معارك لاستعادة قرية جنوب الموصل بعد سيطرة «داعش» عليها مجدداً

مسلحو التنظيم تسللوا إليها عبر النهر وساعدتهم خلايا نائمة في احتجاز رهائن

جثث بعض ضحايا غارة في غرب الموصل قتلت 33 شخصاً على الأقل (إ.ب.أ)
جثث بعض ضحايا غارة في غرب الموصل قتلت 33 شخصاً على الأقل (إ.ب.أ)
TT

معارك لاستعادة قرية جنوب الموصل بعد سيطرة «داعش» عليها مجدداً

جثث بعض ضحايا غارة في غرب الموصل قتلت 33 شخصاً على الأقل (إ.ب.أ)
جثث بعض ضحايا غارة في غرب الموصل قتلت 33 شخصاً على الأقل (إ.ب.أ)

خاضت قوات الجيش العراقي، أمس، معركة شرسة ضد مسلحي «داعش» الذين نجحوا في التسلل إلى قرية الإمام غربي التابعة لناحية القيارة جنوب الموصل، أول من أمس، وتمكنوا بمساعدة خلايا التنظيم النائمة في القرية وأطرافها من السيطرة عليها واحتجاز عدد من عائلاتها رهائن.
وقال عضو مجلس محافظة نينوى عبد الرحمن الوكاع لـ«الشرق الأوسط»، إن «وحدات الفرقة المدرعة التاسعة من الجيش تواصل عملية استعادة السيطرة على القرية، والقضاء على من تبقى من مسلحي التنظيم الذين ما زالوا يحتجزون عدداً كبيراً من العائلات في القسم الشرقي من القرية، بينما تمكنت قوات الأمن من إخلاء القرية من السكان لتفادي إصابتهم خلال المعارك».
وتمكنت قوة من مسلحي التنظيم من التسلل عبر النهر من شرق قضاء الشرقاط الذي ما زال خاضعاً لسيطرة «داعش»، إلى القرى الواقعة جنوب ناحية القيارة. واستغلت وجود قوة عسكرية صغيرة من الجيش والحشد العشائري وسيطرت على عدد من بيوت قرية الإمام غربي ومدرستها، واحتجزت العشرات من سكان القرية رهائن بمساعدة خلايا التنظيم النائمة والمسلحين الذين هربوا من الموصل واختبأوا في هذه القرى.
وقال الوكاع إن «المعلومات الواردة إلينا أن قوام قوة (داعش) التي تسللت إلى القرية نحو 20 مسلحاً، غالبيتهم من جنسيات أجنبية ومن العرب غير العراقيين، وكان في انتظارهم عدد من مسلحي التنظيم المختبئين داخل القرية ومن خلاياه النائمة، فتضاعف عددهم وتمكنوا من احتجاز عدد من العائلات في منازل القرية».
ولفت إلى أن «القوات الأمنية الموجودة داخل القرية تريثت في محاربتهم قليلاً لإيجاد خطة لانتزاع هؤلاء المدنيين من بين أيديهم»، كاشفاً عن أن «التنظيم ما زال يحتجز نحو 20 عائلة أخرى في القرية». لكنه لم يكشف عن أعداد المدنيين الذين قتلوا خلال اليومين الماضيين في القرية. غير أن سكاناً في القرية أبلغوا «الشرق الأوسط» بأن التنظيم أعدم عدداً من المحتجزين لديه، بينما قتل الأهالي عدداً من المسلحين المحليين.
وحررت القوات العراقية في نهاية أغسطس (آب) الماضي ناحية القيارة، ومن ثم أطلقت عملية عسكرية لتحرير القرى والبلدات التابعة لها التي تشكل الجهة الجنوبية لمدينة الموصل.
وتزامناً مع معركة تحرير قرية الإمام غربي، واصلت القوات العراقية تقدمها من ثلاثة محاور في الموصل القديمة لاستعادة ما تبقى من مساحة المدينة من أيدي التنظيم، بينما كشفت منظمات مدنية عاملة في إنقاذ المدنيين الهاربين من المعارك عن أن أعداد النازحين ارتفعت إلى أكثر من 900 ألف، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وكشف الوكاع عن أن «الأوضاع الإنسانية للمدنيين النازحين صعبة جداً بسبب ارتفاع درجات الحرارة وافتقار المخيمات إلى أبسط مقومات الحياة، إذ لا توجد وسائل التبريد البسيطة، وغالبيتها لم تصل إليها الطاقة الكهربائية حتى الآن، إضافة إلى النقص في الغذاء ومياه الشرب». ودعا الحكومة الاتحادية في بغداد وإدارة المحافظة والمنظمات الدولية إلى «العمل بجدية أكثر من أجل مساعدة هؤلاء المواطنين في هذه الأجواء الصعبة»، مبينا أنه لا يزال هناك نحو 20 ألف محاصر في أزقة المدينة القديمة التي يسيطر عليها التنظيم أو القريبة من مناطق الاشتباك.
إلى ذلك، دخلت الشرطة الاتحادية، أمس، منطقة النجفي، حيث اقتحمت قطعات منها المنطقة، بينما فرضت قوات من فرقتها الخامسة حصاراً على جامع القطانين. وفي الوقت ذاته، تقدمت قوات الرد السريع من جنوب هذه المنطقة استعداداً لاقتحامها. وتمكنت وحدات من قوات مغاوير النخبة من التوغل باتجاه ساحة صقور الحضر للسيطرة على شارع النجفي.
ونقل بيان لقيادة الشرطة الاتحادية عن قائدها الفريق رائد شاكر جودت قوله، إن «الفرقة الثالثة من قواتنا توغلت مسافة مائة متر مربع في منطقة النجفي وهي تقترب من جامع الشيخ أبو العلا، فيما توغلت وحدات من المغاوير والرد السريع 70 متراً في عمق المنطقة باتجاه شارع خالد بن الوليد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.