«غريس موناكو».. فيلم الافتتاح يحتفظ بحقـه مزج الحقيقة ببعض الخيال

{الشرق الأوسط} في مهرجان كان السينمائي (2)

كيدمان خلال التصوير مع المخرج أوليفييه داهان
كيدمان خلال التصوير مع المخرج أوليفييه داهان
TT

«غريس موناكو».. فيلم الافتتاح يحتفظ بحقـه مزج الحقيقة ببعض الخيال

كيدمان خلال التصوير مع المخرج أوليفييه داهان
كيدمان خلال التصوير مع المخرج أوليفييه داهان

في فيلمه الذي حازت عنه الممثلة ماريون كوتيار أوسكار أفضل تمثيل نسائي «وردة الحياة» سنة 2007. تحدث المخرج عن فنانة لا تستطيع التوقّـف عن الفن. إنها المغنية الفرنسية إديت بياف التي كادت أن تقضي وهي تقف على المسرح.
في فيلمه الجديد «غريس أوف موناكو» (Grace of Monaco) الذي افتتح الدورة الـ67 لمهرجان «كان» السينمائي يوم أمس الأربعاء، يتحدث المخرج ذاته عن ممثلة كانت لا تريد أن تعتزل الفن، لكنها قبلت بذلك على مضض.
إنها غريس كيلي، الممثلة التي ولدت سنة 1929 ومثلت للتلفزيون منذ سنة 1950 وحتى قيام المخرج ذائع الصيت جون فورد بتحويلها إلى وجه سينمائي في فيلمه «موغامبو» أمام كلارك غايبل وآفا غاردنر. كان ذلك سنة 1953 وبعد عام واحد طلبها ألفرد هيتشكوك للعب دور الزوجة التي ينوي زوجها راي ميلاند قتلها مستأجرا للغاية خدمة قاتل محترف. هيتشكوك أحب موهبة هذه الممثلة التي لا ترهقها إرشاداته الصارمة فأسند إليها البطولة النسائية في «نافذة خلفية» الذي حققه في العام ذاته حول مصوّر صحافي (جيمس ستيوارت) لا يستطيع الحراك بسبب حادثة، لكنه يستطيع التلصص على جيرانه مكتشفا جريمة قتل تقع في إحدى شقق البناية المواجهة.
ظهرت في ثلاثة أفلام أخرى قبل أن يطلبها هيتشكوك مرّة ثالثة في «للقبض على لص» (1955) أمام غاري غرانت لاعبا شخصية لص ظريف يعيش ويعمل في منطقة الريفييرا. بعد ذلك ظهرت في فيلمين، ثم عندما التقت راينر الثالث، أمير موناكو، وافقت على الزواج منه. وحين عرض عليها هيتشكوك بطولة فيلمه اللاحق «مارني» شعرت بالرغبة في العودة للتمثيل، لكنها كانت اكتشفت موقعها الجديد وما يفرضه عليها، وواجهت بعد ذلك ممانعة زوجها ما دفعها للاعتذار عن قبول ذلك الدور فذهب إلى الممثلة تيبي هدرن التي كانت لعبت بطولة «الطيور» لهيتشكوك سنة 1963.
أحداث فيلم أوليفييه داهان تجري قبل عامين من ذلك التاريخ. في ديسمبر (كانون الأول) سنة 1961 جاءها المخرج الكبير إلى دارتها وترك عندها سيناريو الفيلم. قالت لا، لكنها لم تعنها. عندما رأت أن مكانها الحقيقي هو في موناكو وليس في هوليوود، ودورها هو الوقوف إلى جانب زوجها الذي كان يمر بحقبة تاريخية صعبة وأن ترعى أولادهما الثلاث، تصدّت للمهمة وانتزعت من رأسها فكرة العودة إلى التمثيل. فيلم داهان هو عن نجمة لامعة أعادت وضع أولوياتها وهو ينتهي قبل عشرين سنة من وفاتها أي العام 1962، وحسب الفيلم الذي استندت كتابته إلى مصادر متعددة، استطاعت إقناع الرئيس الفرنسي شارل ديغول بـ«الحفاظ على الجمال» الذي هو إمارة موناكو بعدما كان يسعى لتقويض الإمارة وضمّـها إلى الإدارة الفرنسية إلا إذا دفعت للدولة الفرنسية الضرائب.
آخر كلمة حوار في الفيلم هي «أحبّـك»، يقولها الأمير راينر (توم روث) لزوجته هامسا في تلك الحفلة الكبيرة التي أقيمت احتفاء بمنظّـمة الصليب الأحمر. لقد استطاعت تعديل رأي الرئيس الفرنسي (بعدما قبل دعوتها الشخصية للحضور قائلا لوزرائه «لن أخاف من ممثلة») بعد كلمتها التي ترقرقت الدموع في عينها وهي تلقيها. في الحقيقة، الفيلم فيه أكثر من مشهد يصوّر فيها المخرج دموع نيكول كيدمان تترقرق في مقلتيهما أو تنذرف على خدّيها وهو لم يكن ليستطيع ذلك لولا هذا الأداء الجيد من الممثلة الذي يفوق معظم ما أدّته من أفلام سابقة.
الفيلم سلسلة من المآزق، ولا بد أن بعضها كان مبكيا لامرأة وجدت نفسها محور الحياة الشخصية لموناكو كلها، فإلى جانب الأزمة العاتية التي ضربت العلاقة بين فرنسا والإمارة وما كادت أن تفضي إليه من التهام الأولى للثانية، مرّت الإمارة في ذلك الحين أزمات أخرى مثل إشرافها على الإفلاس كما عايشت كيلي أوضاعا كئيبة: لديها زوج يفضل السياسة على كل شيء. ينظر إليها بحذر. يحاول فرض وصايته عليها وتحيط بها ثقافة تختلف تماما عن تلك الأميركية الأكثر، والكلام للفيلم، مباشرة وحرية.
لكنها كسبت الزوج مرّة ثانية وكسبت معركة الإمارة ضد فرنسا كما كسبتها ضد شقيقة الزوج التي كانت تحاول مساعدة شارل ديغول الاستيلاء على الإمارة لقاء تعيينها هي كملكة.
كم من هذا الفيض من الأزمات صحيح وكم منه خيالي هذا ليس واضحا تماما. هل خطاب غريس كيلي هو فعلا ما أثّـر في شارل ديغول فعفا الإمارة من خطته؟ هل حدثت تلك المشادات بينها وبين زوجها أو بين زوجها وبين مندوبين ومسؤولين أوروبيين؟ هل قدّر الأمير راينر زوجته حق قدرها لاحقا عندما يكتشف الجهد الذي تبذله في سبيله وسبيل الإمارة؟ لا ريب أن هناك صدقا في الكثير من هذه الأحداث التي نراها، لكن لا عجب أيضا أن يصدر من القصر، وكما أشرت البارحة، إعلان تتبرأ فيه العائلة من الفيلم وتنفي أن أحداثه وقعت على النحو الذي يصوّره المخرج داهان. العجيب هو أن أولاد غريس كيلي هم من أصدره.
الفيلم لا يحاول إلا أن يتوجّـه للجمهور العام: 35 مليون دولار ميزانيّـته. ناطق بالإنجليزية (مع قليل من الفرنسية). يحمل أسلوب سرد غير شخصي ومنفتح على كل الأذواق من دون خصائص فنية تحد من وصوله إلى الجمهور السائد. حتى ولو لم تكن المشاهد المعروضة حقيقية تماما أو حتى لو رش المخرج الملح والبهارات على السطح وفي بعض الجوانب، إلا أنه يبقى ممارسا لحقّـه في مزج الحقائق بشروط العرض رغم أن الكثير مما نراه على الشاشة يبقى عكسا للتفاصيل الواقعية من تصاميم الأماكن والملابس وتصفيف الشعر إلى مجمل ما وجده المخرج مناسبا لسرد الحكاية.
هذا لا يعني أنه فيلم جيّـد على نحو كبير. بالتأكيد ليس عملا فنيا خالدا أو فيلم يعود إليه المشاهد متأثرا بما ورد فيه، لكنه ليس إضاعة وقت، ومع أن عليه أن يتمتع بجماليات المكان وأن يلتزم بتقديم شخصيته الرئيسية على نحو إيجابي، إلا أنه ليس بلاستيكيا هشّـا كما كان متوقعا. في مجمله هو نتيجة معرفة بما يريد المخرج قوله وبكيفية قوله ونتيجة رغبته في أن يقدّم غريس في ضوء لامع والآخرين في ظلالات متباينة قبل أن يمنحها (كما حال شخصية الزوج وحال المشرفة الأولى في القصر) إضاءة أفضل.
اختيار المهرجان لهذا الفيلم لافتتاح هذه الدورة في مكانه، إن لم يكن لشيء فلحقيقة أن غريس كيلي تعرّفت على أمير موناكو في هذه المدينة وبمناسبة عرض فيلمها «للقبض على لص» في المهرجان سنة 1955. باختياره يمنح المهرجان تأييده للمخرج داهان الذي واجه مشاكل عدّة خلال التصوير. فقد بوشر بتصوير هذا الفيلم قبل عامين. في العام الماضي اختلف المنتج الفرنسي بيير أنج لي بوغام والمخرج داهان مع الجانب الأميركي المتمثّـل بهارفي واينستاين (الذي كان دفع خمسة ملايين دولار لقاء عروضه الأميركية). سبب الخلاف هو رغبة واينستاين إعادة توليف الفيلم على نحو يرضاه هو. لقد وجد أن الفيلم يتحدّث في السياسة والأزمات الداخلية للإمارة أكثر مما يسرد قصّـة عاطفية ناعمة يستطيع بيعها لجمهوره.
إلى ذلك، يقال: إنه كان يرغب في فيلم يدخل به أوسكار السنة المقبلة لكنه فوجئ بفيلم لم يأخذ بعين اعتباره أيا من هذه الشروط. داهان رفض إعادة توليف فيلمه ملتزما بحقه كمخرج، وهو حق يضمنه القانون الفرنسي. أما هارفي فصنع نسخة مختلفة ليفاجأ بأن مهرجان «كان» اختار الفيلم، بنسخته الأصلية، للافتتاح. ربما ستكون النسخة التي سيعرضها على الأميركيين أو سيبعث بها إلى الأكاديمية موزعة الأوسكار أو إلى مسابقة «الغولدن غلوب»، لكن من المشكوك فيه أن تكون أفضل من هذا العمل على تواضعه فنيا.

* ألفرد هيتشكوك الذي لا يكف عن الحضور
* يؤدي الممثل روجر أشتون غريفيث شخصية المخرج ألفرد هيتشكوك في هذا الفيلم ويعرض المهرجان فيلم هيتشكوك «نزل جامايكا» (1939) في تظاهرة من الكلاسيكيات السينمائية. لكن الحقيقة أن هيتشكوك حاضر شبه دائم من العام 1946 عندما قدّم هنا «مشهور» داخل المسابقة وحتى اليوم. فبعد ذلك الفيلم اشترك هيتشكوك خمس مرّات متوالية عن «أنا أعترف» (1953) و«الرجل الذي عرف أكثر مما يجب» (1956) و«الطيور» (1963) و«ذعر» (1972) ثم «حبكة عائلية» (1976). بعد وفاته سنة 1980. مباشرة قبل دورة ذلك العام، استعيد هيتشكوك عدة مرات فعرض المهرجان له «سايكو» الذي حققه المخرج سنة 1960 وذلك في حفل خاص سنة 1910. في العام الماضي عرض له فيلمين من أعماله الفذّة «فرتيغو» الذي أخرجه سنة (1958) وذلك بحضور بطلته كيم نوفاك و«الطيور» (1963).
كل هذا ولجان التحكيم طوال هذه الحقبة أغفلت منحه أي جائزة عن أي من أعماله.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».