موسم أصيلة الثقافي يزيح الستار عن معرض «ربيعيات» للفنون التشكيلية

شارك فيه 12 فناناً من المغرب والبحرين وإسبانيا

محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة مع محمد أوجار وزير العدل المغربي بمعرض «ربيعيات»
محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة مع محمد أوجار وزير العدل المغربي بمعرض «ربيعيات»
TT

موسم أصيلة الثقافي يزيح الستار عن معرض «ربيعيات» للفنون التشكيلية

محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة مع محمد أوجار وزير العدل المغربي بمعرض «ربيعيات»
محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة مع محمد أوجار وزير العدل المغربي بمعرض «ربيعيات»

دشن موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ39 المعرض التشكيلي الأول الذي نظم بعنوان «معرض ربيعيات» بمشاركة عدد من ألمع الفنانين التشكيليين المغاربة والعرب والأجانب، وذلك خلال حفل افتتاح حضره محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة ومحمد أوجار وزير العدل المغربي بالإضافة إلى ثلة من الفنانين والباحثين المشاركين في مختلف فعاليات الموسم الثقافي لهذا العام.
وأسهم في تشكيل «معرض ربيعيات» 12 فنانا تشكيليا ينتمون إلى المغرب والبحرين ولبنان، ومثل المغرب ثلة من التشكيليين من بينهم سناء السرغيني وشعة الخراز ونرجس الجبار وسهيل بنعزوز ومحمد العنزاوي بالإضافة إلى الممثلة والتشكيلية آمال الأطرش، ومليكة البقالي، والفنانة لبنى الأمين من البحرين، ومارتا دي بابلوس من إسبانيا التي شاركت في ورشة معرض ربيعيات وفي الجداريات بالعمل مع مجموعة من أطفال أصيلة الذين تركوا بصماتهم في العمل الذي سيزاح عنه الستار ضمن فعاليات الموسم.
وقالت سناء السرغيني المشرفة على «معرض ربيعيات» إن المعرض هو امتداد لتشجيع الموسم منذ انطلاقه للفن التشكيلي، حيث دأب موسم أصيلة على استضافة ألمع التشكيليين المغاربة والعرب، ومن كل بقاع العالم ليبرز التنوع في إبداع الثقافات المختلفة ويغني زوار أصيلة بأحدث الأفكار والتقنيات الجديدة في مجال التشكيل، وكذا تحقيق التوازن الفني الذي التزم موسم أصيلة به كل عام.
وبخصوص موضوع اللوحات، أوضحت السرغيني أن موضوع اللوحات المعروضة ليس موحدا، لكن ما يجمع بين اللوحات هو أن ورشة «ربيعيات» انطلقت في فصل الربيع حيث تكون مدينة أصيلة في أبهى حللها وهذه الفترة كانت إلهاما للفنانين التشكيليين المشاركين في المعرض، حيث فرضت المدينة على كل فنان ألوانها الخاصة وأضواءها رغم أنه في العادة لكل فنان ألوانه الخاصة به لكن أصيلة خلقت الاختلاف في هذا المعرض.
ومن مميزات المعرض كذلك أن معظم الفنانين التشكيليين الذين شاركوا فيه هم من أصل «زايلاشي» نسبة لمدينة أصيلة، وعاشوا أجواءها منذ الصغر في حين أن بقية الفنانين رغم انتمائهم لمدن ودول أخرى فإن لهم عشقا خاصا لمدينة أصيلة، كما أشادت السرغيني بالإنجاز الذي حققه معرض ربيعيات في الموسمين الماضين، إذ جرت العادة أن ينطلق المعرض مباشرة مع انطلاق الموسم الثقافي لكن في العامين الماضيين عكفوا على فتحه في فصل الربيع أي قبل الموسم بشهور حتى يتسنى للفنانين عيش أجواء أصيلة مختلفة عن الصيف.
من جهة ثانية، وفي تعليق على اللوحات الفنية التي تزين مدينة أصيلة أبدت الفنانة البحرينية سمية عبد الغني، إعجابها بجداريات أصيلة من توقيع تشكيليين لامعين، وكذا بالجهد الرائع للفنانين، والاختلاف الظاهر بين الأعمال التي تمثل كل الثقافات بألوان جميلة وتقنيات متطورة، وقالت: «من الواضح أن أصيلة استضافت الكثير من الثقافات المختلفة»، وهذا في رأيها ثروة فنية كبيرة بالنسبة للبلد والفنان أيضا لأنها تعطي المواطن فرصة لكي يدرب عينه على رؤية مجموعة مختلفة من الفن، وهو أمر جيد أيضا للفنان لأنه يكتشف مجموعة من التقنيات الجديدة والأعمال الجديدة التي يمكن أن يكون سمع عنها أو قرأ عنها لكنه لم يلمسها بيده أو يراها بالعين المجردة، وهو أمر بالنسبة للفنان كوضع اليد على الكنز الموجود من خلال اكتساب طرق جديدة للعمل، مضيفة أنه «فرصة لتبادل أفكارك مع شخص آخر فتعطيه جزءا من ثقافتك ويعطيك جزءا من ثقافته ويكون هناك تطوير وانفتاح أكثر في العمل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)