قتال متنقل بين المنازل في أحياء الموصل القديمة

دمار في محيط مسجد النوري في الموصل (رويترز)
دمار في محيط مسجد النوري في الموصل (رويترز)
TT

قتال متنقل بين المنازل في أحياء الموصل القديمة

دمار في محيط مسجد النوري في الموصل (رويترز)
دمار في محيط مسجد النوري في الموصل (رويترز)

مع اقتراب القوات الأمنية العراقية من استعادة السيطرة على آخر معاقل «داعش» في مدينة الموصل، تشتد المعارك في أزقة المدينة القديمة حيث تخوض القوات المهاجمة معارك من منزل إلى منزل مستخدمة القنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة في قتال ضار مع من تبقى من مسلحي التنظيم، الذين تقدّر الجهات الرسمية العراقية أعدادهم بنحو 300 فقط، غالبيتهم من الأجانب والعرب غير العراقيين.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال مساء الاثنين إن «الوقت قريب جداً لإعلان النصر النهائي على عصابات (داعش) الإرهابية»، فيما قال الفريق رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية للتلفزيون الحكومي العراقي، إن القوات العراقية أمامها نحو 600 متر فقط للوصول إلى شارع الكورنيش المحاذي للضفة الغربية لنهر دجلة، مؤكداً أن قواته ستصل إلى شارع الكورنيش في غضون أيام قليلة وستحسم المعركة. وأضاف أن الشرطة الاتحادية طردت المسلحين من جامع الزيواني في جنوب غربي المدينة القديمة.
ويقول الملازم أول نعمان الربيعي، الضابط في قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي تقاتل وسط المدينة القديمة، لـ«الشرق الأوسط»: «تواصل قواتنا التقدم، لكن هناك مقاومة شرسة من مسلحي التنظيم الذين يتحصنون وسط كثافة سكانية كبيرة داخل الأزقة الضيقة... لكنهم سينتهون قريباً».
وتتقدم القوات العراقية حالياً داخل المدينة القديمة على ثلاثة محاور رئيسية مقسّمة بين الشرطة الاتحادية جنوباً، وقوات مكافحة الإرهاب غرباً، والجيش العراقي المتمثل في الفرقة المدرعة التاسعة والفرقة السادسة عشرة، اللتين تتقدمان من الجهة الشمالية والغربية، فيما تخوض قطعات فرقة الرد السريع معارك ضارية ضد «داعش» في حي الشفاء والمستشفى الجمهوري الواقع داخل الحي. وقالت مصادر مطلعة في قيادة عمليات «قادمون يا نينوى» إن هذه القوات ستلتقي قريباً في المدينة القديمة معلنة «النصر النهائي» على التنظيم الذي يعتبر الموصل معقله الأساسي في العراق.
وقال النقيب علي حسين الضابط في قوات الشرطة الاتحادية لـ«الشرق الأوسط»: «تتقدم قواتنا باتجاه الضفة الغربية لنهر دجلة وشارع الكورنيش. فخخ التنظيم جميع الطرق الرئيسية والفرعية والمباني، وهذا يعيق التقدم السريع، لكن فرق الهندسة العسكرية تواصل فتح الطرق والممرات، وسنكون خلال الأيام المقبلة في الكورنيش بعد القضاء على مسلحي هذه المنطقة».
وبعد انتهاء معارك تحرير مركز مدينة الموصل، ستتوجه القوات غرباً لتحرير قضاء تلعفر الذي تحاصره ميليشيات «الحشد الشعبي» منذ نحو سبعة أشهر وناحيتي المحلبية والعياضية ومئات القرى الأخرى التي ما زالت خاضعة لـ«داعش». وما زال يتحصن في المربع الأخير من الموصل نحو 300 مسلح من «داعش» يوصفون بأنهم من «الانغماسيين» (يرتدون أحزمة ناسفة ويفجرون أنفسهم أثناء المعارك)، مع وجود نحو مائة ألف مدني غالبيتهم من النساء والأطفال يتخذهم التنظيم دروعاً بشرية لمسلحيه. وتمكنت القوات في الأيام الماضية من فتح كثير من الممرات لخروج المدنيين الهاربين من المعارك ونقلهم إلى المناطق المحررة خلف جبهات القتال. وتشهد ساحات المعركة يومياً خروج المئات منهم الذين تظهر على وجوههم ملامح الخوف والجوع، فيما يشكّل المرضى والجرحى عدداً كبيراً منهم.
وتقول المواطنة عائشة حسام الدين التي وصلت أمس مع عائلتها قادمة من حي الفاروق في المدينة القديمة، لـ«الشرق الأوسط»: «توفي خلال الشهرين الماضيين كثيرون من جيراننا، دفنوا في حدائق منازلهم، لأننا لم نتمكن من الخروج (لدفنهم). فالتنظيم كان يحاصرنا ويقتل قناصته كل من يحاول الخروج، والقصف (من القوات العراقية وقوات التحالف) كان مستمراً». وتشير عائشة إلى أن رائحة الجثث المتفسخة تفوح في جميع أزقة الموصل القديمة، مبينة أن هناك عشرات الجثث تحت أنقاض المباني.
ويتحدث مدنيون هاربون من المعارك عن أن «داعش» حوّل أسطح المنازل إلى مواقع لقناصته الذين يُشكّل الروس والشيشانيون غالبيتهم، فيما فتح مسلحون البيوت المتلاصقة على بعضها للخروج والدخول والانتقال من موقع إلى آخر أثناء الاشتباكات من دون أن تكشفهم طائرات «الدرون» أو مروحيات الجيش العراقي.
في غضون ذلك، ذكر ضابط برتبة مقدم في الفرقة السادسة عشرة من الجيش العراقي لـ«الشرق الأوسط» أنه قد «حررت قواتنا (أمس) حي المشاهدة في المدينة القديمة بعد معارك استمرت أياماً، تمكنا خلالها من قتل أكثر من 40 مسلحاً من التنظيم وتدمير عدد كبير من آلياتهم وأسلحتهم. وحالياً تنفذ قواتنا عملية تمشيط واسعة للقضاء على من تبقى من مسلحي التنظيم في الحي».
وتزامناً مع استمرار المعارك، تجاوزت أعداد النازحين الموصليين 800 ألف نازح. وقال نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، نور الدين قبلان، لـ«الشرق الأوسط»: «وصلت أعداد النازحين الموصليين منذ انطلاق عمليات تحرير المدينة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن إلى 820 ألف نازح، وموجات النزوح مستمرة حيث ينزح يومياً من مناطق القتال مئات المدنيين»، لافتاً إلى أن النازحين يوزّعون على مخيمات النزوح المنتشرة في أطراف المدينة ومنهم من يختار العيش في المناطق المحررة من المدينة بجانبيها الأيسر والأيمن. وتوقع قبلان أن تحسم القوات العراقية معارك تحرير الجانب الأيمن من الموصل في مدة تتراوح ما بين 5 - 10 أيام، وبهذا يكون مركز محافظة نينوى قد حُرر بالكامل.


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».