«مهرجانات بعلبك» تستعيد شبابها مع «الليالي اللبنانية»

مفاجأتها كانت تكريم أحد أعرق أعمدتها الفنية روميو لحود

TT

«مهرجانات بعلبك» تستعيد شبابها مع «الليالي اللبنانية»

على أدراج معبد باخوس الأثري في قلعة بعلبك، ووسط ديكورات مزجت ما بين المشهدية الحديثة وعطر الأصالة العريقة، افتتحت «مهرجانات بعلبك الدولية» برنامجها الفني لعام 2017 مع استعراض «الليالي اللبنانية».
ففي ذكرى العيد الـ60 لتأسيسها، وانطلاقاً من رغبتها في مدّ جسور الذاكرة ما بين الزمن الجميل والحاضر الشبابي، صدحت أصوات ثلاثة فنانين لبنانيين (رامي عياش وألين لحود وبريجيت ياغي)، على مدى نحو الساعتين بأغان «عالبال» وأخرى خاصة بهم، كانت قد اختارتهم لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية» ليكونوا بمثابة سفراء جيلهم من الفنانين الشباب ضمن سهرة تشبه بتغليفتها تلك التي انطلقت بعد عام واحد من تأسيسها حاملة العنوان نفسه بتوقيع المخرج صبري الشريف يومها. ومعهم حاولت استعادة ستّة عقود ذهبية سطّرتها على أدراج هذه القلعة منذ عام 1957، وشارك في صناعتها عمالقة من الفنّ اللبناني أمثال وديع الصافي وزكي ناصيف وصباح وعصام رجّي وغيرهم.
استهلّت الحفلة بالنشيد الوطني اللبناني، وقد امتلأت مقاعدها الأمامية بالسياسيين يتقدّمهم وزير السياحة أفيديس كيدانيان ممثلاً عن رئيس الجمهورية ميشال عون، ووزير الثقافة غطاس خوري ممثلا عن رئيس الحكومة سعد الحريري، إضافة إلى عدد من النواب (ميشال فرعون ونبيل دي فريج وإميل رحمة)، وغيرهم من الشخصيات والفعاليات السياسية في منطقة بعلبك. فيما لوحظ توافد ألوف اللبنانيين من مختلف المناطق اللبنانية بينها رميش والنبطية وحاصبيا من الجنوب، وزغرتا واهدن وطرابلس من الشمال، إضافة إلى آخرين جاؤوا من بيروت ومنطقة المتن وغيرها.
وبعد تلاوة النشيد مباشرة، صدح صوت الفنان رامي عيّاش بموالّ لبناني مقدّما فيه لأغنية «يا قطعة سما» للراحل وديع الصافي. ورافق هذه اللوحة مشهدية متحركة (تنوّعت عروضها طيلة فترة السهرة) بحيث غطّت أعمدة القلعة برسوم اللايزر من ناحية، فيما افترش خشبة مسرحها فريق راقص حمل المشاعل في إشارة إلى تسليم 60 عاماً من أيام العزّ إلى شباب اليوم كي يساهم في استمراريتها.
وبأغنية «جبران» الخاصة بالفنان رامي عياش، أنهى هذا الأخير وصلته الأولى، لتطلّ بعده مباشرة على المسرح كلّ من الفنانة بريجيت ياغي بأغنية للراحلة سلوى القطريب «شو في خلف البحر» والفنانة ألين لحود بأغنية «ليش لهلّق سهرانين» للراحلة صباح لوّنها رامي عياش بواحدة من أغانيه المعروفة «اشتقتلّك». وبعدها كرّت السبحة لتتوالى مجموعة اللوحات الغنائية المؤلّفة من نحو 37 مشهدية من إخراج جيرار أفيديسيان، شارك فيها نحو 30 راقصاً وراقصة صمم عروضها سامي خوري، فألّفوا مع النجوم الشباب الثلاثة استعراضا يليق بعنوانه «عيد الشباب بالليالي اللبنانية» مازجا ما بين الفنّ المعاصر والاصيل معا.
وبرفقة عزف مباشر لفريق أوركسترا قاده المايسترو إيلي العليا، تفاعل الحضور مع ميدلاي بدوي (الزينة لبست خلخالها وفوق الخيل ودقي يا ربابة وويلي ويلي)، أدّاه الفنانون الثلاثة الذي توّج خلاله رامي عياش عرّابا له، فيما أدّتاه ألين لحود وبريجيت ياغي بحماس فبديتا كفراشتين ملوّنتين ترفرفان في أجواء القلعة ناثرتين الفرح بصوتيهما القديرين.
وفي الفقرة الفنية التي تضمنّت أغاني ميدلاي شعبي خفيف، راح الحضور يردد أغانيها تارة، ويرقص على أنغامها تارة أخرى، بلغ هذا التفاعل أوجه بأغنية «زقفة يا شباب» للراحلة صباح التي لحّنها لها روميو لحوّد فاشتعلت الأجواء بالتصفيق مواكبا إيقاع الأغنية. فيما تألّق الفنان رامي عياش في استعراض ميدلاي تألّف من أغان شرقية خاصة به وبالفنان إيلي شويري (قلبي مال، وافرح فيكي، ورقّصت الحلوين، وطال السهر، ويا مسهّر عيني)، فاستمتع جمهوره باستعادة شريط من أغانيه المعروفة التي لا تزال تعدّ، وعلى الرغم من مرور فترة على صدورها، من الأعمال الفنيّة المحافظة على نجاحها حتى اليوم. ومع أغنيتي «أهواك» (زكي ناصيف) التي أدّتها بريجيت ياغي، و«بكرا بتشرق شمس العيد» (صباح)، بصوت ألين لحود، برز عنصر التمايز بين لوحتين فنييتين أحداهما كانت كلاسيكية بامتياز، فيما حملت الثانية الحداثة بكلّ وجوهها إن من خلال أداء ألين الراقص على المسرح، أو بأزيائها العصرية العملية التي سمحت لها بالقفز والتجوال على المسرح بديناميكية ملحوظة، فذكّرتنا بعفوية الراحلة صباح عندما كانت تسرق انتباه مشاهديها بحركتها الدائمة على المسرح، ولكن بحركات تعبيرية أكثر هدوء.
أدمعت عينا روميو لحود أثناء متابعته هذا الاستعراض كما ذكر أمام الحضور في ختام السهرة، عندما دعته رئيسة مهرجانات بعلبك نايلة دي فريج لاعتلاء خشبة المسرح وتسلمه درعا تكريمية من اللجنة التي ترأسها عن مسيرته الفنيّة الطويلة، التي شارك خلالها في بريق هذه المهرجانات بأعماله المسرحية الكثيرة. وتوجّه لحود بصوت متهدّج إلى الحضور بكلمة قال فيها: «رجعنا لأيام زمان وعدنا إلى هذا الباب الذهبي الذي دخلنا منه إلى قلوب الناس، فكل عمل صنعته في حياتي كان نابعا من حبّي للفن، وآمل أن يبقى هذا البلد عامرا بأجيال فنيّة تبقي بريقه حيّا فيثبت إبداعاته أكثر فأكثر».
وعلى هامش الحفل لوحظ اتباع إجراءات أمنية مشددة، بحيث تواجدت ثلاث نقاط تفتيش على مداخل القلعة، مما انعكس إيجاباً على أجواء الحفل عامة. وكان قد تردد بأنّ وزير التربية مروان حمادة أجّل الإعلان عن نتائج امتحانات شهادات البكالوريا القسم الثاني إلى السبت (8 الجاري)، بدلا من الجمعة (ليلة افتتاح مهرجانات بعلبك)، تفاديا لأي إشكالات أمنية قد يتسبب بها إطلاق الرصاص ابتهاجا بالمناسبة لدى البعض.
ومع أأغنية «قلعة كبيرة» لصباح التي احتلتّ أغانيها المساحة الأكبر من هذا العمل الراقي الموجّه لجيلين مختلفين، وقد سبقها ميدلاي من أغاني الدبكة اللبنانية، أسدلت الستارة على أمسية الافتتاح «لمهرجانات بعلبك الدولية 2017»، لتكون خير بداية لبرنامجها الفني المقرر لهذه السنة، الذي يتضمن حفلات غنائية تستمر حتى 15 أغسطس (آب) المقبل، فتستضيف خلالها نجوما عالميين أمثال إبراهيم معلوف (عازف بوق)، وفرقة (تريو واندرير)، والمطربة العربية سميرة سعيد، وفريق موسيقى الروك الأميركي (Toto).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».