لبنان: ثغرات قانون الانتخاب «نقاط قوة» لأحزاب السلطة

من توزيع الدوائر والصوت التفضيلي إلى اللائحة غير المكتملة والإنفاق

رئيس الوزراء سعد الحريري التقى أمس وفداً من الجيش في قصر الحكومة وسط بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الوزراء سعد الحريري التقى أمس وفداً من الجيش في قصر الحكومة وسط بيروت (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: ثغرات قانون الانتخاب «نقاط قوة» لأحزاب السلطة

رئيس الوزراء سعد الحريري التقى أمس وفداً من الجيش في قصر الحكومة وسط بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الوزراء سعد الحريري التقى أمس وفداً من الجيش في قصر الحكومة وسط بيروت (دالاتي ونهرا)

بانتظار بدء الحملات الانتخابية وما قد تحمله من تحالفات سياسية من شأنها أن تحسم خريطة البرلمان اللبناني، يرى متخصصون وخبراء أن صيغة القانون الذي أقرّ الأسبوع الماضي ستساهم إلى حد كبير في رسم النتائج بشكل مسبق، ويرى البعض أن الثغرات التي تشوب هذا القانون أتت لتشكّل «نقاط قوّة» تناسب مصالح أحزاب السلطة السياسية والانتخابية.
ويؤكد وزير الداخلية السابق مروان شربل الذي كان من وضع اقتراح القانون، في ولاية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 والذي اعتمد في وضع القانون الجديد أن «بنودا أساسية في القانون تكاد تحسم النتائج بشكل مسبق لصالح أحزاب معينة في بعض المناطق»، مشيرا في الوقت عينه إلى أن «الصوت التفضيلي» سيخلف انشقاقات بين الأحزاب المتحالفة وقد تؤدي إلى انفصال بعضها لا سيما في المناطق التي سيكون فيها التنافس مقتصرا عليها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في المشروع الذي عملنا عليه كنا اعتمدنا الصوتين التفضيليين بعد دراسة عدّة صيغ، حيث تبيّن أن (الصوتين) هو الخيار الأقل سلبية، ويعطي حرية للناخب ضمن الدائرة»، بينما هم اعتمدوا «الصوت الواحد» ليفرضوا بذلك على الناخب مرة الخيار وفق لائحة كاملة ومرة أخرى عبر اختيار المرشح المفضل ضمن القضاء وليس الدائرة».
من جهته، يلفت علي مراد، أستاذ القانون الدولي وعضو الهيئة الإدارية في «الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات (لادي)»، إلى أن «ثغرات عدّة تشوب هذا القانون الذي فصّل على قياس أحزب السلطة، وسيعتمد في الانتخابات المقررة في شهر مايو (أيار) المقبل. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من الصوت التفضيلي إلى اللائحة غير المكتملة إضافة إلى الإنفاق الانتخابي وتوزيع الدوائر الذي لم يأت بناء على معايير محددة وواحدة، ستساهم في التأثير على نتائج الانتخابات». ويوضح: «لجوء السلطة إلى الصوت التفضيلي وفق الكوتة الطائفية والقضاء، ليختار الناخب عبره المرشّح المفضّل بالنسبة إليه، هو دليل على ضعفها وعدم قدرتها على ترتيب المرشحين فيما بين أحزابها على اللوائح».
ويلفت شربل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأحزاب ستجد في عدم التحالف خيارا أفضل لها في بعض المناطق عبر تقديمها لوائح خاصة بكل حزب نتيجة الصراع الذي قد ينتج عن «الصوت التفضيلي»، بينما ستّتحد إذا كانت ستواجه خصوما في مناطق أخرى، ويعطي مثالا على ذلك، المناطق التي يتقاسم فيها «حزب الله» و«حركة أمل» النفوذ، بحيث قد يشكلان لوائح منفصلة لضمان فوز رئيس لائحة كل منهما... «كما أن أكثر الأمور سوءا في الصوت التفضيلي هو أن رئيس الحزب يحصل على أكبر نسبة من الأصوات بفارق كبير عن المرشحين الآخرين». مضيفا: «كذلك فإن إضافة مرشح من لائحة خاسرة لملء الفراغ في اللائحة الفائزة كما نص القانون الجديد، أمر غير دستوري، انطلاقا من أن الدستور يؤكد أن السلطة منبثقة من الشعب ولا يحق أن يصل نائب إلى البرلمان لم يحصل على ثقة هذا الشعب».
وكانت «لادي» قد عدّت أن الصوت التفضيلي في القضاء وليس الدائرة الانتخابية يعيد المنافسة إلى المربع الطائفي المناطقي، كما يزيد من حدّة الزبائنيّة السياسيّة ويرفع حدة الخطاب الطائفي. ورأت أن طريقة احتساب الأصوات عبر دمج اللوائح وترتيب المرشحين من خلال عدد الأصوات التفضيلية التي حصلوا عليها، تساهم في تحويل الانتخابات إلى معارك فردية بين المرشحين عوضاً عن معركة على البرنامج الانتخابي للّوائح المتنافسة، وتعطي الأولوية للمرشح على حساب لائحته.
ويؤكد كل من شربل ومراد على أن طريقة توزيع الدوائر بعيدا عن أي معيار موحد وضعت في معظمها لهدف واحد هو ضمان أحزاب معينة في كل دائرة. وفي حين يؤكد شربل على أن التفاوت في عدد النواب بين الدوائر كبير وغير منطقي، يعطي مراد مثالا على الخلل في توزيع الدوائر؛ دمج أقضية الشمال بعضها مع بعض يهدف إلى ضمان فوز الثنائية المسيحية (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) وهو ما حصل عبر جمع صيدا وجزين في دائرة واحدة، والشوف وعالية في دائرة واحدة أيضا، لتكون النتائج في الأولى من مصلحة «تيار المستقبل» وفي الثانية من مصلحة النائب وليد جنبلاط، بينما أعادوا العاصمة بيروت إلى تقسيم الحرب بين «بيروت الشرقية» حيث الغالبية للمسيحيين، و«بيروت الغربية» حيث معظم المقترعين من المسلمين. ولفتت «لادي» إلى أن توزيع عدد المقاعد في مختلف الدوائر بين 5 و13 مقعداً مع كوتة مذهبيّة ومناطقيّة وفقاً لكوتة المقاعد في 15 دائرة، يضعف كثيراً من مفعول النسبيّة ويحوّلها إلى نظام أكثري مبطّن.
وفي حين رأى شربل أن الرشى قد تتراجع في القانون النسبي انطلاقا من أن كل مرشّح سيعمل وفق قاعدة «أنا أو لا أحد»، وبالتالي الدفع لن يكون لدعم لائحة كاملة، عدّت «لادي» أن تحديد سقف مرتفع للإنفاق الانتخابي قد يصل إلى ملايين الدولارات في بعض الأحيان، كما أن كيفية احتساب سقف الإنفاق للوائح غير واضح في صيغة القانون الحالية وبحاجة إلى توضيح، وأوضحت أن الإنفاق الذي هو عبارة عن قسم ثابت وقدره 150 مليون ليرة لبنانية (مائة ألف دولار أميركي) لكل مرشح وليس لكل لائحة، إضافة إلى قسم متحرك هو 5 آلاف ليرة لبنانية (نحو 3 دولارات) مضروبة بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية (لكل مرشح أيضا وليس لكل لائحة)، يعد سقفا عاليا جداً ويؤثّر على شفافيّة الانتخابات، خصوصا أن الدوائر حاليا أكبر من دوائر قانون الانتخابات السابق.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.