كريس دي بيرغ يغني للبنان واللاجئين السوريين

كريس دي بيرغ خلال إحيائه حفل مهرجانات «أعياد بيروت» 2017
كريس دي بيرغ خلال إحيائه حفل مهرجانات «أعياد بيروت» 2017
TT

كريس دي بيرغ يغني للبنان واللاجئين السوريين

كريس دي بيرغ خلال إحيائه حفل مهرجانات «أعياد بيروت» 2017
كريس دي بيرغ خلال إحيائه حفل مهرجانات «أعياد بيروت» 2017

التقط اللبنانيون أنفاسهم لنحو ساعتين من الزمن وهم يحضرون حفل الافتتاح لمهرجانات «أعياد بيروت» التي كان ضيفها المغني البريطاني كريس دي بيرغ. فقد تفاعل معه جمهور غفير احتشد بالآلاف على أدراج مسرح «بيال»، وسط بيروت، وهو ينشد أغنياته، فبادلهم النجم البريطاني الحبّ والإعجاب، معرباً أكثر من مرة خلال الحفل عن عشقه لـ«ستّ الدنيا» ولأهل لبنان الذين يفاجئونه بحبّهم للحياة في كلّ مرة يزورهم.
اعتمد دي بيرغ أسلوب الـ«الكريشاندو» (التصاعدي) في وصلاته الغنائية، بحيث استهلّها بأغانيه الجديدة، ليطعّمها فيما بعد بمجموعة من أعماله المعروفة التي توّجته على مدى نصف قرن نجم غناء لا يتكرر، بعد أن أحيا أكثر من 3 آلاف حفل، وباع 45 مليون ألبوم غنائي حول العالم.
وأبدع دي بيرغ حين غنّى «بيت لحم» مفتتحاً حفلته هذه، ليتبعها بأغنيتي «تشاين أوف كومند» و«لونلي سكاي» وهو يعزف على غيتاره الإلكتروني، وتصاحبه فرقته الموسيقية المؤلّفة من 4 أفراد. وتوجّه إلى الجمهور بكلمة «مرحبا»، واصفاً إياهم بالشعب الرائع، وليعدهم بتقديمه لهم حفلة لن ينسوها، معبّراً عن مدى اشتياقه لبيروت بعد غيابه عنها لنحو 5 سنوات (زارها في عام 2012، مشاركاً في مهرجانات جونية الدولية). فغنّى «Missing you» (اشتقت إليك)، مطعّماً كلماتها بلبنان حيناً، وبعاصمته حيناً آخر، مبدياً بذلك مدى شوقه لبلاد الأرز. وخاطب كريس دي بيرغ الحضور بشكل مستمر، فبقي على اتصال دائم معهم بين وصلة غنائية وأخرى، إن بالكلام من خلال عبارات: «شكراً» و«أنتم تغنون كالملائكة» و«لبنان هو المكان الأفضل لأختتم القسم الثاني من جولتي الغنائية» و«أنتم حقيقيون» و«أنتم شعب مضياف»، أو مخاطبة الحضور بالإشارات أحياناً أخرى، عندما كان يدعوهم إلى التصفيق، ويوزّع عليهم القبلات من على خشبة المسرح.
وانطلاقاً من الأوضاع غير المستقرة التي يعيشها العالم، كما قال، وحالات الموت الكثيرة التي تشهدها شعوبه هنا وهناك، إضافة إلى افتقاد عدد كبير من الشعوب منازلها التواقة لعودة قريبة إليها، خصوصاً اللاجئين السوريين منهم في لبنان، أدّى كريس دي بيرغ أغنيته «هوملاند» (البلد الأم)، ليتبعها بأغنية «الثورة»، طالباً من الحضور التفاعل معه من خلال الضرب بأقدامهم على الأرض. وراح يقفز يميناً ويساراً على المسرح حماساً، ليمسك بخصره بعدها مدّعياً إصابته بآلام الظهر بسبب تقدّمه في العمر، ومداعباً بذلك جمهوراً غفيراً غمرته سعادة لقاء نجمه المفضّل بعد طول غياب. كما لم يتوانَ عن إحداث جو من الفكاهة حين أخبر الجمهور بحادثة طريفة حصلت معه أثناء تناوله طعام الغداء في مطعم «فلوكة» في بيروت، عندما تقدّم منه أحدهم وصديقته، طالباً منه التقاط صورة تذكارية، وأنه عندما همّ بالوقوف قرب الصديقة، بادره الشاب بالقول: «لا أنت من سيلتقط لنا هذه الصورة».
وعمد كريس دي بيرغ قبيل أدائه عدداً كبيراً من أغانيه إلى التقديم لها بكلمات توجز مواضيعها، أو تعبّر عن أفكاره الشخصية حول دعمه السلم والإنسانية والأوطان الحرة، دون أن ينسى ذكر حبّه للبنان ومدنه الأثرية (بيبلوس)، وإعجابه بالطعام اللبناني الذي يتناوله بشهية فينسيه نظامه الغذائي المعتدل الذي يتبعه عادة.
وعرف كريس دي بيرغ بإدخاله الموسيقى الشرقية على أعماله التي حفظها الشرق والغرب، وطالت قارات الكرة الأرضية، فوصلت كندا وأستراليا والبرازيل. ومن هذا المنطلق، قدّم «عيون والدي» التي تتّسم بإيقاع شرقي لافت، وليعرّف الجمهور بعدها إلى فريقه الموسيقي فرداً فرداً، واصفاً أحدهم (نايغل هوبكنز على آلة keeboard) بالمبدع الذي لو كان بتهوفن نفسه ما يزال حياً يرزق لتمنى لقاءه. وفي كوكتيل غنائي أشعل أجواء المسرح تصفيقاً وغناء، قدّم المغني الآيرلندي الأصل مجموعة من أعماله المعروفة، في غياب فرقته الموسيقية وعلى طريقة الـ«سولو»، فعزف وغنّى ورقص مبرزاً قدراته الفنية وحضوره الأخاذ على خشبة مسرح تشبّعت بديناميكيته المبهرة وبصوته المميز.
وفي هذا القسم من الحفل، بلغ تفاعل الجمهور ذروته، عندما راح يردّد معه كلمات أغاني «سايلور» و«أون ماي مايند» و«قل وداعاً» و«لايدي إن ريد». وفي هذه الأخيرة، نزل دي بيرغ عن المسرح ليتجوّل بين الجمهور وهو يغني ويلقي التحية على الجميع حتى الذين جلسوا في الصفوف الخلفية، فتسبب بحالة من الهستيريا بين الحضور الذين راحوا يحاولون التقاط الصور التذكارية معه أو التسليم عليه باليد. وبعد أن استعاد موقعه على المسرح، رمى بسترته على الجمهور الذي تهافت لالتقاطها كذكرى منه، وليكمل الحفلة بباقة أخرى من أغانيه التي حوّر أحياناً كلماتها محفزاً الجمهور على الغناء معه بصوت مرتفع.
وبعيد تقديمه أغنية «هايت إن إيموشين»، داعياً الجميع إلى التقدم من المسرح، ودّع الجمهور، ليغيب للحظات وراء كواليس الخشبة، ويعود ويعتليها من جديد إثر مطالبة الجمهور له بحرارة، ولينهي هذا الحفل المنظّم من قبل شركات «تويو تو سي» و«ستار سيستم» و«برودكشن فاكتوري» رسمياً بأغنيتي «إنها تثلج فوق نيويورك» و«اذهب حيث يدلك قلبك». ومع دي بيرغ، أسدلت مهرجانات «أعياد بيروت» الستارة على أولى حفلاتها لهذا الموسم، التي تتبعها أخرى في الأيام القليلة المقبلة، وأبرزها مسرحية «بنت الجبل» في 20 يوليو (تموز) الحالي، وحفلة لوائل كفوري في 22 منه، واثنتان لفريقي «جامل كوميدي كلوب» و«كيدز يونايتد» في 25 و31 منه، ولتختتم مع إليسا في 3 أغسطس (آب) المقبل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».