«خذ واركض» عادة قرغيزستانية لخطف البنات للزواج

الأمم المتحدة: أكثر من 12 ألف امرأة وفتاة يخطفن سنوياً

غولجان توردوباييفا تروي قصة اختطافها (أ.ف.ب)
غولجان توردوباييفا تروي قصة اختطافها (أ.ف.ب)
TT

«خذ واركض» عادة قرغيزستانية لخطف البنات للزواج

غولجان توردوباييفا تروي قصة اختطافها (أ.ف.ب)
غولجان توردوباييفا تروي قصة اختطافها (أ.ف.ب)

تعتبر عملية خطف الشابات للزواج منهن في قرغيزستان عادة معروفة باسم «الا - كاشو» (خذ واركض) أمراً شائعاً في البلاد على غرار دول أخرى في آسيا الوسطى والقوقاز. وتقول غولجان توردوباييفا وهي تكفكف دموعها: «كان قصير القامة نسبيا. وباستثناء ذلك لا أذكر الشيء الكثير عنه. ولم يسبق لي أن التقيت به». وتمكنت الشابة من الفرار من منزل خاطفها ولم تره مجددا. إلا أن كثيرات لسن محظوظات مثلها.
وتفيد الأمم المتحدة أن أكثر من 12 ألف امرأة وفتاة يخطفن سنويا في قرغيزستان بالتواطؤ أحياناً مع أقارب لهن يأملون بتزويجهن بهذه الطريقة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومن بين الأسباب المطروحة لهذه الظاهرة أن الخطف يسمح بدفع مهر أقل إلى عائلة الزوجة العتيدة في هذا البلد حيث تقليد الزيجات المدبرة أقل رسوخا من دول مجاورة أخرى مثل أوزبكستان أو طاجيكستان.
ولرفع الوعي بعمليات الخطف هذه وافقت توردوباييفا وأربع ضحايا أخريات على تحويل قصصهن إلى رسوم متحركة من توقيع فنانين من قرغيزستان.
وتقول تاتيانا زيلينسكايا إحدى فنانات مشروع «سرقوني في يوم من الأيام»: «الناس يتصورون أن مأساة الزواج بالخطف تقتصر على فتاة يرميها رجال عدة في سيارة إلا أن الأمور لا تسير على هذا النحو في كثير من الأحيان».
وتوضح: «المأساة الفعلية تبدأ بعد ذلك عندما تقنع عائلة الخاطف الفتاة بالبقاء. كيف نجحوا في فرض إرادتهم عليها ولِمَ تقبل بهذا الزواج؟ هذا ما أريد فهمه».
في إحدى الرسوم المصورة تدعى توردوباييفا، «نارغيزا». وتروي هذه الشخصية كيف أن خالة الشابة ساعدت في التحضير لخطفها. وتقول «نارغيزا»: «أمي لا تزال تتحدث إليها أما أنا فلن أغفر لها أبداً».
وتروي شخصية ثانية تدعى «بيغايم» قصة ضحية أخرى تعرضت للاغتصاب من الرجل الذي كان يفترض به أن يتزوجها.
ونظراً إلى المحرمات التي ترافق تقليد خطف الشابات للزواج منهن، وحدها توردوباييفا من بين النساء الخمس المشاركات في المشروع وافقت على الكشف عن هويتها.
وقد حيا كثيرون شجاعتها إلا أن الشابة تلقت أيضاً رسائل إلكترونية تتضمن شتائم فضلاً عن تهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث نشرت الرسوم المتحركة بشكل واسع.
وغالبية رسائل الحقد هذه كتبها رجال. وهي تروي لوكالة الصحافة الفرنسية: «البعض نعتني بأني بلهاء وبأنه كان ينبغي أن أبقى معه فكلانا من قرغيزستان وهذا هو المهم». وعادة الزواج بالخطف قديمة، فهي كانت قائمة قبل أن تصبح قرغيزستان جمهورية سوفياتية في عشرينات القرن الماضي وصمدت في وجه محاولات السلطات السوفياتية القضاء عليها. وتذكر شقيقة أشهر شعراء البلاد تشينغيز إيتماتوف البالغة 80 عاما الآن كيف أن صديقها خطفها عام 1959 وأرغمها على الزواج منه.
قد بقيت زوجته مدة 50 عاماً. وعرفت عمليات الخطف هذه ازدهارا جديدا في التسعينات مع انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال البلاد مجددا. وتقول زلفية كوتشورباييفا التي تعمل في منظمة غير حكومية في بشكيك: «أذكر أن زميلة لي في المدرسة خطفت بعيد حفل التخرج. نصف تلميذات صفي تقريباً تزوجن بهذه الطريقة».
وتؤكد سلطات البلاد أن هذه الزيجات تتراجع بفضل قانون يعاقب مرتكبيها بقساوة أكبر. وقد أقر هذا القانون العام 2012 وهو الأول الذي يجرم هذه العادة ويواجه الخاطفون بموجبها احتمال الحكم عليهم بالسجن عشر سنوات. إلا أن تقريرا للأمم المتحدة صدر العام 2016 يفيد أن ثلث سكان قرغيزستان لا يزالون يجهلون أن الخطف بات يشكل جريمة.
وتشدد كوتشورباييفا على أنه ينبغي أيضاً التبليغ بعمليات الخطف. وتؤكد: «يصعب على الشابات تقديم شكوى فهن يخشين ألا يحصلن على دعم عائلاتهن». وتختتم بأسف: «هنا الأكبر سناً يقررون مصير من هم أصغر منهم. هذا جوهر المجتمع الذكوري».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».