مخاطر صحية لانشغال الوالدين بالجوال عن الأطفال

تحاول ماكينات البحث العلمي إجراء الدراسات الطبية من جوانب مختلفة حول التأثيرات الصحية المحتملة لاستخدام الهواتف الجوالة، بغية التعرف على الآثار السلبية لها في الجوانب الصحية، بنوعيها البدني والنفسي، وصولاً إلى كيفية تفاديها، خصوصا مع الانتشار العالمي الواسع لاستخدام الهواتف الجوالة والفوائد الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والطبية والترفيهية لها.
تأثيرات نفسية وبدنية
وخلافاً لما يعتقد الكثيرون حول علاقة استخدام الهاتف الجوال بالصحة، فإن التأثيرات الصحية السلبية والحقيقية في الجانب النفسي قد تفوق في الأهمية التأثيرات الصحية السلبية المحتملة في الجانب البدني. وضمن عدد مايو (أيار) - يونيو (حزيران) الحالي من مجلة «نمو الطفل» Child Development، نشر الباحثون من جامعة ولاية إلينويز الأميركية تأثيرات إفراط الوالدين في استخدام الهواتف الجوالة على سلوكيات أطفالهم، خصوصاً حول مدى تفشي سلوكيات نوبات الغضب والمظاهر الأخرى لسوء السلوك عند الأطفال، وذلك ربما نتيجة لشعور الأطفال أن الانشغال المفرط للوالدين باستخدام الهواتف الجوالة هو نوع من التجاهل والازدراء لاحتياجات الطفل للرعاية والاهتمام من قبلهما، وبالتالي حصول تغيرات سلوكية لدى أطفالهما، كما لاحظ الباحثون.
وعلقت على الدراسة البروفسورة سوزان نيومان، أستاذة في تعليم الطفولة ومحو الأمية بجامعة نيويورك، بالقول: «أثني على الدراسة التي تسلط الضوء على استخدام الوالدين للتكنولوجيا بدلاً من الدراسات التي تركز على استخدام الأطفال لها، وهي الدراسات التي يتم إجراؤها بشكل متكرر». وأضافت قائلة: «كثيرا ما أرى أن الآباء يتجاهلون أطفالهم تماماً، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى نشوء السلوك السيئ بين أولئك الأطفال، لأن احتياجاتهم يتم تجاهلها تماماً من قبل الوالدين، والأطفال بحاجة إلى التفاعل مع الوالدين، وعندما يعزل الآباء والأمهات أنفسهم عن طريق اللهو بهواتفهم الجوالة فإن الأطفال لا يحصلون على هذه الحاجة الإنسانية الأساسية، وهي الاهتمام بهم في أوقات معينة».
تواصل متقطع
وكانت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (APA)، قد حدّثت نشرتها الخاصة باستخدام الوالدين للهاتف الجوال في مايو من العام الماضي، وكانت بعنوان: «والدين الأطفال الصغار: ضعوا هواتفكم الجوالة جانباً». وقالت إن الالتهاء الكبير بالتكنولوجيا وإجراء القليل من الحديث مع الأطفال يُعيق النمو الطبيعي للتواصل لدى الأطفال. وأضافت في حديثها الموجه للوالدين: «تنفقون الكثير من الوقت للتأكد من تناول أطفالكم للطعام بطريقة صحيحة، وللتأكد من تلقيهم للقاحات اللازمة ولنيلهم القسط الكافي من الراحة، ومع ذلك فإن نمو تواصلهم الاجتماعي بشكل طبيعي هو أمر لا يقل أهمية عن تلك الجوانب الصحية البدنية.
إن الأطفال يكتسبون مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية من خلال الاستماع والحديث والقراءة واللعب مع والديهم، وهذه التفاعلات كلها تضيع حينما تكونون مشغولين بالهواتف الجوالة».
وأفادت نشرات منظمة الصحة العالمية (WHO) بأن «الهواتف الجوالة تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من وسائل الاتصال الحديثة. والملاحظ، في كثير من البلدان، أنّ أكثر من نصف السكان يستعملون الهواتف الجوالة، وأنّ سوق تلك الهواتف في نمو مستمر. وكان هناك، في عام 2014، نحو6.9 (ستة فاصلة تسعة) مليار اشتراك في جميع أنحاء العالم. والجدير بالذكر أنّ الهواتف الجوالة تمثّل، في بعض مناطق العالم، أكثر وسائل الاتصال موثوقية أو أنها تمثل وسيلة الاتصال الوحيدة في بعض الأحيان».
وتضيف أنه «من الأهمية بمكان، بالنظر إلى العدد الكبير لمستخدمي الهواتف الجوالة، إجراء التحرّيات الصحية اللازمة بشأن تلك الهواتف والسعي إلى فهم ورصد آثارها المحتملة على الصحة العمومية». ومعلوم أن الهواتف الجوالة تقوم بالاتصالات مع بعضها بإرسال موجات راديوية Radiofrequency Waves عبر شبكة من محطات الهوائيات الثابتة. وموجات التردّد الراديوية تلك هي مجالات كهرومغناطيسية Electromagnetic Fields لا يمكنها كسر الروابط الكيميائية أو إحداث تأيّن في جسم الإنسان، على عكس الإشعاع المؤيّن Ionizing Radiation من قبيل الأشعة السينية أو أشعة غاما.
وأفاد الباحثون من جامعة ولاية إلينويز في دراستهم الحديثة بأن الأطفال الصغار الذين ينشغل والديهم عن الاهتمام بهم خلال الأوقات التي من المفترض أن يقضيها معاً أفراد الأسرة، هم أطفال أكثر عُرضة لإساءة التصرف وعدم التحلي باللياقة والآداب العامة، كاللجوء إلى تحطيم الأشياء وإظهار نوبات الغضب وكثرة الصراخ والعويل في المنزل وخارجه.
خرق تقني اجتماعي
وقال الدكتور براندون ماكدانيال، الباحث الرئيسي في الدراسة والأستاذ المساعد لعلوم النمو البشري والأسرة، إنه قد وضع قبل خمسة أعوام عبارة «Technoference» للتعبير عن «تسلل التكنولوجيا إلى العلاقات والتفاعلات البشرية وجهاً لوجه»، وفي بحثه الجديد ركّز على معرفة تأثيرات هذه التكنولوجيا على نمو الأطفال. وعلّق الدكتور ماكدانيال بالقول: «هل ترغب في الشعور بأن شخصاً ما يزدريك حينما لا يستمع إليك ذلك الشخص أو يُعير وجودك أي اهتمام؟».
وفي مقالة علمية سابقة للدكتور ماكدانيال، نشرها في يناير (كانون الثاني) 2015، بعنوان: «تيكنوفيرانس: كيف تضر التكنولوجيا العلاقات»، وذكر فيها أن «تيكنوفيرانس تشمل كل من التدخلات والانقطاعات التي تصيب التواصل اليومي بين الأزواج أو تصيب الوقت التي يقضونه مع بعض، وذلك بسبب تأثيرات أجهزة التكنولوجيا».
وفي دراسة سابقة له، شملت نحو 150 من الزوجات، ولاحظ فيها أن 60 في المائة منهن ذكرن أن وسائل التكنولوجيا كالهاتف الجوال والكومبيوتر والتلفزيون، تتسبب بالتعارض مع الأوقات التي يقضونها مع شركاء حياتهم، و40 في المائة منهن ذكرن أن شريك حياتهن ينشغل عنهن أثناء النقاش بمشاهدة التلفزيون، و35 في المائة منهن ذكرن أن شريك حياتهن يقطع النقاش في وسطه إن وصلت له رسالة على الهاتف الجوال، وذكر 33 في المائة منهن أن شريك حياتهن يتفقد هاتفه أثناء تناولهم وجب الطعام معاً، وذكر 25 في المائة منهن أن شريك حياتهن يكتب ويرسل رسالة نصية عبر الهاتف الجوال وهما وجهاً لوجه يتحدثان كزوجين».
وأضاف آنذاك في نتائج دراسته أن «62 في المائة من الزوجات ذكروا أن الشيء ذاته يُعاني منه أطفالهن، ولكن لأنهم ليسوا بالغين فإن الطريقة التي يعبرون بها ربما هي الانشغال، ومعظم الآباء يحبون أطفالهم حقاً، ولكن من الصعب على الطفل الشعور بأن الأب يُحدّق في هاتفه ولا يعير الطفل اهتماماً».
وهذا التوقّع من الدكتور ماكدانيال ربما هو ما دفعه إلى إجراء الدراسة الحديثة حول تأثيرات انشغال الوالدين بالهاتف الجوال على الأطفال.
والواقع أن ثمة كثيراً من الدراسات التي بحثت في تأثيرات وسائل التكنولوجيا بأنواعها على سلوكيات الأطفال، ووفق ما تشير إليه نتائج الإحصائيات فإن الأطفال ما بين عمر 8 و18 سنة يقضون نحو سبع ساعات ونصف يومياً في مواجهة شاشات الترفيه، سواء كانت شاشات التلفزيون أو الكومبيوتر أو الهاتف الجوال أو الكومبيوتر اللوحي وغيرها.
وشمل الباحثون في دراستهم الحديثة 170 أسرة، ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن 50 في المائة من الوالدين ينقطعون عن التواصل مع أطفالهم أكثر من ثلاث مرات خلال اليوم الواحد بسبب الانشغال بإحدى وسائل التواصل التقني، خصوصاً الهواتف الجوالة، وأن ذلك مرتبط بارتفاع وتيرة نوبات الغضب والصراخ وإساءة السلوك من قبل الأطفال. وهو ما علّق عليه الدكتور ماكدانيال بالقول: «نظرياً هذه نتيجة منطقية إذ إن التكنولوجياً تعيق النوعية الجيدة من الأبوة والأمومة، والأطفال سيتفاعلون بسوء إزاء الأبوة والأمومة السيئة، وقد يهرب الوالدان إلى وسائل التكنولوجيا عند رؤيتهما سوء التصرف من أولادهما».
وتحت عنوان: «لما لا يُمكن استبدال التكنولوجيا بالوالدين» وبالتالي لا يُمكن استغناء الأطفال عن التواصل المباشر مع والديهم، تقول الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال: «إن نمو مهارات اللغة والكلام مرتبط بشكل قوي مع قدرات التفكير والعلاقة الاجتماعية والقراءة والكتابة والنجاح المدرسي، وفي الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل يحصل 80 في المائة من نمو دماغ الطفل، وهذا النمو يتغذى بشكل دائم على التفاعلات الكلامية وغير الكلامية التي تحصل فيما بين الطفل ووالديه، ولذا من الضروري جداً أن يُدرك الوالدين ضرورة التركيز على نوعية الوقت الذي يقضونه مع أطفالهم وليس على أجهزة التكنولوجيا ما أمكنهم ذلك، ولا شيء يوازي في الأهمية أهمية التواصل المباشر وجهاً لوجه مع الأطفال في نمو وتطور تعلمهم ونطقهم ولغتهم».

* استشارية في الباطنية

نصائح للآباء المعانين من فرط الانشغال بوسائل التكنولوجيا

تقول الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في حديثها إلى الوالدين، إن الهواتف الجوالة يمكن أن تكون وسيلة للتواصل مع الآخرين ووسيلة لجعل حياتنا أسهل، ولكن الإفراط في استخدامها يمكن أن يتداخل بشكل سلبي مع التفاعلات الطبيعية بين الوالدين والطفل. وفي حين أنه قد يكون من الصعب حفاظك على هاتفك الجوال بعيداً عن الأنظار تماماً، خصوصا أن معظم الآباء والأمهات أيضاً يستخدمون هواتفهم الجوالة لالتقاط الصور وأشرطة الفيديو لأطفالهم، هذه بعض الاقتراحات:
• تحديد أوقات خالية من التكنولوجيا بشكل يومي منتظم: كجزء من الروتين اليومي، اجعل الأجهزة، مثل أجهزة التلفزيون أو الهواتف الجوالة أو أجهزة الكومبيوتر أو الألعاب أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية، بعيدة عنك في أوقات محددة من ساعات اليوم، خصوصاً قبل حلول وقت النوم وقبل النوم. إن تخصيص تلك الأوقات الخالية من وسائل التكنولوجيا مهم للعائلات التي لديها أطفال صغار جداً في السن. ويمكن تخصيص غرف أو مناطق في المنزل خالية من التكنولوجيا، مثل طاولة تناول الطعام أو المطبخ.
• تعيين نزهات خالية من التكنولوجيا: كرحلة إلى المزرعة أو حديقة الحيوان، أو لحضور أنشطة ترفيهية في الحدائق، أو خلال يوم في حمام السباحة. ويُمكن استخدام كاميرا تصوير منفصلة عن الهاتف الجوال في تلك الأوقات لمنْ أراد توثيق تلك الأنشطة الأسرية.
• استخدام التكنولوجيا بطريقة تفاعلية: إذا كنت تستخدم الهاتف الجوال أو أي جهاز آخر، استخدمه مع أطفالك وتحدث معهم عمّا تراه أو تتابعه وأشركهم معك في استخدامه واطلب منهم مقترحات.