عدد كبير من المسلسلات (تشعبطت) هذا العام في قطار الكوميديا إلا أنها تساقطت سريعا على القضبان، ولم تسفر الحصيلة عن ضحكات إلا في القليل النادر. ارتبط شهر رمضان قبل بداية البث التلفزيوني في كثير من الدول العربية بأنه شهر الكوميديا والضحك، حيث كانت الملايين تضبط حتى مع بزوغ التلفزيون في الستينات وحتى الثمانينات آذانها وجدول حياتها على المسلسل الإذاعي الكوميدي الذي صار مثل طبق الشوربة الساخن بعد مدفع الإفطار.
كان المسلسل الإذاعي يرتبط دائما بفنان كوميدي قادر على زرع ضحكات صافية في قلوب الجمهور، وهكذا تألقت أسماء من كبار نجوم الضحك، في ذلك الزمن مثل فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي ومحمد عوض، وغيرهم، وكانت هناك ثنائية جمعت بين فؤاد المهندس وشويكار، لتنافس ثنائيا آخر جمع بين صفاء أبو السعود ومحمد رضا الذي ارتبط بأداء شخصية المعلم رضا. وفي مرحلة موازية كان للتلفزيون حضوره الكوميدي التي تمثلت أيضا مع انطلاقه من خلال فوازير «ثلاثي أضواء المسرح» الذين قدمهم المخرج محمد سالم في كوميديا ارتجالية تعتمد على قدرة الثلاثي، جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد، على انتزاع الضحك والغناء الإيقاعي. وبعد رحيل الضيف استمر جورج وسمير معا يقدمان الفوازير التي باتت حلويات رمضانية محببة للمشاهدين، ثم بدأت مرحلة دخول الألوان في التلفزيون وبداية التعرف على تقنيات المونتاج الحديثة. في منتصف سبعينات القرن الماضي، وتصدر المشهد المخرج فهمي عبد الحميد بفوازير نيلي ثم أعقبها «فطوطة» التي لعب بطولتها سمير غانم ثم شريهان وتعددت الأنواع في الفوازير مع تعدد الكتاب ولكن ظلت الكوميديا هي المسيطرة، فكان هناك مزيج مقنن من الموسيقى والرقص والضحك، وهذا لم يمنع من أن نرى أيضا ضمن جرعة الكوميديا مسلسلا كوميديا بعد مدفع الإفطار مباشرة بطولة نجم كوميدي مثل سعيد صالح أو يحيى الفخراني أو يونس شلبي. وهكذا صار شهر رمضان في الذاكرة الجماعية مرادفا للكوميديا، ناهيك عما كان يقدمه فؤاد المهندس قبل الإفطار مسلسل «عمو فؤاد» وبعده أكمل المسيرة عبد المنعم مدبولي «جدو عبده». محمد صبحي هو من أكثر فناني الكوميديا الذين قدموا سلاسل من الأعمال الكوميدية التي تتوالى في كل رمضان باسم البطل «سنبل» (6 أجزاء) ثم أعقبها «ونيس» (8 أجزاء). ومع كل رمضان يزداد الترقب للضحكة التي ترشق في قلوب الناس، كان المسلسل الاجتماعي الذي ينحو للمرح في معالجته الدرامية له أيضا جمهوره.
في السنوات العشر الأخيرة ظهر ما يعرف بمسلسلات «السيت كوم»، والمقصود بها المواقف الكوميدية، وكان المجموع يصل أحيانا إلى 15 أو 20 مسلسلا «سيت كوم» في السنة، وكان من أشهرها «راجل وست ستات» و«تامر وشوقية» وغيرهما ولكنها مع الزمن توقفت أيضا تلك النوعيات بعد أن استنفدت أغراضها فالبعض اعتبرها أقرب للاسكتش السريع وكان يتم تسجيل ضحكات صاخبة مصاحبة لعرض المسلسل من أجل أن ينتقل الضحك للجمهور ولكن دون جدوى.
في السنوات الأخيرة ابتعد صبحي وتضاءلت مساحات جيل الكوميديا القديم ولم يعد أمام المسؤولين سوى الدفع بهذا الجيل خاصة مجموعة جديدة ارتبطت بـ«مسرح مصر» الذي تولى رعايته الممثل الكوميدي أشرف عبد الباقي. إلا أن الخط البياني للضحك في تراجع ليس فقط هذا العام، ولكن الانهيار شاهدناه في السنوات الخمس الأخيرة، وإن كان هذا العام وصل للذروة في الانحدار. لدينا نحو أربعة أو خمسة مسلسلات ترفع شعار الكوميديا ولكن نصيبها من الضحك قليل بل يكاد يكون معدوما. لست أدري من الذي حطم الخيط الفاصل بين الكوميديا والتهريج، لقد شاهدنا سيلا منهمرا من أعمال وصفها صانعوها بأنها الضحك للضحك، ليس لدي مانع لقد قال المطرب العالمي بوب ديلان الحاصل على نوبل مؤخرا في محاضرته التي واكبت حصوله عل الجائزة، إنه لا يقدم هدفا في أغانيه، ولكنه يحرص على المتعة، وأنا أوافق الفنان الكبير المتوج كشاعر بنوبل على شرط توفر المتعة. ولكننا من خلال ما رأيته حتى الآن لا يوجد شيء له علاقة حتى بالضحك للضحك، لم تُسفر هذه المسلسلات عن قهقهة أو ضحكة ولو عابرة.
دعونا نبدأ بالموهوبة اللهلوبة دُنيا سمير غانم، كان لدنيا مسلسلات رمضانية تحت مظلة أحمد مكي في مسلسل «الكبير قوي». الأجزاء الأولى جمعت بينهما وشاهدنا دويتو ناجحا وله حضوره عند الجمهور. كانت دُنيا تقترب من الناس وتحقق قدرا لا ينكر من النجاح الذي يؤهلها لتحمل البطولة بمفردها. فكان لا بد من أن تنتقل إلى آفاق أبعد لتتحمل هي المسؤولية مباشرة، هكذا بدأت العام قبل الماضي بـ«لهفة» ثم «نيلي وشريهان» وأخيرا «لالالاند».
وبالطبع لا يوجد أي تشابه مع الفيلم الأميركي الذي كان مرشحا بقوة لكي يستحوذ على الأوسكار في فبراير (شباط) الماضي، هي مجرد محاولة لاستثمار نجاح اسم الفيلم الأميركي. المسلسل قائم على الارتجال وذلك في القسط الأكبر من أحداثه رغم أنك ستلمح فريقا من المشاركين في الكتابة، ولم يسفر الأمر عن ضحك، الفكرة قائمة على عزل مجموعة من الناس في جزيرة، وبالتالي تبدأ كل المشاعر والرغبات المكبوتة في الإعلان عن نفسها. عشرات من الأعمال شاهدناها محليا وعالميا قائمة على هذا الموقف، كل هذا الأفكار ضاعت، لأن فريق الممثلين كان يضع أمامه هدفا واحدا وهو التهريج المخرج أحمد الجندي كان يبدو وكأنه في عجالة من أمره فلم يضف شيئا.
لديكم «خلصانة بشياكة» إنه المسلسل الذي عاد به أحمد مكي بعد غياب. كان مسلسل «الكبير قوي» قد انتهى عمرة الافتراضي ولم يعد قادرا على إثارة الضحك، ليس لديه أي جديد. فقرر مكي أن يلعب على الصراع الأزلي بين المرأة والرجل لنصبح أمام فريقين، واستعان بكل من شيكو وهشام ماجد لزيادة القوة الضاربة في الكوميديا، كان يريدهما كجناحين يحلق بهما لأعلى، فتحولا إلى أثقال تعيق حركته حتى على الأرض، وعانى المسلسل من ثقل الإيقاع وهي بالتأكيد مسؤولية المخرج هشام فتحي.
لدينا أيضا «ريح المدام» للكوميديان أحمد فهمي الذي كان في الماضي جزءا من الثلاثي مع هشام ماجد وشيكو انفصل منذ أن قدم في العام الماضي منفردا فيلمه «كلب بلدي». هذا العام واصل انطلاقه مع أكرم حسني حيث صار بينهما كيميا، وانضمت إليهما الوجه الجديد مي عمر والمخضرمة رجاء الجداوي. يحاول المسلسل العثور على مواقف كوميدية ولكنه في طريقه لتحقيق هذا الهدف من الممكن أن يسخر من أصحاب البشرة السوداء فيضع نفسه في حرج إنساني قبل أن يصبح قانونيا وهو ما دفع المنتج وفريق العمل للاعتذار. المخرج كريم العدل ترك كل ممثل يتحرك كما يحلو له عملا بقاعدة (التمثيل مسؤولية كل ممثل). وكان عليه توجيه ممثليه وخاصة الوجه الجديد مي عمر التي لم تكن تدري ماذا تفعل. لدينا أخيرا ياسمين عبد العزيز التي عادت بعد غياب في «هربانة منها» إخراج معتز التوني. ياسمين كوميديانة بحكم التكوين والروح والتاريخ وكان معها مصطفى خاطر وهو أيضا من الموهوبين لو تم توظيفه جيدا، أكرر لو. يعتمد المسلسل على ظهور الأشباح والعفاريت، ياسمين ولاشك تشكل قدرة وطاقة كوميدية، إلا أن الكوميديا هذه المرة كانت (هربانة منها)!
هزيمة الكوميديا في رمضان
قليل من الضحك والقهقهة كثير من الغلظة والتهريج
هزيمة الكوميديا في رمضان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة