توقيف أصالة نصري في مطار بيروت بتهمة حيازتها كوكايين

زوجها ينفي وفنانات يتضامنّ معها

برفقة زوجها طارق العريان على متن الطائرة التي غادرت فيها الأراضي اللبنانية - أصالة كما بدت في الصورة التي نشرتها على حسابها الإلكتروني «فيسبوك» فور مغادرتها بيروت
برفقة زوجها طارق العريان على متن الطائرة التي غادرت فيها الأراضي اللبنانية - أصالة كما بدت في الصورة التي نشرتها على حسابها الإلكتروني «فيسبوك» فور مغادرتها بيروت
TT

توقيف أصالة نصري في مطار بيروت بتهمة حيازتها كوكايين

برفقة زوجها طارق العريان على متن الطائرة التي غادرت فيها الأراضي اللبنانية - أصالة كما بدت في الصورة التي نشرتها على حسابها الإلكتروني «فيسبوك» فور مغادرتها بيروت
برفقة زوجها طارق العريان على متن الطائرة التي غادرت فيها الأراضي اللبنانية - أصالة كما بدت في الصورة التي نشرتها على حسابها الإلكتروني «فيسبوك» فور مغادرتها بيروت

لم يمر اليوم العالمي لمكافحة المخدرات (26 يونيو/ حزيران الحالي) في لبنان مرور الكرام، إذ شاءت الصدف أن يحمل معه حادثة توقيف الفنانة السورية أصالة نصري في مطار بيروت بتهمة حيازتها كمية من الكوكايين، الأمر الذي أثار قلق معارضين سوريين، كون نصري معروفة بمعارضتها لمواقف النظام.
وأفادت مندوبة الوكالة الوطنية للإعلام في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت حلا ماضي، بأن فصيلة التفتيشات في سرية قوى الأمن الداخلي في المطار، أوقفت الفنانة السورية أصالة نصري أثناء مرورها على نقطة التفتيش، بعد أن ضبطت بحوزتها نحو غرامين من مادة الكوكايين، موضوعة في علبة بلاستيكية صغيرة الحجم (علبة ماكياج). وعلى الفور تم تحويلها إلى الجهات المختصة، ومن ثم إلى مدعي عام جبل لبنان الذي حولها بدوره إلى القضاء المختص للبت بالقضية، وفق ما أوردت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية في بيان على موقعها الإلكتروني أمس.
يذكر أن القانون اللبناني أقل تشدداً مع متعاطي المخدرات، منه مع المتاجرين والمروجين. فالقضاء عادة ما يصدر قراراً بإطلاق سراح الموقوفين بتهم التعاطي أول مرة بسند إقامة.
وأشارت المعلومات إلى أن أصالة غادرت لبنان عند الثانية والربع من فجر أمس على متن رحلة للخطوط الجوية التركية، بحيث توجّهت إلى إسطنبول ومنها إلى القاهرة في أول رحلة إلى هناك.
من جانبه، صرح مصدر مقرب من الفنانة لـ«الشرق الأوسط» معلقاً على الأزمة الأخيرة: «الموضوع سخيف والمقصود به تشويه صورتها... الفنانة أصالة معروفة بسيرتها الطيبة في الوسط الفني، ومن أراد تصديق شيء سيصدقه، ومن يعقل الأمور سيرفض التصديق». ولم يوضح المصدر الإجراءات القانونية التي ستقوم أصالة أو أسرتها باتخاذها. فيما لم تجب الفنانة على هاتفها وقامت بتحويل المكالمات للبريد الصوتي.
وبينما أفرجت السلطات اللبنانية عن أصالة التي وصلت إلى القاهرة برفقة زوجها المخرج طارق العريان أمس قادمة من بيروت، إلا أن مصادر مقربة من أسرة المطربة في القاهرة أكدت أنها «سوف تخضع لتحقيق في القضية من قبل السلطات اللبنانية في وقت آخر».
من جانبه، نفى المخرج العريان زوج أصالة تعاطيها وإدمانها الكوكايين، وقال في تصريحات له إن ما وقع لأصالة من قبل سلطات الأمن في مطار بيروت «ملفق» وما نسب لزوجته «عار من الصحة»، رافضاً الإفصاح عن أي تفاصيل أخرى.
وانتظر المطربة عدد من أصدقائها بمطار القاهرة أمس، وكان لافتاً خروجها من صالة الوصول الدولي العادية، بخلاف ما هو متعارف عليه لدى الوسط الفني، حيث يتم الحجز لهم مسبقاً في صالة الخدمة المميزة التي يتم تحصيل الرسوم عليها لإنهاء الإجراءات.
وذكر مصدر أمني بمطار القاهرة أن «أصالة خضعت لجميع إجراءات التفتيش المتبعة، وما يتضمنه ذلك من تعقيم للأمتعة، فضلاً عن مراجعة وثائق السفر الخاصة بها للسماح لها بدخول البلاد»، مضيفاً: «الفنانة خضعت أيضاً للفحص الأمني المتبع على جميع الركاب العائدين من الخارج، ليتبين عدم طلبها على ذمة أي قضية، بالإضافة إلى عدم إدراج اسمها على قوائم الترقب أو الوصول لدى الجهات المعنية بالإدراج».
المصادر المقربة من أسرة المطربة أكدت أن بعض الشخصيات اللبنانية الكبيرة تدخلت بنفسها لإنهاء مسألة أزمة النجمة أصالة في مطار بيروت، لتأكدهم من أن الأمر مُعد مسبقاً، خصوصاً بعد أن تم توقيف أصالة بناء على بلاغ أمني، وهو ما يعني أن المسألة إلى حد كبير تم الترتيب لها.
إلى ذلك، نشرت الفنانة السورية صورتين لها وهي على متن الطائرة عبر حسابها الخاص على موقع «فيسبوك»؛ في واحدة منها يظهر إلى جانبها زوجها طارق العريان الذي كان يرافقها في مشوارها إلى بيروت لمناسبة مشاركتها في حفل إفطار أقامته شركة «ايغل فيلمز» في «فندق فينيسيا» كونها أدّت إحدى شارات أعمالها الإنتاجية في موسم رمضان (لا تطفئ الشمس). وعلّقت أصالة على صورتها التي تظهر فيها وحدها داخل الطائرة تقول: «الحمد الله»، فيما كتبت على الصورة الثانية (مع زوجها): «الله يخلّيكم بحياتي».
ونحو الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت بيروت أمس، نشر على صفحة أصالة على موقع «فيسبوك» دعوة لجمهورها للاستماع إلى أغنية جديدة لها بعنوان «أبشر وتمّ» عبر قناتها الرسمية «يوتيوب»، في إشارة منها إلى أنها مستمرة بحياتها الطبيعية على الرغم من كلّ شيء.
وخيم الخبر على الوسط الفني العربي والمصري، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر الليلة قبل الماضية وسط صدمة كبيرة من عشاق المطربة أصالة.
وبمجرد أن انتشر خبر احتجاز أصالة في مطار بيروت، لم تتوقف «بوستات» وتعليقات على موقعي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» من عدد كبير من الفنانين وغير الفنانين لدعم أصالة... فقالت المطربة أنغام إن «الكبار دائماً يمتحنهم الله وأصالة كبيرة»، مضيفة عبر حسابها على «تويتر»: «روحي عندك يا أختي وقلبي بيدعيلك».
وكتبت المطربة أحلام: «أنت رمز وجبل شامخ ما يهزك ريح». وعلقت الفنانة السورية كندة علوش: «أصالة حبيبتنا الغالية بألف خير وقريباً جداً بين أهلها وأحبابها في القاهرة... الله يحميك ويكون معك على طول حبيبتي».
أما المطربة لطيفة فقد نشرت صورة تجمعها بالفنانة أصالة عبر صفحتها على موقع «تويتر» تعرب فيها عن حزنها لما تتعرض له أصالة بعد إلقاء القبض عليها، معلقة: «حبيبتي أصالة... كلنا بنحبك وأنت أقوى وأكبر من كل المحن، وإن شاء الله تعدي هالمشكلة على خير ومستنيينك ترجعي لبيتك وعيلتك وجمهورك».
ووجهت النجمة منى زكي رسالة تأييد ومساندة للفنانة أصالة، وكتبت منى على صفحتها الشخصية بـ«تويتر» تعليقاً: «أصالة بنحبك أوي والناس اللي بتحب الأذية ربنا ينتقم منهم... إنت أكبر بكثير من الحاقدين وجمهورك عارف كويس أوي مين أصالة، توصلي بألف سلامة». وعلق الكاتب السوري محيي الدين لاذقاني مدافعاً عن أصالة على صفحته على موقع «فيسبوك»، قائلاً: «توريط أصالة بقضية مخدرات في مطار بيروت تحمل بصمات المخابرات السورية وأمن حزب الله، فالكل يعرف أن مطار رفيق الحريري تحت سيطرته بالكامل منذ عدة سنوات ولا سيطرة للأمن اللبناني عليه، ومن دبر لها هذه المكيدة يريد الانتقام من مواقفها مع الثورة وضد العصابة الحاكمة». وتباينت ردود فعل جمهورها خصوصاً بعد النجاح الذي حققته من خلال مشاركتها بعدد من الأغنيات التي بثت في شهر رمضان، سواء تتر مسلسل «لا تطفئ الشمس» أو مشاركتها في إعلان مستشفى لعلاج السرطان بالمجان، أو أغنية تبث الحماس في إعلان لإحدى شركات الاتصالات.
ومن المعروف أن أصالة نصري تواجه هجوماً عنيفاً من قبل أنصار النظام السوري وبشار الأسد لوقوفها إلى صف المعارضة ودعمهم، ويذكر أن أصالة، في وقت مبكر من الاحتجاجات عام 2011، قالت: «حتى لو اضطهد النظام شخصاً واحداً من ألف، علينا نحن الفنانين أن نصطف مع الشعب».
وكانت الفنانة قد تعرضت لأزمة مماثلة أدت لسحب جواز سفرها قبيل مشاركتها في حفل ختام برنامج «ستار أكاديمي» عام 2013، وصرحت بذلك على المسرح وتغنت لبيروت، وكان ذلك بناء على مذكرة الإنتربول الصادرة بحقها، قبل أن تعيده إليها بعد 5 أيام، بمساعدة وزير العدل اللبناني حينها أشرف ريفي، ووزير الداخلية نهاد المشنوق.
وأعادت الأجهزة الأمنية الجواز بعدما تبين أن قرار الملاحقة في حق أصالة صادر عن السلطات السورية لأسباب سياسية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)