قادة العشرين يطلقون مبادرة لتعزيز مكانة المرأة في عالم الأعمال

أسسوا صندوقاً بـ325 مليون دولار يشرف عليه البنك الدولي

TT

قادة العشرين يطلقون مبادرة لتعزيز مكانة المرأة في عالم الأعمال

أطلق البنك الدولي، صباح أمس، صندوقا لتعزيز مكانة المرأة في عالم الأعمال بالدول النامية، في إطار مشروع طوره مع ابنة الرئيس الأميركي ومستشارته إيفانكا ترمب.
وتعهد عدد من قادة دول وحكومات مجموعة العشرين، بحضور رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، بتمويل صندوق يشرف عليه البنك لدعم سيدات الأعمال في الدول النامية بـ325 مليون دولار. ويهدف الصندوق إلى جمع مليار دولار من مختلف الدول المانحة، سعيا منه لتخصيص هذه الموارد لتسهيل حصول السيدات على الرأسمال اللازم لتمويل المقاولات الصغيرة ومتوسطة الحجم. كما يسعى البنك إلى التعاون مع الحكومات لتحسين القوانين واللوائح التي تعيق سيدات الأعمال، كما سيدفع المؤسسات المالية للمساهمة في الشركات التي يؤسسنها.
وحول أهمية هذا الصندوق، قال جيم يونغ كيم إن «تمكين المرأة في مكان العمل قضية أخلاقية، لكنها قضية اقتصادية أساسية كذلك». وأضاف الرئيس أنه «لا يمكن لأي بلد أو منظمة أو اقتصاد أن يصل إلى كامل إمكاناته ويواجه تحديات القرن الحادي والعشرين دون المشاركة الكاملة والمتكافئة للمرأة والرجل».
من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن المبادرة تمثل «حقا قيمة مضافة... يمكننا أن نرى في هذه المبادرة أن مجموعة العشرين ليست فقط قمة تعقد على مدار يومين، بل هي عملية متواصلة... إذا سارت الأمور على نحو سريع لدى البنك الدولي في إنشاء هذا الصندوق، فإننا سنكون أكثر فعالية في الهيكل الدولي».
بدوره، شكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهود المستشارة الألمانية وابنته إيفانكا، معتبرا أن الأخيرة تواجه صعوبات بسبب اسمها العائلي. وقال: «أنا فخور بابنتي إيفانكا. لطالما كنت فخورا بها. ولو لم تكن ابنتي، لكانت الأمور أسهل بالنسبة لها».
كما هنّأ الرئيس الأميركي أنجيلا ميركل على القمة «الرائعة» لمجموعة العشرين، رغم المظاهرات العنيفة التي شهدتها شوارع المدينة. وقال ترمب إن ميركل كانت «ممتازة وقامت بعمل رائع» عندما نظمت «قمة مجموعة العشرين بشكل محترف مع حد أدنى من التشويش».
وبحسب بيانات البنك الدولي، فقد قدمت بريطانيا وأستراليا والصين وكندا وكوريا الجنوبية وهولندا «مساهمات سخية» لهذا الصندوق، كما تعهدت ألمانيا بتقديم مساعدات مالية. ووفقا لمصادر أميركية، فإن الولايات المتحدة تساهم في هذا الصندوق بنحو 50 مليون دولار.
تجدر الإشارة إلى أن إيفانكا ترمب، التي دعمت بقوة تأسيس هذا الصندوق، لن تقوم بأنشطة لجمع التبرعات، لكنها ستنشط في الترويج لهذا المشروع الهادف إلى مساعدة النساء في الدول النامية في الحصول على قروض صغيرة لتأسيس شركات والخروج من الفقر.
وطرحت إيفانكا فكرة هذا الصندوق في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، بحضور ميركل ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. ويأمل رئيس البنك الدولي في أن يصل رأس مال الصندوق إلى مليار دولار، موضحا أنه يمكن زيادة رأس المال الحالي للصندوق بدعم من دول أخرى في مجموعة العشرين.
وعن أهمية هذا الصندوق، شددت مريم بنصالح شقرون، مديرة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لـ«الشرق الأوسط» على أهمية دور المقاولات الصغيرة والمتوسطة في تعزيز اقتصادات دول أفريقيا والشرق الأوسط، لافتة إلى أهمية توفير فرص لتسلم سيدات الأعمال مناصب قيادية في هذا المجال.
وتابعت بنصالح التي مثلت بلادها في جلسة العمل الرابعة على أجندة مجموعة العشرين التي تناولت «الرقمية وتمكين المرأة والتشغيل»، أن «المبادرة التي أطلقت اليوم في قمة العشرين جوهرية بالنسبة لدول أفريقيا والشرق الأوسط». وشددت بنصالح على أن «الشركات الصغرى والمتوسطة في المغرب وقطاع الأعمال الخاص مستعد لمثل هذه المبادرات، لكنه لا يزال في حاجة إلى توسيع آفاقه في اتجاه قطاعات تدعم الاقتصاد الوطني». وعن خصوصية هذا الصندوق واختلافه عن المبادرات السابقة، أوضحت بنصالح أن مشروعا من هذا النوع «يجب أن يأخذ الخصوصيات الاجتماعية والدينية لكل دولة بعين الاعتبار، وأن يعتمد نموذجا شموليا»، لافتة إلى أن هذه المبادرة تحترم هذه القواعد وتعتمد المرأة كشريك في البرنامج لا كمجرد متلقٍ.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟