خريطة وراثية للمصابين بأمراض مستعصية تبشر بتطوير علاج موجه لهم

بريطانيا مقبلة على ثورة في مجال الفحوص الجينية

خريطة وراثية للمصابين بأمراض مستعصية تبشر بتطوير علاج موجه لهم
TT

خريطة وراثية للمصابين بأمراض مستعصية تبشر بتطوير علاج موجه لهم

خريطة وراثية للمصابين بأمراض مستعصية تبشر بتطوير علاج موجه لهم

أعلن خبراء بريطانيون أن بلادهم مقبلة على ثورة في ميدان الفحص الجيني ستؤدي إلى وضع خريطة وراثية لكل ساكن فيها، وهو ما سيتيح للأطباء تشخيص الأمراض، خصوصا أمراض السرطان، بهدف وضع العلاج المناسب لكل مريض.
وفي تقرير خاص نشر أمس، عرضت البروفسورة سالي ديفيز، رئيسة هيئة الأطباء البريطانية، صورة لما سمته «الحلم الجينومي» الذي سيفتح الأبواب أمام عصر «الطب الشخصي» لكل مريض بالسرطان، بعد حصوله على خريطة تركيبته الجينية.
وأضافت أن مثل هذه الفحوصات الجينية ستكون متاحة خلال 5 أعوام مثلما هي الحال مع اختبارات فحص الدم أو التصوير بالمرنان المغناطيسي. وسيتمكن هؤلاء المرضى، وكذلك المرضى الآخرون المصابون بأمراض ذات منشأ جيني، من البدء بالعلاج أسرع، ولن يحتاجوا للخضوع إلى اختبارات وتشخيصات من سلسلة من الأطباء والاختصاصيين.
ويتعرف العلماء خلال عملية وضع التسلل الجيني للأفراد على طبيعة الأوامر التي تصدرها الجينات. وتفترض نتائج الأبحاث العلمية أن جينوم المصابين في 60 في المائة من حالات السرطان، يكشف عن معلومات لتحورات وتشوهات جينية بمقدورها تحديد نوع العلاج. وأثناء الإصابة بالسرطان تقوم خلايا الأورام الخبيثة بتطوير جينوم مختلف عما تطوره الخلايا السليمة. وعندما يقوم الأطباء بمقارنة هذين الجينومين فإنهم يحصلون على معلومات توجههم نحو اختيار العلاج المناسب.
وقالت البروفسورة ديفيز إنه تم وضع وإنجاز جينوم آلاف من المرضى المعالجين ضمن «هيئة الخدمات الصحية البريطانية» وأنه يجب مضاعفة الجهود لوضع جينوم لأعداد أكبر من السكان. وأضافت أن «عصر الطب الدقيق قد انطلق، وعلى هيئة الخدمات الصحية العمل على أن تكون في مقدمة جبهة العلوم... إن هذه التقنية لها القدرة على تغيير الطب إلى الأبد، وعلى الجميع احتضانها».
وأشارت ديفيز إلى أن «طب الجينوم» له تأثيرات كبرى على فهم الأمراض النادرة، وكذلك أمراض السرطان وأنواع العدوى، ومعالجتها. وبينما يعكف 25 مختبرا منتشرة بشكل متفرق في بريطانيا حاليا على وضع التسلسل الجيني للأفراد، أوصت ديفيز بإقامة نظام مركزي للمختبرات وتأسيس شبكة وطنية لإتاحة الفرص المتكافئة في كل أنحاء البلاد. ومن المنتظر أن تتشكل «هيئة الجينوم الوطني» الحكومية التي سيرأسها وزير للإشراف على خدمات الجينوم وإدخال التقنيات الجديدة المطلوبة.
ورحب وزير الصحة البريطاني بالتقرير وأشار إلى أن بريطانيا تلعب دورها القيادي في الطب الجيني وأن آلاف المرضى قد استفادوا من التشخيص السريع والعلاج الدقيق. وتبدو آفاق وضع الجينوم الفردي واعدة مع انخفاض تكلفة الفحص الجيني إلى نحو 680 جنيها إسترلينيا (880 دولارا) بعد أن كانت تبلغ عدة آلاف من الدولارات.
ويعاني 3.5 مليون من البالغين والأطفال في بريطانيا من واحد من 7 آلاف مرض نادر سبق للأطباء تشخيصه، يمكن علاجها بسرعة وفعالية بعد إجراء الفحص الجيني لكل مريض.
ويبلغ عدد الجينات 20 ألف جين تحتوي على نحو 3.2 مليار «حرف» داخلها؛ لو جرى وضعها في الكتب لكونت رفا طوله 61 مترا من المجلدات! ويعني مفهوم «الطب الشخصي» سرعة تشخيص المرض بواسطة التركيبة الجينية وسرعة علاجه، مثل إعطاء المريض عقارا موجها لا يضر بالخلايا السليمة.
على صعيد آخر، طور باحثون بريطانيون في «معهد أبراهام» في كمبردج طريقة لرصد التغيرات الكبرى في تركيبة الجينوم داخل الخلايا السرطانية. وقالوا في دراسة نشرت في مجلة «جينوم بيولوجي» إنهم وضعوا طريقة تسمى «Hi - C» تسمح للباحثين بالتعرف على الوسيلة التي يتم من خلالها تغيير مواضع الجينات داخل الخلايا.
وقالت الدكتورة لويز هيروود، المشاركة في الدراسة، إن إعادة ترتيب الكروموسومات ترصد عادة لدى بعض المرضى من عموم الجمهور، لكنها ترصد خصوصا لدى غالبية مرضى السرطان، إلا أن الكشف عنها يظل صعبا جدا، وهو مفيد لأغراض التشخيص والعلاج.
وقال البروفسور بيتر فريزر، المشرف على الدراسة، إن فريقه وظف الطريقة الجديدة لدراسة جينوم 6 أشخاص مصابين بورم في الدماغ، وإن الفريق رصد التغيرات الجينية وحدد موقعها بشكل دقيق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».