الرمال تزحف على الكنوز الأثرية في المدن الموريتانية التاريخية

هجرها سكانها تاركين آلاف المخطوطات النادرة في مكتبات الصحراء

الرمال تزحف على الكنوز الأثرية في المدن الموريتانية التاريخية
TT

الرمال تزحف على الكنوز الأثرية في المدن الموريتانية التاريخية

الرمال تزحف على الكنوز الأثرية في المدن الموريتانية التاريخية

على بعد 1300 كيلومتر من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وسط بحر من الكثبان والرمال الزاحفة، وبعد السفر على طريق رملي غير معبد يمتد 100 كيلومتر - تظهر مدينة «ولاتة» الأثرية، تنام في مرقدها الصحراوي بأقصى جنوب شرقي موريتانيا، وهي التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) تراثا إنسانيا مشتركا عام 1987. وبين جدران ما تبقى من مبانيها الصغيرة ذات اللون الأحمر، تنام آلاف المخطوطات والتحف الفنية التي تحكي تاريخ حضارة صحراوية فريدة.
استقطبت ولاتة على مر القرون علماء من تمبكتو وتلمسان ومراكش والأندلس، وعرفت نهضة غير مسبوقة مطلع القرن السادس عشر ميلادي، وتميزت حتى اليوم بنمطها العمراني الفريد، القائم على المزج بين الطراز الأندلسي المغربي والطراز الصحراوي من خلال الزخارف واللمسات الفنية في البنايات والمنتوجات الصناعية. وهي إضافة إلى ذلك تمتاز بأطعمتها الخاصة ذات النكهة الحارة، المختلفة عن المطبخ الموريتاني.
المدينة التي تعود للقرن الأول الميلادي، وتحدث عنها ابن خلدون، وزارها ابن بطوطة قبل اثني عشر قرنا؛ وبهرته ببذخها وثقافتها وانفتاحها وتنوعها وقوة سلطة المرأة فيها - تعيش اليوم حالة عزلة قاتلة، فقد هجرها كثير من أبنائها، وجعلتها الظروف الطبيعية تعيش تهديدا دائما؛ مصدره الرمال الزاحفة وانتهاء زمن القوافل التجارية العابرة للصحراء، وبعدها من المراكز الاقتصادية الحيوية في موريتانيا.
ليس ذلك حال ولاتة وحدها، ففي موريتانيا ثلاث مدن أخرى تشترك في خصائص مشتركة؛ هي: غناها بالمخطوطات النادرة والمباني الأثرية، وقسوة الطبيعة، وهجرة السكان. إحداها «تيشيت» في ولاية تكانت بشمال شرقي موريتانيا، بدأت قصتها مع التاريخ عام 1142 للميلاد حين أسسها طالب للقاضي عياض المراكشي المعروف، بالشريف عبد المومن.
اختار الشريف المهاجر من المغرب، الإقامة بمكان منبسط بين هضبتين، وعلى مرتفع جبلي صحراوي، كان موقعها الاستراتيجي مصدر قوة لها، حيث تتوسط خطوط القوافل التجارية بين موريتانيا والمغرب والجزائر ومالي والنيجر، لكن ذلك الموقع أصبح له أثر كبير في عزلة المدينة بعد انقطاع القوافل وحياة الترحال. تتميز المدينة بكونها تمثل لوحة جمالية فريدة في صحراء قاحلة، فبين واحات النخيل والكثبان الرملية الناعمة والهضاب المرتفعة تتشكل لوحة صحراوية فريدة، لكنها تخفي وراءها شبحا مخيفا يهدد المدينة في كل وقت.
لا يصل تيشيت أي طريق مسفلت، وتبعد 240 كيلومترا عن «تيجكجة» عاصمة «تكانت»، هي إذن تعيش عزلة جغرافية جعلت أغلب سكانها يهاجرون نحو مراكز حضرية قريبة من المناطق الاقتصادية الحيوية.. وبقي منهم القليل وفاء لمدينة عمرها ألف سنة.
في مكتباتها قرابة 7000 آلاف مخطوط، تعيش في حالة تهديد دائم، رغم الجهود التي يبذلها أبناء المدينة والقائمون على المكتبات فيها، وقطاع الثقافة في الحكومة الموريتانية لحفظ المخطوطات، من خلال فهرستها وترتيبها وتوفير وسائل حديثة للحفظ.
قصة سكان تيشيت مع الكتب قديمة، فقد كانوا يبذلون الغالي والنفيس في اقتنائها، وهو ما جعل المدينة تجذب الطلاب من مختلف المناطق، وتخرج علماء بارزين في علوم الفقه الإسلامي، واللغة العربية، والتاريخ والجغرافيا والفلك والحساب.. كان ذلك إبان ازدهارها خاصة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلادي.
عزلة تيشيت لم تمنعها من استقبال الدورة الثالثة من «مهرجان المدن القديمة» الذي بدأت وزارة الثقافة الموريتانية تنظيمه منذ 2011، في محاولة لإحياء المدن الأربع وتنميتها، ويشهد مشاركة واسعة من داخل البلاد، وحضورا للسياح القادمين من الدول الغربية.
وأكد أحمد مولود ولد أيده، أستاذ التاريخ في جامعة نواكشوط ورئيس مركز الدراسات الصحراوية، أن أبرز المشكلات التي واجهتها المدن التاريخية، هي اختفاء نمط الإنتاج الذي صممت وفق متطلباته، وهو نمط إنتاج قائم على القوافل وتجارتها، وعندما انفرط عقد هذا النمط عانت الهجرة ثم الجفاف، كما أن التصحر وزحف الرمال هددا ويهددان تراثها العمراني.
وقال ولد أيده في حديث لـ«الشرق الأوسط» حول حالة المدن الآن: «أبدع أستاذنا الكبير عبد الودود ولد الشيخ عندما كشف عن ما سماه جدلية عمرانية حيوية بين الجزء المندثر والجزء المشيد في هذه الحواضر الصحراوية؛ إذ إن العمران والخراب ليسا سوى وجهين لعمران صحراوي طرزه التصحر وعاديات الزمن بهذا الميسم»، حسب تعبيره.
في منطقة أخرى، وتحديدا المرتفع الجبلي الأكبر بولاية آدرار (شمال البلاد)، تطل «شنقيط»، أشهر المدن التاريخية الموريتانية، بمنارتها الشاهقة.
تأسست «آبير» أو شنقيط الأولى، منتصف القرن الثامن الميلادي (نحو 776م)، وتحولت إلى شنقيط الثانية فيما بعد بسبب خلافات السكان وزحف الرمال.
وكان لشنقيط دور بارز في التاريخ، فظلت لقرون عاصمة الثقافة، ومنطلق الحجاج المتوجهين نحو مكة المكرمة، ومركزا كبيرا للتبادل التجاري. وبلغت مكانة المدينة درجة أخذت موريتانيا الحالية اسمها، وباتت تعرف به في المشرق العربي، وتحول لقب «الشنقيطي» إلى مرادف للموسوعية الثقافية والتبحر في اللغة العربية والشعر وعلوم الدين الإسلامي. واليوم يتكدس أكثر من 3 آلاف مخطوط في مكتبات عائلية.
تبدو شنقيط أكثر نظيراتها حظا، فهي لا تبعد عن «إطار» عاصمة «آدرار» سوى 55 كيلومترا، عبر طريق جبلي غير مسفلت، شيد بفضل جهود أحد أبناء المدينة منتصف تسعينات القرن الماضي، وأعاد لها الحيوية، من خلال عودة بعض السكان، وإقبال السياح، وانتعاش الاستثمار. فهي تقع بين كماشتي الجبل والصحراء، ولولا شق ذلك الطريق ربما تكون قد اختفت تماما.
الصحافي عبد الله الفتح ولد بونه الذي ينحدر من شنقيط، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المدينة عانت زحف الرمال لقرون طويلة، مذكرا بأن «آبير» أو «شنقيط الأولى» اندرست بسبب الرمال التي ما زال خطرها يهدد المنازل الأثرية المحيطة بالمسجد العتيق، بعد أن أصبحت المدينة تتمدد شمالا بحثا عن أحراش ليست بها رمال.
وأضاف ولد بونه، أن شنقيط عانت نزوح السكان بحثا عن عمل، خصوصا بعد تراجع فرص العمل في مجال السياحة، «بسبب إدراج المدينة من طرف فرنسا ظلما ضمن المنطقة الحمراء»، حسب تعبيره. مضيفا أن شنقيط ما زالت تتمتع بالأمن، ولم يسجل فيها حادث إرهابي واحد.
ونبه الصحافي الموريتاني إلى خطر الانقراض المحدق الذي يهدد المكتبات الأثرية لأسباب كثيرة، بعضها طبيعي بسبب بساطة وسائل الحفظ، وبعضها بسبب ضعف الدعم والرعاية الرسمية.
غير بعيد من شنقيط، تقع «ودان» التي رأت النور 1142م على يد مهاجر قادم من المغرب تزامنا مع تأسيس «تيشيت» من طرف رفيقه، وللسبب نفسه، لأجل إقامة مركز علمي وتجاري في منطقة استراتيجية، وكان لودان دور رائد، خصوصا في التجارة الخارجية، حيث عقدت بها صفقات للتبادل التجاري، خصوصا مع الدولة السعدية بالمغرب، ومع البرتغاليين الذين كانوا يستوردون ويصدرون عبر الشواطئ الموريتانية.
من حيث الشكل، تميزت ببناء سور يحيط بها، ويحميها من الغارات والهجمات، وأيضا من حيث انقسامها طبيعيا إلى واديين؛ أحدهما من النخيل والآخر من العلم، كما تقول الروايات المحلية، وهو أصل التسمية «وادان» التي تحولت إلى «ودان».
«شارع الأربعين عالما»، واحد من أبرز معالم المدينة الباقية إلى اليوم، ويؤرخ لفترة ازدهارها، حيث كان يقطن في ذلك الشارع أربعون عالما في مختلف الفنون، جسدتها آلاف المخطوطات لكتب من مختلف التخصصات، توجد من بعضها نسخة واحدة في العالم.
وحول اختلاف حالة المدن التاريخية في موريتانيا عن نظيراتها في دول الجوار كالمغرب مثلا حيث تعيش ازدهارا ثقافيا واقتصاديا، يقول أحمد مولود ولد أيده لـ«الشرق الأوسط» إن المقارنة لا يمكن أن تستقيم، إذ إن للعمران الصحراوي خصائص أبرزها الهشاشة، مشيرا إلى أن تراث المغرب لم يسلم مما أصاب التراث العمراني في موريتانيا، متسائلا: أين سجلماسة وآغمات وتامدلت؟ وهي حواضر (مدن) صحراوية معاصرة للجيل الأول من حواضر موريتانيا.
وقال ولد أيده إن للحواضر أعمارا كما للكائنات أعمار، وإن حواضر موريتانيا القائمة تعاني شيخوخة، رغم أن هناك حواضر على رأي نزار قباني «شاخ الزمان وهي شباب!».
ويشير الأستاذ الجامعي، المتخصص بالمدن الأثرية، إلى أن الدولة الموريتانية بذلت منذ الاستقلال مجهودا قيما لصيانة التراث، وأقامت مؤسسات اهتمت به كالمعهد الموريتاني للبحث العلمي الذي تأسس 1975، وأبلى مديره المؤسس عبد الله ولد بابكر بلاء حسنا في تصنيف المدن التاريخية من طرف «اليونيسكو» ضمن قائمة التراث العالمي. وقال ولد أيده إن المؤسسة الوطنية لحماية المدن القديمة التي جرى بعثها 1993، وإدارة التراث الثقافي التي نشطت 2007، تقومان بدور معتبر في حماية كنوز التراث المهدد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».