«معلمو كناوة» في الصويرة من «شكوى المنفِيِّ» إلى «النشيد الكوني»

بعض كبار المعلمين الكناويين في الصويرة
بعض كبار المعلمين الكناويين في الصويرة
TT

«معلمو كناوة» في الصويرة من «شكوى المنفِيِّ» إلى «النشيد الكوني»

بعض كبار المعلمين الكناويين في الصويرة
بعض كبار المعلمين الكناويين في الصويرة

شكل «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» بالصويرة في دورته الـ20 التي اختتمت السبت الماضي، مناسبة تذكر فيها عشاق الموسيقى الكناوية عدداً من كبار «لْمعلمين»، الذين غيبهم الموت، في السنوات الأخيرة، بعد أن طبعوا الساحة الفنية، لعل آخرهم محمود غينيا، أحد كبار «تكناويت»، الذي لقب بـ«معلم المعلمين»، والذي ولد بمدينة الصويرة سنة 1951، وهو من أصول سنغالية من جهة جد أمه، ومالية من جهة جد والده.
ويتفق المتتبعون لفن «كناوة» على أن مهرجان الصويرة يتميز بكونه «مختبراً للتجريب الموسيقي واستوديو مفتوح على الهواء»، حيث تتم دعوة الفنانين الموهوبين لالتقاء اندماجي مع معلمي «كناوة»، ليخلقوا معاً لحظات متميزة من الارتجال الموسيقى في أبهى حلله.
ومن بين الأسماء التي فرضت نفسها، وأكدت جدارتها، على مدى العقدين الماضيين، بشكل خاص، نجد عبد السلام عليكان، الذي يقوم بمهمة المدير الفني لمهرجان «كناوة»، وحميد القصري وعمر حياة وسعيد كويو ومحمد كويو وحسن يوسو ومصطفى باقبو وعبد الكبير مرشان وسعيد أوغسال وعزيز باقبو وعبد النبي الكداري وعلال السوداني ومختار غينيا.
ولأن المستقبل يبدو زاهياً أمام هذا اللون الموسيقي الذي يختصر العمق الأفريقي للمغرب في نغمة، فإن سؤال الخلف لا يدعو إلى كثير قلق، في ظل بروز مواهب يتنبأ لها العارفون بمستقبل كبير، بينها مهدي الناسولي وحسام غينيا. وكتب محمد الطوزي، تحت عنوان: «الصويرة الكناوية من شكوى المنفِي إلى النشيد الكوني»، أن مهرجان «كناوة» نشأ، سنة 1998، مُحدثاً تفرعاً معيناً ضمن السيناريو المستقبلي الذي اقترحه الباحثون للصويرة، قبل أن يقر بالحدس الخصب للباحث الأنثروبولوجي جورج لابساد، الذي «قام بمقابلات تقودنا، اليوم، إلى مظاهرة موسيقية من أروع المظاهرات في العالم؛ مظاهرة مؤسسة على شعارات التآلف، والحوار بين الثقافات، خصوصا إسلام آخر محلي ويومي يتحدى، من خلال دنيوة مسؤولة، التيارات الأصولية المهيمنة».
ويشير الطوزي إلى ما كتبه لابساد، بعد شروعه في إنجاز تشخيص حيوي لـ«مدينة الرياح»، فيكتب: «منذ سنة 1972 بدأ يحدث شيء جديد؛ إذ أصبحت الصويرة بوتقة ثقافة جديدة سنجد، فيما بعد، عناصرها... بعض (مْعلمي) الصويرة ليسوا على ما يبدو منحدرين من أصل سوداني. والتقينا شباناً ليسوا زنوجاً، في طور التكوين عند (مْعلم)، يهيئون (أطروحتهم التطبيقية في التكناويت)، حسب قولهم. إن (معلمي كناوة) الممارسين حالياً (1975) بالصويرة، هم شبان تتراوح أعمارهم بين خمس وعشرين وثلاثين سنة: علال، محمود، ومولاي عبد السلام. والرابع، الملقب (باكو) لم يعد يمارس كـ(معلم) كناوي منذ أن انضم إلى فرقة (ناس الغيوان)، التي بادرت بإطلاق الحركة الجديدة للموسيقى والأغنية المغربيتين».
منذ ذلك الحين، جاء المهرجان وخلَّف «لمْعلمين» الأربعة، عشرات «لمْعلمين»: عبد الكبير مرشان، عبد السلام عليكان، الإخوة باقبو، عزيز ومصطفى، أحمد العياشي، بوسو حميدة وحسن، حميد القصري، و«مْعلمين» آخرين لموسيقى «كناوة»، الذين يقيمون حفلات غنائية في أكبر المسارح العالمية، وتمكنوا من إبداع موسيقى جديدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».