خروج بريطانيا يفرض اليوم نفسه على قمة بروكسل الصيفية

خروج بريطانيا يفرض اليوم نفسه على قمة بروكسل الصيفية
TT

خروج بريطانيا يفرض اليوم نفسه على قمة بروكسل الصيفية

خروج بريطانيا يفرض اليوم نفسه على قمة بروكسل الصيفية

تنطلق القمة الأوروبية، المعروفة بالقمة الصيفية، اليوم (الخميس)، وسط توقعات بأن يفرض ملف تطورات خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد على أعمالها التي تأتي بالتزامن مع انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات بين لندن وبروكسل، والتي بدأت الاثنين ومن المتوقع أن تستمر حتى مارس (آذار) 2019 تنفيذا للمادة 50 من اتفاقية لشبونة.
وجرى الاتفاق في اليوم الأول من المفاوضات على عقد جولات لتحقيق أفضل النتائج التي تراعي حقوق المواطنين من الجانبين. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» توقع البلجيكي فيليب لامبرتس، زعيم كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، أن تكون المفاوضات صعبة، وفي الوقت نفسه دعا إلى ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة في المستقبل، وأن يحدث هذا الأمر من الطرفين. وأوضح يقول: «يجب أن نتجنب أي إجراءات عدائية من أي طرف لأن حدوث أي هزات مالية أو اقتصادية لن نكون سعداء من هذا الأمر، وأتمنى أن تجد المفاوضات حلولا لكل النقاط العالقة».
وقال دونالد توسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي في رسالة لقادة دول الاتحاد عشية القمة «من الإنصاف أن نقول إننا سنجتمع في سياق سياسي مختلف عن السياق الذي كانت عليه قبل بضعة أشهر عندما كانت القوى المناهضة للاتحاد في تزايد، ولكن التطورات الراهنة في القارة تشير إلى أنها تتحول ببطء إلى التراجع، وبدأت بالفعل في بعض البلدان تراجع الأحزاب السياسية التي استمدت قوتها من اللعب على مشاعر معادية للاتحاد، ويمكنني القول إننا نشهد عودة الاتحاد الأوروبي على أنه الحل وليس المشكلة، ولكن من المفارقات أن التحديات الصعبة التي شهدتها الأشهر الأخيرة جعلتنا أكثر اتحادا من ذي قبل».
وخاطب توسك القادة قائلا، بفضل تصميمكم «حافظنا على هذه الوحدة، وأشكركم ولكن أطلب منكم المزيد لأن وحدتنا هي السبب الذي يجعلنا في مكان أفضل بكثير اليوم مع التفاؤل في المستقبل». وحذر توسك من الرضاء التام أو الوقوع في السذاجة «بل يجب أن نثبت للشعوب الأوروبية القدرة على استعادة السيطرة على الأحداث التي تطغى وأحيانا تكون مرعبة».
وأشار توسك إلى الاتفاق الذي توصل إليه القادة في العام الماضي على حماية الشعوب الأوروبية من التهديدات الأمنية والهجرة غير الشرعية والعولمة غير المنضبطة «ولا بد من مواصلة العمل في هذا الاتجاه وتقييم سياساتنا في المجالات الثلاثة».
وفي حين توافقت لندن وبروكسل على الأولويات والجدول الزمني للمفاوضات، فمن وجهة نظر البعض من المراقبين يبدو مستقبل العلاقات التجارية بين جاري المانش الموضوع الأكثر حساسية وتعقيداً. المفاوض البريطاني ديفد ديفز شرح رغبة بريطانيا في الخروج من السوق الأوروبية الموحدة. وقال ديفز في المؤتمر الصحافي النهائي بعد انتهاء أول أيام المفاوضات: لأن العضوية في السوق الموحدة تتطلّب الخضوع للشروط الكاملة نريد استعادة التحكّم بالقوانين في المملكة المتحدة وبحدودنا أيضاً. وبدوره، أكد كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، رغبة بروكسل في الحفاظ على علاقة جيدة مع الجار البريطاني. وقال بارنييه: المملكة المتحدة لن تتمتع بالحقوق والفوائد التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الاتحاد. مع ذلك أنا مقتنع بأن إيجاد شراكة جديدة بين الدول السبع والعشرين والمملكة المتحدة هو من مصلحة الجميع. أنا مقتنع كذلك بأن هذه الشراكة قد تساهم في الاستقرار الدائم لقارتنا. البلاد السبعة والعشرون والمؤسسات الأوروبية، كلّنا متحدون من أجل هذه المفاوضات».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟