باحثة فرنسية تقتفي أثر المعماري لوكوربوزييه في بغداد

سيسيليا بييري تنشر كتابا عن صالة الألعاب التي صممها المهندس العالمي

الجمنازيوم الذي صممه المعماري الفرنسي لوكوربوزييه في بغداد
الجمنازيوم الذي صممه المعماري الفرنسي لوكوربوزييه في بغداد
TT

باحثة فرنسية تقتفي أثر المعماري لوكوربوزييه في بغداد

الجمنازيوم الذي صممه المعماري الفرنسي لوكوربوزييه في بغداد
الجمنازيوم الذي صممه المعماري الفرنسي لوكوربوزييه في بغداد

حين رحل المعماري لوكوربوزييه عن الدنيا، أواسط ستينات القرن الماضي، لم يكن يعرف أن هناك من سينبش خرائط مشروعه الكبير لبناء مدينة رياضية في بغداد، وسيأخذ منها تصميما نام في الأدراج لعقدين من الزمان. إنها صالة الألعاب التي جرى تنفيذها قرب ملعب الشعب في صوب الرصافة عام 1980، ولم تحمل توقيع صاحبها بل تنازعتها أسماء أُخرى وأُطلق عليها «صالة صدام حسين». وعن هذه الصالة صدر كتاب جديد بالفرنسية للباحثة سيسيليا بييري.
ولوكوربوزييه هو اسم الشهرة، والأصلي شارل إدوارد جانوريه غري. وهو أشهر من نار على علم في دنيا العمارة. ولد في سويسرا، عام 1887، وتجنس فرنسيا وكان رساما ونحاتا ومصمما ومهندسا وأديبا ومخطط مدن. جال في بلاد العالم وأسهم، منذ عشرينات القرن الماضي، في وضع ملامح العمارة الحديثة وصمم مجمعات سكنية تحمل حلولا لمشكلات التشتت الجغرافي. كان سكان المباني يجدون في محيطهم دارا لحضانة الأطفال ومدرسة وصيدلية ومخبزا ومكوى ومكتبة ومكتبا للبريد ودكاكين للحوم والخضار.
لم يهبط المهندس الفرنسي على بغداد بالمظلة. ففي صيف 1955 سعت حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد لتطوير البنى التحتية للعاصمة. وكان على «مجلس الإعمار»، وهو دائرة تشبه وزارات التخطيط الحالية، تنفيذ رغبة الحكومة واستدعاء مهندسين عالميين يساعدون العراق على مواكبة خطط التنمية. إن عائدات النفط في تقدم، والموارد تسمح بتنفيذ أحلام الحداثة. وكان من بينها تشييد دار للأوبرا من تصميم المهندس فرانك لويد رايت، ومدينة جامعية رسمت خرائطها في بوسطن من تصميم والتر كروبيوس، ومتحف من تصميم الفنلندي ألفار آلتو، ومقر لوزارة التخطيط من تصميم الإيطالي جيو بونتي، ومركز وطني من تصميم النيوزيلندي مارينوس دودوك. وفي حين رأى بعض تلك المشروعات النور فإن قسما آخر ظل أحلاما مرسومة بقلم الرصاص والفرجار والمسطرة على الورق.
نصيب لوكوربوزييه، أشهر معماريي زمانه، كان بناء مدينة أولمبية تتضمن ملعبا يتسع لخمسين ألف متفرج، و«جمنازيوم» ذا منصة تتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج، ومسبحا يتسع لِخمسة آلاف متفرج، مع حوض ذي أمواج اصطناعية وآخر للألعاب المائية. لكن التنفيذ تأخر، ومات المهندس ولم تكتحل عيناه برؤية مدينته الرياضية في عاصمة الرشيد. وفي ما بعد، أخذوا جزءا منها هو صالة الألعاب أي «الجمنازيوم» الذي رأى النور بعد حكاية فريدة من نوعها.
في تلك الفترة من مطلع ثمانينات القرن الماضي كان مكتب المهندس الاستشاري رفعت الجادرجي في بغداد هو صلة الوصل بين المهندس المعماري ووزارة الرياضة، وبالأخص عدنان شريف والعديد من المهندسين العراقيين المكلّفين بمراقبة المواصفات النوعية. وقد استقدم مكتب الدراسات الياباني «ميتسوي» عمالا تايلانديين لوضع أساسات المشروع وتنفيذ البناء، حتى إن اللوحات في الورشات لم تكن مكتوبة باللغة العربية بل باللغة التايلاندية.
لم يحضر صدام حسين افتتاح المشروع، بل أناب عنه طارق عزيز الذي كان وزيرا للشباب والرياضة بالوكالة، بالإضافة إلى مهماته الأخرى. لكن أكسيل ميسني، مهندس المشروع، ظل يحتفظ من تلك اللحظة المميزة بذكرى طريفة ومؤثرة. فقد كان المطر يهطل بغزارة، وحسب التقاليد المَرعِيّة وتعبيرا عن الترحيب بالضيوف، جرى نحر عدد من الخراف، وظلت صورة السواقي المليئة بمياه الأمطار الممزوجة بدماء الأضاحي محفورة في بال ميسني.
روت كل هذه التفاصيل لـ«الشرق الأوسط» صاحبة الكتاب، الباحثة الفرنسية المهتمة بمظاهر العمارة الحديثة في بغداد والتي قامت بأكثر من 20 رحلة إلى العراق خلال السنوات العشر الماضية. ويأتي كتاب سيسيليا بييري بعد كتاب سابق لها عن العمارة البغدادية في منتصف القرن الماضي. وهي تدير، حاليا، مركزا لدراسات التخطيط العمراني. وقد تمكنت، في الربيع الماضي، من تنظيم مؤتمر في بغداد، بالتعاون مع جامعتها، حول هيكلية العمارة البغدادية الحديثة، تحت عنوان «من لوكوربوزييه إلى الرواد العراقيين».
لقد لاحظت الباحثة أن تصاميم لوكوربوزييه العراقية لم تدرج في السجل الكبير لأعماله والصادر في عدة مجلدات. كما لم يرد لتلك التصاميم ذكر في دليل مركز بومبيدو الثقافي في باريس والخاص بالمشاريع الهندسية الكبرى. لكن معرضا استضافته مدينة برشلونة الإسبانية، عام 2008، وافتتحته ملكة البلاد، عرض أعمال المعماري الفرنسي من بين مشروعات عراقية كبرى كانت مرصودة للتنفيذ في الخمسينات.
حين احتلت القوات الأميركية بغداد، عام 2003، تمركز قسم منها في محيط ملعب الشعب لمراقبة الطرق المؤدية إلى وسط العاصمة. وبعد رحيل تلك القوات، زارت الباحثة الفرنسية صالة الرياضة التي كانت تسمى «ملعب صدام» ووجدتها سالمة من التدمير. وتقول إنها شعرت بمهابة الواجهة ذات الكتلة الضخمة التي تقف وحدها شامخة ضمن محيط متصحر ومعزول، بين مفارق طرق واسعة ومترامية الأطراف: «وجدت نفسي أمام سقف من الباطون يمتد منحنيا فوق مدرج مفتوح في الهواء الطلق، وفضاءات داخلية مضاءة بنور الشمس الهابط عليها عموديا، مع ألوان متعددة ميزت أعمال لوكوربوزييه. إنه عمل عظيم لمعلّم كبير، جرى تنفيذه بشكل جيد بحيث تمكن من مقاومة عوارض الزمن والأهوال التي ضربت العاصمة». وعند عودتها من هناك، قصدت الباحثة مؤسسة لوكوربوزييه في باريس فلم تجد لديها أي وثيقة فنية تنفيذية أو صورة عن ورشة البناء.
ثم تغير كل شيء بعصا ساحر. فقد ظهر في الموقع نصب تذكاري جديد يؤرخ لفوز المنتخب العراقي لكرة القدم بكأس آسيا، عام 2007. كما ازدحم محيط الصالة الرياضية بإنشاءات متنوعة غير متجانسة، منها ألعاب وأراجيح بلاستيكية ملونة للأطفال، وملعب رياضي صغير ملاصق للواجهة الخلفية، ولما رحل المدرب الشهير عمو بابا أقاموا له ضريحا هناك، وضعوا فوقه كرة قدم كبيرة.
تقول سيسيليا: «في ربيع 2011 قمت بزيارة جديدة للمبنى برفقة جاك سبرغليو، نائب رئيس مؤسسة لوكوربوزييه في باريس، تبعها اجتماع تم تنظيمه في كلية التربية الرياضية في المدينة الجامعية. وتم الاتفاق على مبادئ تعاون علمي بين المؤسسة، صاحبة الملكية الفكرية والفنية لصالة الألعاب الرياضية المغلقة، والسفارة الفرنسية وجامعة بغداد. وأعقبت تلك الزيارة زيارات تالية أسفرت عن تركيب أسقف مستعارة في الأماكن التي تحتاج لحجب الإضاءة الشمسية، بالإضافة لوضع مربعات زجاجية ملونة على بعض النوافذ، كما هو الحال في البيوت العراقية التقليدية. وكذلك تم تزيين المدرّجات بالكراسي الملونة وحلت الأنابيب المذهبة المنتهية بقبضات مستديرة مشغولة بأشكال مختلفة محل الحواجز، وتم تغيير المعدن الأصلي للسلالِم وتشييدها من الرخام».
ثم توالت المفاجآت. ففي ربيع العام الماضي ذهب فريق من وكالة الصحافة الفرنسية لزيارة الجمنازيوم مع سيسيليا بييري. وكانت مع الفريق صحافية عاشقة للهندسة المعمارية، بعثت بتقرير عنوانه «عودة عمل لِلوكوربوزييه من النسيان في بغداد». وحال نشر التقرير تناقله أكثر من مائة موقع إلكتروني وترجم إلى عدة لغات. وبعد عدة أيام، وبفضل شبكة الإنترنت، انفتحت أمام الباحثة الفرنسية نافذتان مهمتان. فقد أرسل لها صديق رسالة بالبريد الإلكتروني ساعدتها في الحصول على عنوان أكسيل ميسني، وهو المهندس المنفذ لصالة الألعاب الرياضية المغلقة. وقد كان هذا المعماري الفرنسي رئيسا للورشات في فترة من الفترات، ويعمل آنذاك في مكتب عائد للمهندس جورج مارك بريزونتيه، مساعد لوكوربوزييه. وميسني هو الذي كان قد تفاوض مع الجهات العراقية حول تنظيم العقد الابتدائي. وتقول سيسيليا إن ثقته بها كانت كبيرة لدرجة أنه أحضر لها أرشيفه الكامل تقريبا، فاستطاعت بذلك أن تسلم باليد مجموعة مهمة من الوثائق لمؤسسة لوكوربوزييه في باريس. وقد جاءت هذه المجموعة لتكمل النقص الحاصل في أرشيف مجهول تماما حول العمل في تلك الورشات. وهو نقص دام اثنين وثلاثين عاما.
ضمت تلك المجموعة من الوثائق 320 شريحة ضوئية ملونة وأربع لوحات حساسة تحتوي على صور بالأبيض والأسود لورشات العمل، والعديد من المخططات المسحوبة التي يحمل أحدها توقيع لوكوربوزييه، إضافة إلى ثلاثة مصنفات من المخططات التنفيذية الفنية لمكتب الدراسات الياباني «ميتسوي». فضلا عن ذلك، فقد احتفظ أكسيل ميسني بنسخ عديدة من رسائل لوكوربوزييه التي يحمل بعضها تعليقات بخط يده، الأمر الذي أتاح للباحثة أن تتصل بنجل جورج مارك بريزونتيه الذي فتح لها أرشيف أبيه كاملا.
أما النافذة الثانية فكانت عبر رسالة وصلتها من ماكي كزيناكيس، ابنة المعماري والمهندس والرسام اليوناني الأصل الذي عمل لعدة سنوات في محتَرف لوكوربوزييه. وتضيف الباحثة أنها بفضل هذه الرسالة فهمت أن بعض رسوم كزيناكيس كانت في الحقيقة رسومات تخطيطية للمشروع في بغداد. وقد كتبت لها الابنة ترجوها مواصلة كشف تفاصيل العمل، قائلة لها: «أظهري رسومات أبي، فالاعتراف بأبوته لهذا العمل كان أمرا شديد الأهمية بالنسبة إليه وهو كذلك بالنسبة إلينا جميعا!».
أمل سيسيليا بييري، اليوم، أن تواصل البحث حتى تعثر على الوثائق التي قد تكون موجودة في مكان ما في بغداد، لاستكمال هذا المشروع الذي يعيد إحياء حقبة لوكوربوزييه العراقية. إنه درس آخر لنا، نحن العرب، في أهمية الحفاظ على تراثنا ووثائق علمائنا ومبدعينا، مثلما يهتم الأجانب بكل خط أو صورة لكبارهم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».