حرب «المرشد» على الرئيس

في ظروف داخلية وخارجية مضطربة... إيران بين «قطبين»

حرب «المرشد» على الرئيس
TT

حرب «المرشد» على الرئيس

حرب «المرشد» على الرئيس

يوحي المَثَل الشعبي الإيراني «حرب صاغة الذهب»، الذي يعد أكثر الأمثال تداولا في الحياة اليومية وتحفظه جيدا الذاكرة الإيرانية، بـ«حرب مصالح» متبادلة ومتفاهم عليها من دون أحقاد بين طرفين لخداع طرف ثالث. وهذا ما يجري عملياً، عندما يخوض الصاغة تنافساً مصطنعاً لخداع الزبائن وتسويق بضائعهم.
وحقاً يعتقد كثيرون أن التلاسن المتبادل بين كبار قادة النظام الإيراني، راهناً، تطبيق عملي لذلك المَثَل في ساحة السياسة الإيرانية العاصفة هذه الأيام. إلا أن قراءة مختلفة تفيد بأن المواجهة ربما تجاوزت الحدود المألوفة لاختلاف المزاج بين دوائر صنع القرار الإيرانية. ومن ثم، فإن الأمور قد خرجت عن الضوابط، في ظل وجود تململ شعبي واسع من عجز الحكومة عن وقف عجلة تراجع الوضع المعيشي، وتعمّق الاختلاف الطبقي والتمييز بين المناطق الإيرانية.
فهل ما يتردّد حالياً على لسان المسؤولين الإيرانيين من مخاطر الانقسام إلى «قطبين» واقعي... أو أنه تطبيق عملي للمَثَل المعروف؟ وإذا صح ذلك فما هي جذوره وآفاقه، وإلى أين تتجه إيران في ظل الانقسام؟
لتوضيح المعادلة السياسية في إيران، في ضوء رصد مواقف المسؤولين، تنقسم البلاد حالياً إلى «قطبين» أو «خطابين سياسيين» يتطلع كل منهما للوصول إلى مقاصد مختلفة وإن كان الاختلاف حول تعريف الطريق المشتركة يتقاسمه كلا الطرفين في الوقت الحالي.
حسب مواقف المسؤولين يمكن القول بأن «القطب الأول»، يضم الحرس الثوري والأجهزة الخاضعة لسلطة المرشد الأعلى علي خامنئي، إضافة إلى تيار المحافظين والقضاء. وفي المقابل، يشكل «القطب الثاني» تجمّع قوى تطالب بإصلاح داخلي للنظام السياسي وتطويره... ويمثله في الوقت الراهن الرئيس الإيراني حسن روحاني.
أزمات وانفراجات
ولئن كان الإحساس العام في العاصمة طهران في أعقاب وصول محمود أحمدي نجاد إلى منصب الرئاسة في 2005، دخول البلاد في سنوات تأزم العلاقات مع المجتمع الدولي - وبخاصة عندما اختار تشكيلة حكومة لافت فيها اختيار جنرالات الحرس الثوري - فإن الإحساس بعد وصول روحاني لمنصب الرئاسة في 2013 هو «تهدئة اللعبة» وإخراج إيران من عنق زجاجة الأزمات الخانقة.
هذا التحوّل لم يكن من دون تبعات؛ إذ أثبت للإيرانيين صحة ما يتردّد أن وجود شرخ في مؤسسات الدولة هو مصدر أزمات كثيرة تتراكم على عاتق المواطن في مجالات شتى. كما كشف عن ملفات فساد صادمة في دولة ترفع شعارات التديّن والحكم الإسلامي، ويدّعي كبارها البساطة والتواضع والزهد في العيش أسوة بالأولياء.
وبينما يتمسك «القطب الأول» - الأكثر نفوذاً في هيكل الدولة - بالشعار الأساسي للنظام وهو «الثورة المستدامة» وتجديد آلياتها وتشديد القبضة الأمنية والوفاء لآيديولوجية نظام «ولاية الفقيه» المطلقة ومقاطعة الغرب، فإن «القطب الثاني» يتطلع إلى صورة «ناعمة» للنظام. وهو يسعى لذلك عبر الانفتاح على الغرب ومدّ شعرة معاوية عبر التجاوب مع بعض المطالب الداخلية... تجنباً لشبح الحرب الذي يهدّد بفرط العقد الإيراني بعد مرور ما يقارب مائة سنة على تكوينه في الشكل الحالي.

منابر إعلام الخارج
هذا الانقسام بين «الثورية» و«التنمية»، لم يخل من فائدة للنظام السياسي الحاكم في إيران بطبيعة الحال. إذ سهّل، بعد أحداث 2009، تقديم بديل عن المعارضة الحقيقية للشباب الإيراني. وهو ما أتاح لـ«الإصلاحيين» (إصلاحيي النظام) التحكم بغالبية المنابر الإعلامية الناطقة بالفارسية خارج الحدود الإيرانية، لتقديم بديل «نظامي» عن الإعلام الرسمي لدعم خطاب «الإصلاحيين» الذين يتميزون بخطابهم القومي... مقارنة بالتيار الآخر الذي يشدّد على الخطاب الإسلاموي لنظام «ولاية الفقيه».
وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من يونيو (حزيران) الماضي، صعّد المرشد خامنئي ضد تيار يقدم شعارات التنمية والانفتاح على المجتمع الدولي على حساب الشعارات الثورية. واستهدفت سهام «المرشد» الكلامية الرئيس روحاني بصفته واجهة التيار المطالب بالتنمية. تلك الشعارات التي قال عنها خامنئي إنها «محاولة لتغيير سلوك النظام، وهو ما يعادل إسقاطه». هذا الموقف يعبّر عن دخول إيران مرحلة متقدمة من الأزمة بين الحكومة ذات التوجه الإصلاحي من جهة، وأجهزة مثل الحرس الثوري والقضاء وجزء من البرلمان - وهي أهم أذرع المرشد في الداخل - من جهة ثانية.
في الواقع، الصراع بين التيارات الأساسية في النظام الإيراني ليست جديدة، بل تعود إلى عهد انقسام الثوار على الشاه عقب إقرار نظام «ولاية الفقيه» ودخول إيران حرب الخليج الأولى والسنوات الأولى من عقد الثمانينات التي شهدت اغتيالات سياسية لشخصيات بارزة نفذتها جماعات معارضة أو جماعات ضغط شكلت عمود الأجهزة الأمنية والعسكرية لاحقاً. غير أن الصراع السياسي دخل مراحل جديدة منذ احتجاجات «الحركة الخضراء» عام 2009 التي تُعد علامة فارقة في تاريخ النظام الإيراني بعدما ردّد متظاهرون شعارات تندد بـ«ولاية الفقيه» وأحرقت صور الخميني وخامنئي، وسط تنديد واسع بالسياسة الخارجية الإيرانية. وهذا، قبل تجدد التنافس السياسي منذ نهاية المفاوضات الماراثونية بين إيران والمجموعة الدولية 5+1 حول الملف النووي بإعلان اتفاق فيينا في يوليو (تموز) 2015... عندما كشف خامنئي عن مشروع «الاقتصاد المقاوم» ومشروع «التصدي للتغلغل الغربي»، إضافة إلى إطلاق تسمية «الفتنة» كتهمة جاهزة تطارد التيارات التي تعارض بعض سياسات «المرشد»، وهي من جملة مخاطر يشدد خامنئي على أنها تهدد مستقبل النظام «الثوري» في إيران.
المناورات... إلى العلن
من ناحية أخرى، مع أن المفاوضات كانت قد بدأت خلف الكواليس قبل فوز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وفي الشهور الأخيرة من حكم أحمدي نجاد، فإنها بعد وصول روحاني خرجت إلى العلن من الجانب الإيراني، عندما فتح خامنئي الطريق أمام إدارة روحاني بتأكيده حاجة إيران لـ«المرونة البطولية» في مؤشر على التراجع أمام التحديات الدولية.
ورغم إعلان وزير الخارجية محمد جواد ظريف في عدة مناسبات اطلاع خامنئي على مسار المفاوضات، فإن حكومة روحاني واجهت ضغوطاً متزايدة من التيار المحافظ، بالتزامن مع دخول المفاوضات النووية مراحل حساسة. ولا سيما عند الطلب من طهران تقديم تنازلات طالما كانت محور خلاف بين التوجّهين في رأس السلطة الإيرانية. أي التوجه الداعي إلى التحدي وفرض الهيمنة بواسطة القوة والتمدد ومن شعاراته «الثورية» و«تصدير الثورة»، والتوجه المقابل البراغماتي الداعي إلى الانفتاح على الغرب وفق اعتبارات «المصالح القومية» والتقدم والتنمية إلى جانب تفسير مفاهيم الثورة وفق مقتضيات الزمان.
رهان روحاني
انطلاقاً من ذلك، راهن حسن روحاني، المطلع على رغبة النظام بالخروج من مأزق العقوبات بأقل الخسائر والمتخوف من الوصول إلى «سيناريو العراق» - نظرا لدخول إيران تحت «الفصل السابع» - على حل المشكلة النووية في حملته الانتخابية. وهذا ما تحقق بعد سنتين من العودة رسمياً إلى طاولة المفاوضات.
إلا أن انتماء روحاني إلى أنصار التوجه البراغماتي في النظام، وجد من المفاوضات فرصة مناسبة للمضي قدماً بمشروع يدور في مخيلة رجال الدين البراغماتيين... وهو تطبيع العلاقات مع الدول الغربية وفتح أبواب إيران أمام الشركات والمؤسسات. وانطلاقاً من ذلك، فإن توقيع الاتفاق وخروج إيران من العقوبات، أتاحا لطهران الوصول إلى الأموال المجمّدة لكن شرط التزام الحكومة الإيرانية بتبديد المخاوف الدولية المتعلقة. وهو ما أشعل الصراع على المكاسب الاقتصادية من الاتفاق بين الحكومة والحرس الثوري... الذي وفق الإحصائيات غير الرسمية يسيطر اليوم على نحو 40 في المائة من الاقتصاد الإيراني.
جدير بالذكر، أنه خلال العامين الأخيرين، لم يفوّت خامنئي خطابا دون إطلاق حزمة جديدة من المصطلحات تثار وراء غبار من الانتقادات التي هدفها الضغط والتحكم بالحكومة. وفي كل الخطاب، كان خامنئي يشير بطرق مختلفة إلى «تهديدات موجهة للثورة» و«محاولات لإضعافها»، داعيا إلى إعادة إنتاج مفاهيمها في مختلف مستويات المناهج التعليمية، فضلاً عن تأكيده «ثورية» الحكومة والبرلمان ومجلس خبراء القيادة والحوزات العلمية.
خامنئي مع المحافظين
لقد كانت رغبة خامنئي واضحة إبّان الانتخابات الرئاسية الأخيرة بانتخاب رئيس محافظ مقرّب من توجهاته، وخاصة أن تلك قد تكون آخر انتخابات رئاسية في زمن المرشد الحالي. إلا أن وجود فريق روحاني في الجهات السيادية المسؤولة عن تنفيذ الانتخابات، لعب دوراً كبيراً في انتصار روحاني على إبراهيم رئيسي، المرشح المحافظ المدعوم من مؤسسات «المرشد». وكان روحاني قد هاجم سياسات الأجهزة التابعة للمرشد بأشد العبارات أثناء الحملة الانتخابية، وهو ما جعله يتفادى ما أظهرته استطلاعات الرأي من تراجع شعبيته وتقاربه مع رئيسي في الأيام الأولى من الحملة.
في المقابل، جوبه روحاني بانتقادات شرسة من خصومه، لكنه سعى للعزف على الأوتار الخطيرة بالنسبة للشارع الإيراني. ودخل على خط الوعود بتخفيف الضغوط الأمنية والتدخل في الحريات العامة والانفتاح في الشارع الإيراني. وهو ما جعله يحقق فوزاً أسهل مما كان متوقعاً، وإن كان رئيسي حصد نسبة أصوات لافتة قد تجعل التيارين المعتدل والإصلاحي تحت ضغوط مضاعفة في السنوات المقبلة.
وبعد خروج نتائج الانتخابات، انتقد خامنئي بشدة مواقف الرئيس الإيراني المنتخب. وفي كل خطاب جديد صعد خامنئي من نبرته في إطار ما اعتبره محللون «عملية ترويض» لروحاني. ولم يتأخر روحاني المنتعش بـ23 مليون صوت، بالرد على خامنئي، مستخدماً الفنون البلاغية المعروفة للدفاع عن نفسه ومهاجمة منتقديه. وبلغت حدة الحوار مستويات عالية، إلى حد لجوء خامنئي إلى التلويح بعزل روحاني... بحضور كبار المسؤولين.
الضغط على الرؤساء
في الواقع، يعرف خامنئي خلال ثلاثة عقود من سنوات توليه «ولاية الفقيه»، بمواقفه الضاغطة على رؤساء الجمهورية وتقويض صلاحياتهم في تنفيذ الدستور، ولكن تلك كانت المرة الأولى التي بلغت الخلافات العلنية مستوى تحذير خامنئي من تكرار «سيناريو» أول عزل سياسي للرئيس الإيراني، أي عندما عزل آية الله الخميني الرئيس أبو الحسن بني صدر، أول رئيس إيراني منتخب عام 1981.
كانت إشارة خامنئي، بعد أسبوعين من إطلاقه عبارة «حرية إطلاق النار»، عندما انتقد ما وصفه بـ«عجز الجهاز المركزي عن إدارة الملف الثقافي»، عندما كان يلقي بكلمة أمام مَن يُعرفون بـ«ضباط الحرب الناعمة». وهذه تسمية الجيش الإلكتروني الإيراني التابع لقوات الباسيج - التابعة بدورها - للحرس الثوري، وهو من جماعات الضغط المثيرة للجدل في إيران.
ومع أن خامنئي عاد بعد نحو أسبوعين من إطلاق عبارته المثيرة للجدل إلى توضيحها في خطبة صلاة العيد، فإن تفسير العبارة بدوره عمّق الانقسام.
اليوم يحيل فريق من المراقبين المحليين سلوك خامنئي بعد الانتخابات إلى إدارة الأوضاع الداخلية بعد ما أفرزته الانتخابات من تعزيز للتيار المطالب بالانفتاح وتخفيف الأجواء الأمنية.
في المقابل، لا يبدو أن لدى روحاني أي نية لتقديم تنازلات لـ«المرشد». وحقاً، يسابق روحاني حاليا الزمن لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما يعتبره المحللون من أسباب التصعيد الكلامي الأخير بين «المرشد» وروحاني الذي يواجه ضغوطاً من تيارات متحالفة حشدت الإيرانيين للوقوف إلى جانبه في أيام الانتخابات، في حين يعتمد روحاني على تجربته في شغل منصب سكرتير مجلس الأمن القومي لفترة 16 سنة في مواجهة ضغوط «المرشد».
وبخلاف خامنئي، الذي بدأ في موقف القلق من الانقسام، فإن روحاني يؤكد انقسام الإيرانيين. وفي أحد خطاباته بعد فوزه، قال إن «انتخابات الرئاسة لم تكن لاختيار شخص من بين اثنين أو عدة أشخاص، بل المفاضلة بين فكرتين. والشعب فضل الفكر الذي وضع أساسه على مسار مستقبل البلاد». كذلك خاطب الرئيس المجدّد له كبار المسؤولين الذين يعارضون سياساته في خطاب لاحق، قال فيه: «لست أعلى من الأنبياء والأولياء، انقسام البلد إلى قطبين نتيجة لقلة صبركم! تحملوا الاختلاف».
التناقض بين «القطبين»
وبالفعل، كانت الحملة الانتخابية لروحاني عبارة عن مواقف متناقضة لمواقف «المرشد». ولعل أبرز القضايا الخلافية بين الرجلين هي «شبح الحرب»، ففي حين أكد روحاني في عدة مناسبات الأثر الإيجابي لسياسة «التعامل مع المجتمع الدولي» والمفاوضات النووية بدلاً من التوتير لإبعاد سيناريو الحرب، رأى خامنئي أن «القوة الدفاعية والصاروخية وصمود الشعب الإيراني سبب تراجع سيناريو الحرب». وهذا الموقف من «المرشد» دفع روحاني إلى خيار الاستقواء بالصواريخ الباليستية في أيام الانتخابات. واتهم الحرس الثوري بمحاولة «قلب طاولة» المفاوضات عبر عرض المواقع الصاروخية تحت الأرض وتجربة صاروخ «عماد» الباليستي، بينما كانت طهران والمجموعة 5+1 تتأهب لإعلان دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.
وتلاعب روحاني مرة أخرى بنيران الحرس الثوري عندما وصفه بـ«الحكومة التي بيدها البندقية ولا يستطيع أحد منافستها في الاقتصاد والسياسة والإعلام». وهذه الرسالة من روحاني كانت شديدة الوضوح، ما استدعى رداً عنيفاً من قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري الذي توعده بالهزيمة والاستسلام. بل حتى قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني - الذي يلعب عادة دوراً محايدا في النزاعات الداخلية - خرج عن صمته، وقال إن «بقاء إيران من وجود الحرس الثوري». وحذّر الرئيس من أن إشاعة التشكيك بالأجهزة الثورية «خيانة كبرى». أما علي سعيدي، ممثل خامنئي، في الحرس الثوري، فقال إن شعار التعامل مع المجتمع الدولي (أي شعار روحاني) «وسيلة أميركا للتغلغل في إيران».
{الحرس الثوري} يصعّد
ثم عقب الانتخابات شكل الاعتداء في طهران على مقر البرلمان ومرقد الخميني من تنظيم داعش فرصة للحرس الثوري لتعزيز موقعه في الداخل الإيراني، إضافة إلى تعزيز الدفاع عن دوره في سوريا والعراق. وكان الحرس الثوري قد أعلن عن إطلاقه صواريخ باتجاه محافظة دير الزور السورية ردا على تلك الهجمات. واستغلت وسائل الإعلام المقربة من الحرس إطلاق الصواريخ للرد على انتقادات روحاني ضد برنامج صواريخ الباليستية.
إن الإحساس العام في إيران حالياً، هو أن خلافات الحكومة والحرس الثوري ذات مضمون اقتصادي قبل أي خلاف آخر. ولعل ثاني أهم قضية خلافية بين «المرشد» وروحاني حملت عنوان «الاقتصاد المقاوم»، وهذه العبارة ترمز للضغط على سياسات الحكومة الاقتصادية، وخاصة إطلاق يد مجموعة «خاتم الأنبياء»، الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، للقيام بنشاط كبير في الاقتصاد الإيراني. وهذا ما يرفضه روحاني لاعتقاده بأن وجود الحرس الثوري يدفع المستثمرين إلى رفض الدخول في المشروعات الاقتصادية خشية التنافس مع الحرس الثوري.
أيضاً، إلى جانب الحرس الثوري، تشهد إيران مواجهة غير مسبوقة بين الحكومة والقضاء. وكان القضاء قد تعرض لهجوم لاذع من روحاني إبان الانتخابات الرئاسية. وكان المتحدث باسم القضاء غلام حسين محسني أجئي من بين المتهجمين على روحاني في الأيام الأخيرة، إذ اعتبر هجوم روحاني على القضاء والحرس الثوري مقدمة لـ«فتنة جديدة»، مضيفا أن الهجوم المتزامن على القضاء والحرس الثوري «سابقة خطيرة». وفي إشارة تحذير وتهديد لروحاني قال إن «أبو الحسن بني صدر اغترّ بأصوات الإيرانيين لمهاجمة الحرس الثوري».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.