الفقر في العالم سيتراجع إلى النصف لو أكمل البالغون تعليمهم الثانوي

المدرسة يمكن أن تنقذ 60 مليون شخص حسب وثيقة لمعهد «اليونيسكو» للإحصاء

لا بد من المدرسة ولو في العراء
لا بد من المدرسة ولو في العراء
TT

الفقر في العالم سيتراجع إلى النصف لو أكمل البالغون تعليمهم الثانوي

لا بد من المدرسة ولو في العراء
لا بد من المدرسة ولو في العراء

تشير وثيقة توجيهية نشرت «اليونيسكو» ملخصاً لها، أمس، أنه بالإمكان خفض معدل الفقر في العالم إلى أكثر من النصف إذا أكمل جميع البالغين دراستهم الثانوية. لكن بعض البيانات الجديدة الصادرة عن معهد الإحصاء التابع للمنظمة الدولية، كشفت استمرار ظاهرة التسرب من الدراسة في الكثير من البلدان، الأمر الذي يرجح أنّ مستويات إنجاز التعليم ستظل أقل بكثير من الهدف المنشود للأجيال القادمة.
عنوان الوثيقة: «الحد من الفقر في العالم من خلال التعليم»، ومن المنتظر أن تصدر قبل انعقاد المنتدى السياسي رفيع المستوى للأمم المتحدة 10 - 19 يوليو (تموز)، الذي سيركز على القضاء على الفقر تنفيذاً لخطة التنمية المستدامة لعام 2030. كما تبين الوثيقة أهمية الاعتراف بالتعليم الابتدائي والثانوي كأداة أساسية لاستئصال الفقر بكافة أشكاله، في كل مكان.
وقالت المديرة العامة لـ«ليونيسكو»، إيرينا بوكوفا: «إن التحليل الجديد للفوائد بعيدة المدى في مجال التعليم، الذي أوضحته الوثيقة، هو خبر سار لجميع العاملين على تحقيق القضاء على الفقر كهدف من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030». وأضافت أنّ ذلك يدل على أنّ وجود خطة ملموسة تضمن ألا يكون الناس بعد الآن مرغمين على العيش بدخل لا يتجاوز عدة دولارات في اليوم، وأنّ التعليم هو في صميم هذه الخطة.
يبين التحليل الجديد لأثر التعليم في الفقر، أن بإمكان 60 مليون شخص التخلص من الفقر إذا أكمل جميع البالغين سنتين إضافيتين من الدراسة فحسب. أمّا إذا أتموا تعليمهم الثانوي، أمكن إبعاد شبح الفقر عن 420 مليون شخص، الأمر الذي يقلص العدد الإجمالي للفقراء إلى أكثر من النصف على الصعيد العالمي، وبنحو الثلثين في أفريقيا- جنوب الصحراء الكبرى، وفي جنوب آسيا. ومن الطبيعي أن تكون للتعليم نتائج مباشرة وغير مباشرة على الفقر، إذ يوفر المهارات التي تعزز فرص العمل والدخل وتساعد في حماية الناس من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية. ومن المرجح أن يؤدي انتشار التعليم على نحو أكثر إنصافاً إلى الحد من اختلال المساواة، وينتشل في الوقت ذاته أشد الناس فقراً من الدرك الأسفل.
وعلى الرغم من إمكانات التعليم، تظهر البيانات الجديدة لمعهد «اليونيسكو» للإحصاء أنّ الدول الفقيرة لم تحرز تقدماً يذكر في تخفيض معدلات ترك المدرسة في السنوات الأخيرة. وعلى الصعيد العالمي، لا يزال 9 في المائة من مجموع الأطفال في سن التعليم الابتدائي محرومين من حقهم في التعليم. وهي نسبة تبلغ 16 في المائة و37 في المائة من الشباب في سن التعليم الأدنى والثانوي، على التوالي. وفي المجموع، لم يلتحق 264 مليوناً من الأطفال والمراهقين والشباب بالمدرسة في عام 2015.
ولا تزال مناطق الصحراء الكبرى، جنوب أفريقيا، المنطقة التي تشهد أعلى معدلات ترك المدرسة لجميع الفئات العمريّة، إذ أنّ أكثر من نصف مجموع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة، غير ملتحقين بالمدارس، وكذلك الأمر بالنسبة لأكثر من ثلث المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة، وخمس الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 سنة. وهناك 6 بلدان تضم وحدها أكثر من ثلث مجموع الأطفال في العالم من غير الملتحقين بالدراسة، وهي: إثيوبيا وإندونيسيا وباكستان والسودان ونيجيريا والهند. ومن أصل 61 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي وغير ملتحقين بالمدارس حالياً، هناك 17 مليون طفلاً لن يطأوا أبداً فصلاً درآسيا إذا استمر الوضع كما هو عليه. ويشمل ذلك طفلاً من كل ثلاثة أطفال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وغرب آسيا وشمال أفريقيا، وأكثر من طفل من كل أربعة أطفال في آسيا الوسطى وجنوب آسيا. وفي البلدان الفقيرة، لا تزال عقبات شديدة تحول بين الفتيات والتعليم بوجه خاص. ووفقا لبيانات معهد «اليونيسكو» للإحصاء، ثمة أكثر من 11 مليون فتاة في سن التعليم الابتدائي غير ملتحقات بالمدرسة، في البلدان المنخفضة الدخل، وذلك مقارنة بما يقرب من 9 ملايين من الفتيان. والخبر السار هو أن الفتيات اللواتي يتمكنّ من الدخول إلى المدرسة يملن إلی إکمال المرحلة الابتدائية ومواصلة دراستهن في المرحلة الثانوية.
وهذه الوثيقة، إذ تدعو البلدان إلى تحسين نوعية التعليم، فإنها تشدد على ضرورة خفض تكاليفه على الأسر. وتؤكد البيانات الجديدة لمعهد اليونيسكو للإحصاء أنّ الكثير من الأسر المعيشية لا تزال تتحمل نفقات ذات صلة بالتعليم يبلغ مجموعها 87 دولاراً لكل طفل في التعليم الابتدائي في غانا و151 دولاراً في كوت ديفوار و680 دولاراً في السلفادور.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».