هجمة عالمية لبرنامج فدية جديد تطال مؤسسات اقتصادية

«بيتيا» يطالب بدفع 300 دولار قبل فتح ملفات البيانات

صراف آلي عطله فيروس الفدية الجديد في أحد بنوك كييف أمس (رويترز)
صراف آلي عطله فيروس الفدية الجديد في أحد بنوك كييف أمس (رويترز)
TT

هجمة عالمية لبرنامج فدية جديد تطال مؤسسات اقتصادية

صراف آلي عطله فيروس الفدية الجديد في أحد بنوك كييف أمس (رويترز)
صراف آلي عطله فيروس الفدية الجديد في أحد بنوك كييف أمس (رويترز)

تعرضت عشرات المؤسسات والشركات الأوروبية، أمس، لهجمات متتابعة ببرنامج فدية جديد يسمى «بيتيا» Petya. وتأتي هذه الهجمات في أعقاب هجمات سابقة وجهها برنامج الفدية «واناكراي» الذي ضرب شهر مايو (أيار) الماضي مؤسسات كثيرة حول العالم، منها مستشفيات مؤسسة الصحة البريطانية العامة، ما أدى إلى شللها.
وتعتبر هذه الهجمة الإلكترونية خطيرة، لأن 10 من أصل 61 برنامجاً لمكافحة الفيروسات يمكنها فقط رصد البرنامج الضار قبل تمكنه من السيطرة على الكومبيوترات طلباً للفدية.
وتعرض عدد من المؤسسات الحكومية الأوكرانية إلى الاختراق، إضافة إلى شركات نفط روسية، وشركات أوروبية وهندية وبريطانية. وقالت شركة «روسنفت» الروسية النفطية العملاقة، إن كل كومبيوتراتها الخادمة تعرضت لما وصفته بأنه «هجمة اختراق قوية جداً».
إلا أن أوكرانيا كانت الأكثر تضرراً، إذ تعرضت النظم الإلكترونية للوزارات والمصارف ومنشآت الخدمات وشركات الاتصالات الهاتفية والشركات الكبرى للهجمات. وكتب بافلو روزنكو نائب رئيس الوزراء الأوكراني في تغريدة على «تويتر» أن «كل كومبيوترات الحكومة تأثرت». وأرسل صورة لشاشة كومبيوتر يظهر فيها تحذير باللغة الإنجليزية يقول: «أحد أقراصكم يحتوي على أخطاء... لا تطفئ الكومبيوتر. إن فعلت ذلك فستدمر كل البيانات».
وأعلن البنك المركزي الأوكراني في بيان أن الكثير من المصارف الأوكرانية تتعرض لاختراق معلوماتي عطل عملياتها. وأضاف أن «المصرف الوطني الأوكراني حذر البنوك من هجوم معلوماتي خارجي حدث اليوم على بعض مواقعها على الإنترنت»، أدى إلى «صعوبة في تقديم الخدمات للعملاء وإنجاز العمليات المصرفية». وتابع أن «البنية التحتية البنكية مؤمنة، وسيتم تفادي مزيد من الهجمات»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتأثر بالهجمات «أوسكادبانك»، أحد أكبر المصارف في أوكرانيا. وأعلنت شركة الكهرباء في كييف «ينيرجو» وشركة خدمات التوصيل الأوكرانية «نوفا بوشتا» تعرضهما لهجوم معلوماتي أمس.
وطالب التحذير بدفع 300 دولار لتحرير المستخدم من الهجمة الإلكترونية. وقالت شركة «غروب - آي بي» الروسية لحماية الإنترنت إن برنامج «بيتيا» وظف أمس لمهاجمة شركات النفط والاتصالات والبنوك في دول عدة. وأضافت أن نسق الهجوم مماثل لهجوم «واناكراي».
وتعرضت شركة الإعلان البريطانية «دبليو بي بي» ومجموعة «سنت - غوبين» الصناعية الفرنسية للهجمة الجديدة، وأعلنتا وضع برامج حماية لدرء فقدان البيانات من نظمهما الإلكترونية. كما تعرضت شركة الشحن الدنماركية العملاقة «إيه بي مولار ميرسك» للهجمات، وكذلك شركات إسبانية.
ولم يعرف أي شيء عن مصدر الهجمات، إلا أن الخبراء قالوا إن الهجمة عالمية مثل هجمة «واناكراي». ويقوم القراصنة بالاستحواذ على الكومبيوترات وطلب فدية مقابل إعادة فتح الملفات الحاوية للبيانات. وكان خبراء مالوا إلى اتهام كوريا الشمالية بأنها وراء هجمات «واناكراي» السابقة.
ويوظف برنامج «بيتيا» أيضا، مثله مثل برنامج «واناكراي»، البرامج التي سبقت سرقتها من وكالة الأمن الأميركية NSA لاستغلال الثغرات في نظم تشغيل الكومبيوترات للتسلل إليها.
وقال ميكو هيبونين رئيس الباحثين في شركة «إف - سيكيور» لأمن المعلومات في تغريدة له إن «برنامج بيتيا يستخدم برمجيات «إتيرنال بليو» من NSA. وأضاف: «يبدو أن هجمة واناكراي السابقة لم تكن كافية لإيقاظ الشركات والمؤسسات من سباتها». وتابع بأن «هناك تكهنات بأن النسخة الجديدة من برنامج بيتيا قد طورت على يد نفس القراصنة الذين وظفوا برنامج واناكراي... إلا أنه لم يمكن التأكد من ذلك».
وكان «بيتا» قد اخترق بعض النظم الإلكترونية العام الماضي. وقال مركز الأمن السيبراني الوطني البريطاني إنه «على علم بوجود هجمة عالمية ببرنامج الفدية وإنه يراقب الوضع عن كثب».
ومن الناحية التقنية يختلف «بيتيا»، الذي ربما يأتي اسمه كتصغير وتحبب من اسم بيوتر الروسي (بطرس)، عن برامج الفدية المشهورة الأخرى التي تقوم عادة بترميز الملفات الحاوية للبيانات واحدا بعد الآخر لمنع فتح المستخدمين لملفاتهم قبل دفع الفدية. وبدلا من ذلك فإنه يعمل على مرحلتين، الأولى لمنع المستخدمين من الدخول إلى كل منظومة ملفاتهم بالهجوم على بنية القرص الكومبيوتري الداخلية، إذ يقوم البرنامج أولا بكتابة رموز كومبيوترية خبيثة بداية القرص. وفي المرحلة الثانية وهي الأخطر من عمله، يقوم البرنامج يقوم البرنامج بإعادة تشغيل الكومبيوتر لكي يحكم سيطرته... ولذا على المستخدمين وقف عمل «إعادة التشغيل الأوتوماتيكي» لكومبيوتراتهم لمنع البرنامج من تنفيذ خطته.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».