أشهر موعد عالمي لعشاق التصوير الفوتوغرافي

عمالقة وهراقل وأقزام في ملتقيات «آرل» الفرنسية

لقطة قديمة لمصور مجهول من شيكاغو
لقطة قديمة لمصور مجهول من شيكاغو
TT

أشهر موعد عالمي لعشاق التصوير الفوتوغرافي

لقطة قديمة لمصور مجهول من شيكاغو
لقطة قديمة لمصور مجهول من شيكاغو

كلما أغلق بلد حدوده واشتعلت فيه النزاعات، اعرف أنّ المصورين موجودون لتسجيل الكارثة ونقل الحدث. ذلك هو الجانب المروع لما يمكن أن يراه زائر الملتقيات السنوية للتصوير الفوتوغرافي بمدينة آرل، جنوب فرنسا. لكن هذه التظاهرة التي تحتفل هذا العام بالدورة 48، تقدم أيضاً مجموعة من المعارض المدهشة التي ترفع الصورة إلى مقام اللوحة الفنية، إلى جانب قيمتها التاريخية والتوثيقية والاجتماعية.
في عصرنا الذي تدور فيه الصور بسرعة الضوء، حين يحمل الجميع، حتى الأطفال، كاميراتهم في هواتفهم، يتساءل المرء: هل ما زال هناك مكان للدهشة؟ في آرل، المدينة الوادعة التي يتخذ منها عدد من الفنانين والمثقفين مقراً لهم، تتأكد من إيجابية الجواب. فملتقياتها السنوية للتصوير الفوتوغرافي هي الموعد الذي يجمع مشاهير المصورين وهواة التصوير وعشاقه في العالم. وتكتشف أنّ العالم يتحرك، وأنّ هذا المهرجان يقدّم لك خفاياه السابقة واللاحقة على طبق من ورق صقيل، ملون أو بالأسود والأبيض.
من المعارض الكثيرة لدورة هذا العام، يلفت النظر معرض لصور تعود لأوائل القرن الماضي، التقطها مصور مجهول، تحولت بسبب غرابتها إلى بطاقات بريدية. وتأتي هذه البطاقات من مجموعة كلود ريبويو، وهو موسيقي وباحث فرنسي وجامع للآلات الموسيقية ذات الطابع الشعبي، ولدفاتر الألحان القديمة وصور العروض الشعبية والأقنعة وعرائس المسرح. والصور المختارة تأتي تحت عنوان «كل المقامات محفوظة»، وهي لقطات لأقزام وعمالقة وهراقل. ومن المعروف أنّ الاختلافات بين البشر كانت دائماً مصدراً للدهشة، وكان يجري استعراض أصحاب القامات غير العادية في المهرجانات الشعبية وحلبات السيرك. وهناك في الصور رجال بالغو الطول، وآخرون لا يزيد طولهم على أشبار.
نقرأ في تقديم المعرض أنّ مجتمعات القرون الماضية كانت تنظر للأقزام كجنس على حدة، يراوح بين البشر وبين الكائن الصالح للمداعبة والفرجة. لذلك وجدوا مكانهم في السينما والاستعراضات الفكاهية. ويقول صاحب المجموعة، إن العمالقة والأقزام كانوا يعرضون في التجمعات القروية في أميركا وكأنهم ظواهر غير مألوفة، مثلما كانوا يعرضون السود والصينيين من المهاجرين الأوائل. وقد مرّ وقت طويل حتى اعترف لهم الآخرون بإنسانيتهم وتفهموا حالاتهم وتوقفوا عن السخرية منهم.
لاحق المصور المجهول أولئك الرجال والنساء من أصحاب المواصفات «الشاذة» والتقط لهم صوراً يظهرون فيها سعداء، يرتدون ملابس الحفلات ويبتسمون للكاميرا. لقد فهموا أنّ رزقهم يعتمد على مواهبهم في إخفاء أحزانهم وتسلية الغير وإسعاد الأطفال.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».