ساندرين لو فور... فلاحة أصبحت نائبة في البرلمان الفرنسي

سخر منها منافسوها ولقبوها ببائعة الخضراوات وحالبة البقر

الفلاحة النائبة
الفلاحة النائبة
TT

ساندرين لو فور... فلاحة أصبحت نائبة في البرلمان الفرنسي

الفلاحة النائبة
الفلاحة النائبة

حققت فلاحة فرنسية نصراً مضاعفاً في الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة. فمن جهة، نالت المزارعة الشابة ساندرين لو فور الأصوات التي تؤهلها لدخول البرلمان كواحدة من أصغر النواب عمراً، ومن جهة أخرى، أخرست بفوزها أفواه كثيرين ممن سخروا منها، بمن فيهم غريمها على المقعد البرلماني، السياسي المحنك مايل دو كالان، مرشح حزب الجمهوريين اليميني.
تعرضت المرشحة للنهش السياسي أثناء حملتها الانتخابية. فهي امرأة، ومن قلب الريف الفرنسي في مقاطعة بريتاني (شمال غربي فرنسا). وهي أيضاً، وبشكل خاص، غريبة تماماً على عالم السياسة، أي «دخيلة» بحسبما وصفها خصمها دو كالان. وفي مقابلة تلفزيونية، قبيل الجولة الثانية من الاقتراع، تحدث عنها بشكل مهين وعاب عليها عدم خبرتها في السياسة، معرباً عن شكوكه في قدرتها على شغل مقعد في «قصر بوربون»، مقر مجلس النواب في باريس. ولم يكن المرشح المنافس وحيداً في حملته على المزارعة البالغة من العمر 26 عاماً، فقد توقّع لها كثيرون هزيمة انتخابية نكراء.
وحتى الحزب الاشتراكي، الذي طالما حظي بالصدارة انتخابياً في تلك المنطقة، نظر بعين الحذر إلى ساندرين التي تخطو خطواتها الأولى في السياسة. لكن حالبة البقر وبائعة الخضراوات، مثلما لقّبها الفرنسيون على شبكات التواصل الاجتماعي، كذّبت التوقعات وانتزعت الفوز في مدينة مورليه، بنسبة مشرفة تزيد على النصف من الأصوات. ولعل مما ساهم في فوزها أنها كانت قد ركبت الموجة الجديدة وانتمت إلى حركة «إلى الأمام» الموالية للرئيس المنتخب، إيمانويل ماكرون.
لم تكن ممارسة مهمة النائبة هي العقبة الأكبر أمام ساندرين لو فور، إنما اجتياز المرحلة الانتقالية وتسليم مزرعتها إلى شريك حياتها لكي ينوب عنها في العمل. ففي العشرين من الشهر الماضي، وصل إلى العاصمة معظم نواب الدورة الجديدة، سواء من الفائزين الجدد، وهم الأكثرية، أو من «المحظوظين» الذين تمكنوا من الحفاظ على مقاعدهم بتجديد ولايتهم. كان عليهم الاستعداد للجلسة الافتتاحية، وتسلم مكاتبهم والتعرف على أروقة الجمعية الوطنية، والاطلاع على التعليمات والإجراءات النيابية. لكن لو فور تخلفت عن الموعد لأنها كانت، في ذلك اليوم، منهمكة بالاعتناء بشتلات البصل وحلب الأبقار في مزرعتها الواقعة في قرية بـ«ليبير كريست»، على بعد 20 كيلومتراً من ساحل بحر المانش الجنوبي. لقد بدأت، منذ عامين، استثمار حقل مساحته 30 هكتاراً، ثلثها للخضراوات وثلثها للحبوب، والثلث الأخير تستخدمه مع شريك حياتها مرعى للأبقار. ونظراً لأن وارد المزرعة ما زال شحيحاً، اضطر الزوجان إلى التضحية بمبلغ كانا قد وفّراه لبناء مخزن جديد للحبوب، وأنفقته المرشحة لتمويل حملتها الانتخابية.
لم يكن الترشح للانتخابات التشريعية التحدي الأول في حياة ساندرين لو فور. ففي سنة 2011، أي في سن العشرين، قررت ترك دراستها العليا في الهندسة الزراعية لكي تنطلق مع رفيقها في الحياة العملية، الأمر الذي أثار غضب أهلها الذين اعتبروا تركها الدراسة ضرباً من الجنون. لكنها أصرّت وثابرت وتمكنت من شراء مزرعتها الخاصة، وحصدت ما زرعت.
ترى النائبة الفلاحة أن السياسة ملك للجميع. لكنها عانت أثناء الحملة الانتخابية وبدت متلعثمة في بعض المواقف، وأدلت بآراء تنمّ عن شيء من السذاجة. ثم لجأت إلى خبيرة في تقنيات التواصل والتخاطب والتكلم، كما ساعدها بالمشورة رفاقها في المكتب المحلي لحركة «إلى الأمام». مع هذا فإن العامل الأهم في فوزها كان رغبة نسبة كبيرة من الفرنسيين في إعطاء الرئيس الجديد الشاب أغلبية برلمانية مريحة لكي «يجربوا حظهم» معه. لقد خرجوا من ولايتين رئاسيتين (عهدي نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند) من أسوأ الفترات السياسية في فرنسا في العقود الأخيرة، وبحصيلتين سلبيتين على معظم الأصعدة، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. لذلك فإن فوز ماكرون جاء، في جانب منه، نكاية بالأحزاب التقليدية وأملاً في ولاية رئاسية أفضل من سابقتيها.
تعاطف الناخبون مع ساندرين، مثلما يشجع الريفيون فريقهم المتواضع لكرة قدم في مباراة أمام فريق معروف ذي إمكانيات تقنية ومالية واسعة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنها، رغم اعترافها بجهلها بألاعيب السياسيين، فإنها قد أجادت انتهاز الفرص ومارست شيئا من الانتهازية. فلكي تلتحق بحركة «إلى الأمام»، تخلّت عن تأييدها لاتحاد نقابات الفلاحين الذي كانت من أعضائه. كما عدّلت مواقفها السابقة المؤيدة لتوجهات حماية البيئة ومعارضة استخدام المبيدات الزراعية. ويلاحظ خصومها أنها اعتمدت خطاباً يتسم بالميل بمجاراة ماكرون من جهة، وفي الوقت نفسه محاباة التيارات المختلفة، حتى المتضادة. ولاحظ الصحافيون أنها كلما سئلت عن موقفها إزاء قضية ما، ترد بعبارات من نوع «سأنصت إلى الجميع»، أو «سآخذ في الاعتبار كافة الآراء»، أو «سنحل تلك المشكلة بالتشاور بين جميع الأطراف». لكن النائبة الجديدة لا تبدو آبهة بالمشككين، بل ماضية في الطريق الذي اختطته لنفسها: تمثيل منطقتها ومهنتها في البرلمان، وربما مع طموح خفي بالتقدم مستقبلاً نحو مناصب أعلى. في انتظار ذلك قالت في مقابلة مع إحدى المجلات: «أنا أدرك أصولي، ولن أتنكر لها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».