مفاوضات في «آستانة 5» لحسم الرقابة على «وقف التصعيد»

موسكو تدفع بملفي «المصالحة» والمعتقلين

بعد غارة من قوات النظام على درعا أمس (أ.ف.ب)
بعد غارة من قوات النظام على درعا أمس (أ.ف.ب)
TT

مفاوضات في «آستانة 5» لحسم الرقابة على «وقف التصعيد»

بعد غارة من قوات النظام على درعا أمس (أ.ف.ب)
بعد غارة من قوات النظام على درعا أمس (أ.ف.ب)

انطلقت، أمس، أعمال الجولة الخامسة من اجتماعات آستانة وسط خلافات بين الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، حول تأسيس مراكز لرقابة تنفيذ اتفاق «خفض التصعيد» وحدودها، مقابل دفع روسي لملف «المصالحة» ولجنة المعتقلين.
وتحدثت مصادر في آستانة عن صيغة اتفاق نصت على إقامة مراكز مراقبة بمشاركة روسية وتركيا وإيرانية في شمال وجنوب ووسط سوريا. وقالت وكالة «إنتر فاكس»، نقلا عن مصدر مقرب من المحادثات: إنه «لم يتم حتى الآن التوصل إلى اتفاق بخصوص الغوطة الشرقية وحمص»، وأن هناك تباينات كذلك بشأن مناطق خفض التصعيد شمال وجنوب سوريا، بينما «تم حل كل الخلافات بشأن منطقة الرستن» في ريف حمص. وقال مصدر من آستانة لقناة «آر تي»: إن إيران طالبت المجتمعين بتأجيل بحث الوضع في المنطقة الجنوبية؛ لأنها تنوي عرض رؤية مختلفة لخطوط التماس هناك.
وكانت قوات النظام السوري وميليشيات طائفية شنت هجوما واسعا على مناطق المعارضة جنوب سوريا؛ ما دفع فصائل الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر إلى الإعلان عن مقاطعة «آستانة - 5».
وأكد أنور جايناكوف، المتحدث الرسمي باسم الخارجية الكازاخية، أن جميع الوفود وصلت إلى آستانة للمشاركة في «آستانة - 5»، بما في ذلك 9 أشخاص ممثلين عن المعارضة السورية المسلحة، لافتاً إلى أن «محمد علوش، رئيس وفد المعارضة في الجولات السابقة، ليس بين الحاضرين». وذكرت وكالة «ريا نوفوستي»، أن وفد المعارضة السورية وصل آستانة، وضم ممثلين عن الجبهة الجنوبية. وقالت وكالات أنباء روسية: إن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وصل أمس أيضاً إلى آستانة، وشارك في المفاوضات.
وبحسب تصريحات الجانبين الروسي والكازاخي، فإن اللقاء الحالي سيركز بصورة خاصة على بحث التفاصيل المتعلقة بآليات تنفيذ مذكرة إقامة مناطق «خفض التصعيد»، فضلا عن قضية تبادل الأسرى والمحتجزين، ونزع الألغام في المناطق الأثرية.
وكان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أكد أن لقاء آستانة سيبحث كذلك مسألة تشكيل هيئة وطنية سورية للمصالحة. وأكد وزير الخارجية الكازاخي خيرات عبد الرحمنوف، أن «الوثائق الختامية للقاء، بحال اتفقت الدول الضامنة عليها، ستكون بصورة رئيسية حول تنفيذ مذكرة مناطق خفض التصعيد»، موضحا أن «هذا على الأقل ما تقوله معلومات قدمتها لنا الدول الضامنة، والتي تنوي كذلك بحث مسألة نزع الألغام».
وواصلت لجنة الخبراء من الدول الضامنة، الخاصة بمناطق خفض التصعيدات، عملها حتى الساعات الأخيرة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق، وعقدت اجتماعا أمس في آستانة قبل انطلاق المفاوضات، وقالت وكالة «تاس»: إن «الهدف الرئيسي للاجتماع محاولة التوصل لاتفاق حول حدود مناطق خفض التصعيد».
وشهدت الساعات الأولى من الجولة الحالية من مفاوضات آستانة لقاءات بين الوفد الروسي ووفد النظام السوري، وستجري لقاءات ثنائية أخرى بين الوفود السورية ووفود الدول الضامنة، خلف الأبواب. ويتوقع عقد جلسة عامة بعد ظهر اليوم.
والتزمت الوفود الصمت «رسميا» بشأن ما يجري بحثه في «آستانة - 5»، في وقت قال مصدر من أحد الوفود المشاركة لـ«ريا نوفوستي» إنه «من المقرر تأسيس مركزين لمراقبة الالتزام بمذكرة مناطق خفض التصعيد، واحد في الأردن وآخر في تركيا ونصفه في سوريا»، موضحا أن المركز في الأردن سيكون معنيا بمنطقة خفض التصعيد جنوب سوريا، ويشارك فيه مراقبون من روسيا والأردن والولايات المتحدة، أما الثاني في تركيا وسوريا، فسيعمل فيه مراقبون من تركيا وروسيا»، وأكد أنه «هناك فهم مشترك حول هذه المسائل، لكن يبقى الاتفاق على التفاصيل».
وأوضح المصدر، أن «مراكز المراقبة تلك ستتبادل المعلومات وتقترح التدابير الضرورية، مثل سحب القوات بحال توتر الوضع. وسيقوم المراقبون بجمع المعلومات حول الانتهاكات، وتقديم اقتراحات بحال استمر التوتر، منها مثلا إجبار القوات على الانسحاب تحت رقابة روسية وتركية؛ كي لا يتمكنا بعد ذلك من تبادل إطلاق النار». وقال: إن «العمل بموجب هذه الخطة سيستمر 3 أشهر، ينم تمديدها لاحقا»، حيث «سنقوم بتحديد تلك المناطق ومن ثم نبدأ بالمراقبة»، وأكد أنه بحال خيّم الأمن والهدوء على تلك المناطق «سيتم استبدال الوحدات من الدول الضامنة بوحدات سورية من السلطات والمعارضة»، لكن «بحال تمكنا من إقناعهم (النظام والمعارضة) بالجلوس خلف طاولة واحدة»، وعاد ليؤكد بعد ذلك المعلومات التي أفادت بأن منطقة خفض التصعيد شمال سوريا ستكون تحت تحكم روسيا وتركيا، بينما تتحكم روسيا وإيران في مناطق وسط سوريا، وأخيرا تكون روسيا المسؤولة عن منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا.
وقال مصدر مطلع من «آستانة» لـ«الشرق الأوسط»: إن «الأفكار المتداولة كثيرة، وكلها ترمي إلى إيجاد صيغة توافق عليها الدول الضامنة كلها، وتلاقي في الوقت ذاته قبول الأطراف الروسية»، ولفت إلى «نقطة خلاف جدية ما زالت عالقة منذ الجولات السابقة، حول الدور الإيراني»، فضلا عن بقاء «الكثير من التفاصيل التي ما زالت محاولات التوصل لتفاهمات بشأنها مستمرة».
وأكد مصدر مطلع لوكالة «ريا نوفوستي»، أن المشاركين في «آستانة - 5» سيبحثون تشكيل هيئة مصالحة وطنية سورية، وأوضح أن «الحديث يدور على الأرجح حول تشكيل منتدى أو مؤتمر للمصالحة الوطنية وليس عن تشكيل مركز»، وقال: إن «بحث هذا الاقتراح أمر جيد؛ لأن المصالحة هي الخطوة التالية بعد مرحلة وقف إطلاق النار». وأضاف، أن «كل الأطراف المشاركة أيدت فكرة تشكيل هيئة مصالحة وطنية» غير أن المصدر لم يوضح من هي تحديداً الأطراف التي أيدت الفكرة، وما إذا كانت المعارضة بين تلك الأطراف، لكنه أشار إلى «مخاوف من أن تصبح الهيئة بديلا عن جنيف»، وأضاف: «تمت إزالة تلك المخاوف». وبعد تأكيده أن «الفقرة حول هيئة المصالحة الوطنية سيتم تثبيتها في البيان الختامي»، كشف عن أن الهيئة التي يدور الحديث عنها سيتم تشكيلها من ممثلين عن النظام السوري وشخصيات محلية تتمتع بمكانة مميزة وشيوخ. وسيجري ضمن الهيئة بحث القضايا الداخلية، بما في ذلك الأمنية، وختم مؤكداً «ستكون هذه قصة سورية بامتياز دون أي وساطات».
* وفد المعارضة
وكانت مصادر أفادت «الشرق الأوسط» بأن المعارضة في اجتماعات «آستانة - 5» تمثلت فقط بـ3 فصائل مقربة جدا من أنقرة هي «فيلق الشام» و«فرقة السلطان مراد» و«أجناد الشام» بعد قرار فصائل الجنوب كما الغوطة وقسم كبير من فصائل الشمال مقاطعة الجولة الجديدة لاعتبارات مختلفة. وقال المصدر إن الوفد ضم منذر سراس وياسر عبد الرحيم ممثلين «فيلق الشام»، أحمد عثمان ممثلا عن «السلطان مراد» وفهد القاضي عن «أجناد الشام»، في حين شارك آخرون بصفتهم الشخصية، وهم مهند جنيد، ياسر فرحان، أحمد بري وأبو أحمد العاصمي. وأضاف المصدر، أن «تركيا خاضت في الفترة الماضية نقاشات مطولة مع فصائل أخرى في الشمال لإقناعها بالمشاركة إلا أنها رفضت»، مشيرا إلى أن مقاطعة فصائل الجنوب للاجتماع «دليل على تحفظ أميركي – أردني، وبخاصة في ظل الخلافات الحاصلة حول مصير منطقة الجنوب». ووصف المصدر جدول أعمال «آستانة - 5» بـ«المقلق»، لافتا إلى أن موسكو فرضت بند «اللجنة المركزية للمصالحات»، وهي لجنة تمهد لتجهيز الفصائل بالجملة لمصالحة النظام، رغم تحفظ أنقرة. وقال: «هذا الاجتماع هو أضعف من كل الاجتماعات الأخرى التي لم تحظ أصلا بترحيب واشنطن».
وأصدرت فصائل «الجبهة الجنوبية» أمس بيانا رسميا أعلنت فيه مقاطعتها الجولة الجديدة من اجتماعات آستانة، لافتة إلى أن قرارها «جاء نتيجة عدم قدرة المؤتمرات الدولية على اتخاذ أي قرارات جادة من شأنها إيقاف إراقة الدم السوري، بسبب تعنت نظام الأسد وبمساندة كل من الدول والميليشيات الحليفة». وجزم البيان بعدم وجود أي ممثل عن «الجبهة الجنوبية» وبأنه «ليس هناك أي تصريح لأحد بالتكلم أو التفاوض أو تمثيلها في المحادثات».
وشدد بشار الزعبي، قائد جيش «اليرموك» لـ«الشرق الأوسط»، على أن موقف «الجبهة الجنوبية»: «ثابت بعدم الذهاب إلى آستانة باعتبار أن النظام كما الدول الضامنة كاذبة»، مذكرا بأن «درعا كانت أساسا ضمن مناطق خفض التوتر، إلا أنه لم يتم الالتزام بأي شيء بشأنها»، بإشارة إلى استمرار عمليات النظام العسكرية في المنطقة.
من جهتها، أفادت وكالة «سبوتنيك» الروسية بأن وفد المعارضة المسلحة في اجتماع «آستانة - 5» الدولي يضم نحو 10 ممثلين عن الفصائل السورية المسلحة، من بينهم العميد الركن أحمد بري، وياسر عبد الرحيم، قائد غرفة عمليات «فتح حلب». وكان مدير المكتب السياسي والعلاقات الخارجية في لواء «شهداء الإسلام»، النقيب سعيد نقرش، أعلن في وقت سابق أن محمد علوش، رئيس الهيئة السياسية في «جيش الإسلام» وأسامة أبو زيد، الناطق باسم وفود المعارضة السابقة، اعتذرا عن المشاركة في اجتماع آستانة الجديد.
وكان فصيل «فيلق الرحمن» العامل في الغوطة، أعلن هو الآخر مقاطعة المحادثات. وقال المتحدث باسمه وائل علوان: إن «من يحضرها اليوم بعد كل الذي يجري، فهو ممثل لنفسه وليس له من رصيد الثورة أو الحديث باسم أهلها وأبطالها شيء».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.