتاليا فيسيلنيتسكايا التي التقت مجموعة من مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب العام الماضي. وقال بيسكوف في مؤتمر صحافي عبر الهاتف: «قلنا من قبل إنه لا علم لدينا مطلقا بهذه القصة، ولم نتواصل مطلقا مع هذه المحامية... وليست لها أي صلة بنا». وأضاف أن القضية «تذكر بمسلسل مستمرّ منذ فترة طويلة، ينافس المسلسلات الأميركية الأكثر شعبية. لكن ينبغي ألا نكون شركاء في هذا النوع من المسلسلات، لم ولن نشارك فيها».
وعدّ بيسكوف أنه «من العبثي» الاعتقاد بأن يكون نجل ترمب قد اعتبر ناتاليا فيسيلنيتسكايا مبعوثة الكرملين. وقال إن «محاميا ما يمثل الدولة الروسية فقط عندما يشارك في قضية بصفته ممثلا للدولة الروسية. وهذا الأمر لا ينطبق هنا».
ونفت فيسيلنيتسكايا بدورها ارتباطها بالحكومة الروسية، وصرحت في مقابلة مع محطة «إن بي سي»، بأنها لم تكن تملك المعلومات التي يبحث عنها نجل ترمب، فيما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنه لم يعلم بالمسألة إلا بعد مشاهدة نشرات الأخبار مساء أول من أمس. وصرّح من بروكسل: «شاهدت التلفزيون صباح اليوم مجددا، ولاحظت أن المحطات الغربية لا تتكلم إلا عن هذا الأمر».
ويلجأ دونالد ترمب الابن إلى «تويتر» بالإقبال نفسه لوالده، ويرد بهجوم معاكس على أي استهداف له، ويبدو اليوم مستعدا رغم موجة الانتقادات. ومع الكشف في الساعات الأخيرة عن معلومات محرجة له، اختار دونالد ترمب الابن (39 عاما) الرد بسخرية وازدراء، بينما كان سيلجأ آخرون إلى تصريحات يعدها محاموهم بعناية.
وفي الرسائل التي نشرت أول من أمس، يقول الوكيل الدعائي روب غولدستون المقرب من أسرة ترمب لنجل الرئيس الأميركي إنه علم من المغني الروسي أمين أغالاروف نجل قطب العقارات أراس أغالاروف، بأن الروس لديهم معلومات محرجة عن كلينتون.
وكتب غولدستون في رسالة بتاريخ 3 يونيو (حزيران) 2016 أن «النائب العام الروسي التقى والده أراس هذا الصباح، وعرض خلال اللقاء تزويد حملة ترمب بمعلومات ووثائق رسمية يمكن أن تؤدي إلى تجريم كلينتون حول علاقاتها مع موسكو، وتكون مفيدة جدا لوالدك».
وتابع غولدستون: «من الواضح أنها معلومات حساسة جدا وعلى مستوى رفيع، لكنها جزء من جهود الحكومة الروسية لدعم ترمب بمساعدة من أراس وأمين». وردّ ترمب الابن في غضون أقل من 20 دقيقة، بحسب سلسلة المبادلات الإلكترونية التي حملت عنوان: «روسيا - كلينتون - خاص وسري»، وكتب: «شكرا روب، أنا أقدر ذلك... إذا كان مثلما تقول، فإنني أرحب تماما بالأمر، خصوصا في وقت لاحق من الصيف».
وتمت الإشارة إلى المحامية الروسية في الرسائل بـ«محامية الحكومة الروسية».
لكن رجل الأعمال الروسي نفى مضمون الرسائل الإلكترونية التي تلمح إلى أنه وسيط محتمل بين عائلة ترمب والكرملين. وقال: «أعتقد أنه نوع من الخيال، وأجهل من يفبركه» في تصريح لإذاعة «بيزنس إف إم» الروسية، بحسب نص المقابلة الذي نشر على الإنترنت. وأضاف: «ما علاقة هيلاري كلينتون بأي شيء؟ لا أدري. فأنا لا أعرف روب غولدستون جيدا».
وعلّق مرشح كلينتون لمنصب نائب الرئيس، تيم كاين، على هذه المعلومات الجديدة أول من أمس بأنها تتجه نحو اتهامات أكثر خطورة بالحنث بالقسم و«خيانة محتملة». وقال السيناتور كاين في مقابلة منفصلة مع شبكة «إم إس إن بي سي» إن «ذلك كان يفترض أن يشكل إنذارا لهم، بدلا من أن يفتح شهيتهم».
بهذا الصدد، قال أستاذ الحقوق في جامعة أوهايو جوشوا دريسلر، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الاتصال وحده بدولة أجنبية؛ أو حتى دولة خصم - فنحن لسنا في حالة حرب - لا يشكل تجسسا أو خيانة». وتابع أن الخيانة تقضي بنية شخص في إيذاء بلده، عادّاً أنه «اتهام متطرف».
من جهته، أصدر نائب الرئيس مايك بنس بيانا أعلن فيه أنه لم يكن على علم باللقاء، فيما يبدو أنه محاولة للنأي بالنفس عن القضية. وحذّر بعض الجمهوريين من أن اللقاء خط أحمر، وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام: «عقده اللقاء يطرح إشكالية... الرسالة الإلكترونية إشكالية».
ورفض البيت الأبيض التعليق على الأسئلة المتعلقة بدونالد ترمب الابن، وأحال الصحافيين إلى المحامين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟