أوروبا تعقد اتفاقاً تجارياً مع كوبا... آخر نقاط أميركا اللاتينية «العصية»

يطرح للتصويت النهائي في يوليو

أوروبا تعقد اتفاقاً تجارياً مع كوبا... آخر نقاط أميركا اللاتينية «العصية»
TT

أوروبا تعقد اتفاقاً تجارياً مع كوبا... آخر نقاط أميركا اللاتينية «العصية»

أوروبا تعقد اتفاقاً تجارياً مع كوبا... آخر نقاط أميركا اللاتينية «العصية»

قال البرلمان الأوروبي في بروكسل، عقب التصويت لصالح أول اتفاق للتعاون بين كوبا والاتحاد الأوروبي، إن الاتفاق يشكل تغييراً كبيراً في العلاقات الثنائية، ولكن ينبغي تحسين ملف حقوق الإنسان في كوبا.
وصوت أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي أمس الثلاثاء على اتفاقية التعاون، وهي الأولى من نوعها بين بروكسل وهافانا، وجاءت الموافقة بأغلبية 57 صوتاً مقابل 9 أصوات، وامتناع عضوين عن التصويت. وقالت إيلينا فالنسيانو من كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان، إن تصويت البرلمان يعني أن المؤسسة التشريعية تعطي دعمها لاستخدام الحوار والتعاون مع كوبا، كأفضل وسيلة للمضي قدماً على طريق بناء علاقة مستقبلية تعود بالنفع على المواطنين على ضفتي الأطلسي.
ومن المقرر أن يطرح الاتفاق للتصويت النهائي في جلسة عامة للبرلمان في يوليو (تموز) القادم، حتى تدخل حيز التنفيذ، بعد أن وقعت عليها فيدريكا موغيرني، منسقة السياسة الخارجية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بحسب ما ذكر بيان للبرلمان الأوروبي، وحصلنا على نسخة منه.
واتفاقية الحوار السياسي والتعاون (Pdca) بين الطرفين، ستعمل على توسيع التجارة على المستوى الثنائي، وتعزيز الحوار والتعاون الاقتصادي، وإطلاق آلية العمل المشترك في المنظمات الدولية المتعددة الأطراف. ولقد انطلقت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والجزيرة الكاريبية في شهر أبريل (نيسان) 2014، والاتفاق سيشكل «نقطة تحول في العلاقات الثنائية بين الجانبين»، حسبما يرى أعضاء الجهاز التشريعي الأوروبي، الذي يطالبون بـ«رفع الحصار الاقتصادي» من طرف الولايات المتحدة الأميركية ضد كوبا لما له من «تأثير كبير» على حياة المواطنين في كوبا.
ويعتبر أعضاء البرلمان الأوروبي، أن بوسع الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وكوبا «المساعدة على تحسين الظروف المعيشية والحقوق الاجتماعية» للمواطنين الكوبيين. يشار إلى أن الاتفاق يتضمن بنداً ينص على تعليقه في حالة وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في كوبا.
ويذكر أنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبعد أسبوعين فقط من رحيل الزعيم فيدل كاسترو، جرى التوقيع على الاتفاق بين الجانبين في بروكسل على هامش اجتماعات وزراء خارجية دول الاتحاد، وبحضور وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز باريا، وكانت بلاده هي الدولة الوحيدة في أميركا اللاتينية التي لم توقع على مثل هذا الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، والذي يشمل قضايا مثل التجارة وحقوق الإنسان والهجرة.
واتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على إلغاء سياسة وضعت عام 1996 تحتوي على شروط تتعلق بحقوق الإنسان، وقال وزير خارجية كوبا إن «الروابط الاقتصادية مع أوروبا ستبقى أولوية بالنسبة لكوبا فيما نبني اقتصادا اشتراكيا».
ووجه تحية إلى موغيريني، مستذكرا خطابا للزعيم الراحل فيدل كاسترو عام 2003، الذي أشاد فيه «أبو الثورة الكوبية» بوجود الاتحاد الأوروبي واليورو باعتبارهما «ثقلا موازنا» أمام «الهيمنة المطلقة» للولايات المتحدة والدولار. ويأتي تطبيع العلاقات هذا في إطار التقارب مع هافانا، الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما وأنهى في يوليو (تموز) 2015 ستين عاما من العداء بين البلدين. وقام بعد ذلك بزيارة تاريخية إلى كوبا في مارس (آذار) 2016... وفي عام 2003 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كوبا، وعلق تعاونه معها، إثر قمع صحافيين وناشطين، واستمر ذلك حتى عام 2008 حين استؤنفت المفاوضات مجددا.
«لا تأثير لانتخاب ترمب»، هكذا قال وقتها وزير خارجية كوبا، وأضاف: «كانت لدينا خلافات قليلة، لكن إزالة الموقف المشترك (البند المتعلق بحقوق الإنسان) يعيد العلاقات الطبيعية على أساس التبادل المشترك». ورداً على سؤال حول تأثير انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، لفت إلى أنه رغم تخفيف التوتر بين البلدين، فإن واشنطن أبقت حظرها الاقتصادي على كوبا قائما. وأضاف أن «العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وكوبا لا تمر عبر واشنطن».



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.