فنانان مصريان يقيمان معرضاً غرافيتياً يجوب أمستردام

داوستاشي وعزت يمزجان فن بيتر بروخل وعفت ناجي بتقنية «السلك سكرين»

من أعمال داوستاشي - من لوحات شوقي عزت - جري الوحوش لداوستاشي
من أعمال داوستاشي - من لوحات شوقي عزت - جري الوحوش لداوستاشي
TT

فنانان مصريان يقيمان معرضاً غرافيتياً يجوب أمستردام

من أعمال داوستاشي - من لوحات شوقي عزت - جري الوحوش لداوستاشي
من أعمال داوستاشي - من لوحات شوقي عزت - جري الوحوش لداوستاشي

تحتضن قاعة عرض توخلا Tugela للثقافة والفنون بأمستردام معرضا استثنائيا للفنانين المصريين عصمت داوستاشي وشوقي عزت بعنوان «شيء من عالمي وشيء من عالمنا» بدأ المعرض في بداية الشهر الحالي على أن يجوب عدة قاعات عرض أخرى في أمستردام.
يضم المعرض نحو 20 لوحة بالأبيض والأسود لداوستاشي أحد أهم رموز التعبيرية الرمزية المصرية، ويخوض عبرها تجربة فنية جديدة تمثل نتاج ورشة عمل مع الفنان المصري شوقي عزت، تضاف لمسيرته الفنية الطويلة التي بدأها منذ عام 1962 قدم خلالها ما يربو على 160 معرضا فرديا وجماعيا.
وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، قال داوستاشي: «هذا المعرض تجربة فنية جديدة قررت أن أخوض فيها غمار فن الغرافيك الواسع بتقنية «السلك سكرين»، وينطلق المعرض بشكل عام من لوحتين هما: لوحة الأمثال الشعبية التي رسمها الفنان الفلمنكي بيتر بروخل (Pieter Breugel (1569 - 1530، ولوحة القرين التي رسمتها الفنانة المصرية عفت ناجي (1905 - 1994)، حيث عمل كل منا عليهما بالبحث والتشكيل».
ويشير إلى أن «الفنان بطبيعته يمكنه ممارسة أي نوع من أنواع التشكيل ولكن هناك مجالات مثل الغرافيك تحتاج لوجود ورش متخصصة للأسف لا توجد لدينا في مصر، هنا في هولندا يخرج المعرض كنتاج لورشة مشتركة استغرق الإعداد لها عاما كاملا، وهي في مضمونها لا تنفصل عن أعمالي السابقة التي تستلهم الموروث الشعبي المصري الثري الذي يمكنه أن يوحي بالمزيد».
تحدثنا عن المستنير دادا وتجلياته، وهي مجموعة شهيرة للفنان يقدم فيها الرموز التراثية والفلكلورية المصرية بروح معاصرة موظفا رمزيتها لتعكس الواقع، فقال «لطالما يجد الفنان متعة في الاختزالات والإضافات وهو ما قمت به مع رموز الكف والعين والثعبان».
في لوحات المعرض سوف تلمس روح الأمثال الشعبية المصرية والتراث الثقافي لكنه في حلة حيوية ومعاصرة يتكيف مع أي بيئة يكون فيها، فينقل المتلقي إلى حقب وأزمان سحيقة وفي الوقت ذاته يذكره بأن المستقبل ما هو إلا امتداد للماضي.. إنها فلسفة داوستاشي في مزج الأزمنة والثقافات والحضارات مركزا على العمق النفسي البشري.
وعن سبب اختياره للفنان الفلمنكي بيتر بروخل وما إذا كان يشعر بتقارب تجربتهم التشكيلية يقول: «بروخل استلهم تناقضات العالم الذي كان يعيش فيه في زمنه فعبر عن هذه التناقضات واتخذ منها في لوحته تعبيرا فنيا، وأخرجها في تشكيل تشخيصي مسرحي رائع، وكأنه يقول لنا أن العالم في زمنه كان يسير مقلوبا ويأمل برسالته المصورة في لوحته أن يسير العالم معتدلا كما ينبغي أن يكون. ولوحاته خلقت لدي شحنة عاطفية خرجت ممتزجة مع تجربتي الفنية في هذا المعرض».
ويضع داوستاشي في هذا المعرض خلاصة انطباعاته الفنية وتأثره بمتاحف الفن في أمستردام؛ لتشكل اللوحات مزيجا فريدا من الفن المصري والأوروبي.
متلاعبا بالألوان وسابحا في عوالم تجريدية، عالج الفنان المصري شوقي عزت فكرة «القرين» مشيراً إلى أنه يرى «أن مواجهة الواقع بما فيه من تناقضات لا بد من مبادرته باستخدام الألوان الجميلة على سبيل التضاد أو النقيض، ألوان ليس لها علاقة بألوان أحداث الواقع، وكأنه يقول لنا كما يُقال لا بد من مواجهة القبح بالجمال».
ورسم شوقي عزت القرين وقرينه معا في لوحة واحدة، مؤكدا أن «جمعهما مع بعضهما البعض على مسرح واحد له حضور وسحر جميل». رسم شوقي عزت لوحاته من وحي لوحة القرين التي رسمتها الفنانة عفت ناجي (1905 - 1994). حيث اختار نصف اللوحة الأسفل التي بدا فيها قرين الفارس المغوار الجبار المرسوم في نصف اللوحة الأعلى كفارس ضعيف مسلوب القوة، وعلى الرغم من ضعف الفارس إلا أننا نراه بأنه يمتلك قوة تضاهي القوة التي يمتلكها الفارس المغوار الجبار في أعلى اللوحة، حيث نراه يبدو مسيطرا بعصاه على الوحش الخرافي الكاسر (قرين الحصان المرسوم في نصف اللوحة الأعلى) مما يثير في داخلنا الدهشة ويدفعنا إلى التأمل.
ويقدم عزت القرين كرمز للتضاد الذي يكمن في طبقات أعماق الإنسان، ولا يستثنى من ذلك أي إنسان في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل ولا يستثني من ذلك أيضاً تنوع الثقافات والبيئات. فبداخل الإنسان تضاد، أحدهما إيجابي والآخر سلبي تحدث بينهما حركة من أثر المواقف والأحداث التي يمر عليها فتنتج عنها حالات في حياته.
وكانت الفنانة المصرية عفت ناجي جسدت فكرة القرين من أشكال رمزية من التراث العربي فصورت الإنسان كفارس مغوار جاحظ العينين بيده سيف يطيح به في الفضاء يستعرض به شجاعته وقوته وعنفوانه، يطبّق يده الأخرى في شكل قبضة يستجمع فيها قوته وقد بدا حصانه مستسلما، بينما نجد في نصف اللوحة الأسفل تضاداً تشكيلياً لشكل الفارس وحصانه، فنجد أن الفارس الشجاع المغوار قد تحول إلى شخص مسلوب القوى والإرادة وتحول سيفه المسلول إلى عصا هشة لا حول لها ولا قوة، كما تحول حصانه المستسلم إلى وحش خرافي كاسر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».