«لا تطفئ الشمس»... محاولة للإمساك بزمن الرومانسية بواقعية صادمة

معالجة درامية تكشف تدهور القيم المجتمعية في ظل «البرجوازية الجديدة»

أبطال مسلسل «لا تطفئ الشمس»
أبطال مسلسل «لا تطفئ الشمس»
TT

«لا تطفئ الشمس»... محاولة للإمساك بزمن الرومانسية بواقعية صادمة

أبطال مسلسل «لا تطفئ الشمس»
أبطال مسلسل «لا تطفئ الشمس»

انتظر الملايين من المشاهدين عبر العالم العربي مسلسل «لا تطفئ الشمس»، باعتباره مأخوذا عن رواية مهمة للأديب الكبير إحسان عبد القدوس التي صدرت عام 1961، وتحوّلت لفيلم من أهم أفلام السينما المصرية أنتجه عمر الشريف وأحمد رمزي، ولم يتمكن من أداء دور البطولة فيه عمر الشريف بسبب فيلم «لورانس العرب». القصة في حد ذاتها دراما اجتماعية تعالج مصائر الكثير من الشخصيات، وتتحدث عن معاني الحب بين الأشقاء أو بين الأزواج، وأيضا تتحدث عن الخيانة وتجسد حياة أسرة من الطبقة البرجوازية ونظرتهم لطبقة العمال «البروليتاريا»، وهي تصلح أن تعالج درامياً مئات المرات في سياقات وأزمنة مختلفة، فقد تحوّلت لمسلسل درامي في الستينات لعب بطولته كرم مطاوع وصلاح السعدني وزوزو ماضي.
بالطبع، لم يفلت المسلسل الذي كتب السيناريو والحوار له السيناريست تامر حبيب وأخرجه محمد شاكر خضير، من المقارنة بينه وبين الأعمال السابقة، وكذلك أيضا أداء الممثلين. فمنذ أن عرض وبدأت الانتقادات تنال منه.
أغفل الكثيرون السياق الزمني الذي كانت تدور فيه العلاقات قبل أكثر من نصف قرن؛ فلم تعد العلاقات الأسرية حاليا تشبه العلاقات في الخمسينات والستينات، بل أصبحت أكثر فتورا وبرودة. لم تعد هناك سيطرة للأخ الأكبر كما جسدته الرواية، لم تعد الأسر تهتم بالحفاظ على العادات والتقاليد خشية من أقاويل الناس، لكن ظهرت الفوارق الطبقية بقوة بين العائلات الثرية التي تقطن الفيلات والقصور بداخل «كومباوند» تساوي أسعارها ملايين الجنيهات ونمط وأسلوب حياتهم يختلف تماما عن عامة المصريين.
تامر حبيب اسم تنصاع وراءه الجماهير، وبخاصة أنه صاحب الكثير من الأعمال الناجحة في السينما والدراما، وهو من أبرع كتاب السيناريو تحديدا فيما يتعلق بالأعمال التي تدور في إطار رومانسي، ونذكر منها: «سهر الليالي» و«حب البنات»، ودرامياً: مسلسلي «طريقي» و«غراند أوتيل» اللذين حققا نجاحا جماهيريا كبيرا.
يقدم حبيب معالجة درامية لرواية «لا تطفئ الشمس»، في سياق اجتماعي معاصر مختلف عن سياق الرواية التي تدور حول عائلة ارستقراطية محافظة، فقدت عائلها، وتولت الأم رعايتها، وهي امرأة حازمة.
في هذا العمل قدم حبيب «أسرة إقبال» التي تلعب دورها الفنانة القديرة ميرفت أمين، من دون أن تظهر بهذا الحزم، بل هي امرأة عاشت حياتها مع رجل لا تحبه ولم تتزوج حبها الأول، وما أن مات وقبل مرور سنة على وفاته ظهر لها حبها الأول ليطاردها، وهي تفكر في ذلك ليلا ونهارا ولا نراها تعير أبناءها أي اهتمام سوى اهتماما سطحيا بسيطا؛ فهي تنتظر أن يأتي إليها أبناؤها لنقاش مشكلة يمرون بها.
ومن خلال متابعة المسلسل يتسرب إلى المشاهد أحيانا الملل من توقع الأحداث، كما أن إيقاع المسلسل يفتقر للتشويق طوال العشر حلقات الأولى، وبالتالي كان يجب أن يحاول السيناريو إدهاش المشاهد أو مفاجأته بتغيير غير متوقع في الأحداث التي يسردها، أو على الأقل يمتعه. صحيح أن هناك اختلافات عن الرواية الأصلية، لكنها ليست على قدر كبير من التشويق، بل قدمت معالجة للشخصيات غير مكتملة النضج وبه بعض التضارب. ويأتي الحوار بين الشخصيات في بعض الأحيان بجمل مكررة أو الجمل وعكسها في اللحظة نفسها، وفي أغلب المشاهد لا يوجد حوار متكامل نفهم من خلاله ما يجب أن نفهمه من المشهد، بل سنجد أن بعض الممثلين وعلى رأسهم الفنانة ميرفت أمين، تجسد ما بين السطور بأدائها فهي تمثل في صمتها ما كان يجب أن يقوله السيناريو والحوار، كذلك الفنان المتمكن فتحي عبد الوهاب الذي يلعب دور الموسيقار الذي تحبه «آية» التي تلعب دورها جميلة عوض وكانت تلعب هذا الدور في الفيلم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، هناك الكثير من التفاصيل التي كان من المفروض أن تتحدث عنها الشخصيات، لكن السيناريو آثر أن يلغي وجودها. أما عن الانتقادات التي تهاجم دس الألفاظ البذيئة في العمل، فهي كما يقال دوما إنما هي انعكاس للواقع، لسنا الآن في الزمن الذي يقول فيه الشاب للفتاة التي يريد التعرف إليها «سعيدة يا هانم»، بل أصبحت الألفاظ التي يتحدث بها كثير من الشباب غاية في البذاءة؛ لذا من الطبيعي أن تعكس الدراما ذلك وإذا كان المجتمع مصدوما حقا منها دراميا فعليه أن يقضي عليها واقعيا.
لعل أروع ما في «لا تطفئ الشمس»، هي الموسيقى التصويرية الهادئة التي جاءت لتخلق الحالة الرومانسية للعمل ككل، فهي في كثير من الأحيان كانت تضيف لأداء الممثلين. نجح المخرج في اختيار أماكن التصوير التي تعكس حياة الطبقة الثرية الآن في مصر، لكن كانت مشاهد معاقرتهم للخمور مقحمة بشكل كبير.
يلعب دور «أحمد زهدي» في الرواية الفنان الموهوب محمد ممدوح، الذي قدم الدور ببراعة شديدة وإن كان تمثيله الممتع يعكر صفوه أن مخارج الألفاظ غير واضحة، وأيضا أثبت الفنان الشاب أحمد مالك الذي يقوم بدور «ممدوح» والذي قدمه أحمد رمزي، أن الموهبة تفرض نفسها بغض النظر عن موقف قطاع كبير من الجماهير من سلوكياته في واقعة الاستهزاء بمجندي الأمن المركزي في ميدان التحرير، لكنه قدم دور عمره في هذا العمل؛ انفعالات صادقة مفعمة بالمشاعر، بينما لم تبهرنا أمينة خليل في شخصية «نبيلة» التي جسدتها ليلى طاهر، أو جميلة عوض في دور «آية»، بل خفت أداؤهما أمام أداء الفنانة ريهام عبد الغفور بدور «فيفي» الشخصية العنيفة التي تتوارى وراء ستار العمل والعلم هربا من مشاعرها الأنثوية، كما تألقت شيرين رضا في شخصية «رشا» السيدة الثرية التي تعيش حياتها طولا وعرضا.
بينما كانت مفاجأة المسلسل، هي الفنانة عارفة عبد الرسول في دور الخادمة «بسيمة»، وهي شخصية لم تكن موجودة في الفيلم وتحل محل الطباخ، لكن تامر حبيب كتب دورها ببراعة تغلبها براعة هذه الفنانة في تجسيد الشخصية، فهي الشخص الذي يحتوي هذه الأسرة المشتتة والمفككة داخليا. ويلعب الفنان زكي فطين عبد الوهاب دور «الخال» شقيق ميرفت أمين باقتدار، فهو رمز للأرستقراطية أو «البرجوازية الجديدة» التي ترفض الاحتكاك بالطبقة الفقيرة، وهي في هذا العمل «أسرة حبيبة» التي تقطن حي عابدين الشعبي بوسط القاهرة وجسدتها بمهارة أيضا مي الغيطي، وجسد بامتياز دور شقيقها الأكبر المحافظ على الأصول والتقاليد الفنان الواعد خالد كمال الذي شارك هذا العام في مسلسلات عدة بأدوار مختلفة تكشف احترافيته وتبشر بصعود نجمه خلال السنوات المقبلة.
تلاعب المخرج باحترافية بمشاعر الجماهير حينما أوهم الجمهور بموت «آدم» أو أحمد مالك في العمل بعد يأسه من ارتباطه بـ«حبيبة» الفتاة الفقيرة نتيجة رفض خاله وأسرته ومعارضتهما، وكان الأمر حديث مواقع التواصل الاجتماعي، لأيام عدة؛ إذ نجح المخرج في جعل الجماهير تترقب ما إذا كان حيا أم مات غرقا في النيل، لكن آدم ظهر حيا ويعمل في ورشة الأسطى عدوي شقيق حبيبته، وحينما علمت الأم بوجوده على قيد الحياة ومحاولته العودة لبيت الأسرة، رفضت عودته إلى المنزل وطردته منه، بعد أن عاشت طوال 3 أشهر حزينة عليه، وكان هذا المشهد من أبرع المشاهد التي أمتعت بها الفنانة ميرفت أمين جمهور المسلسل. ولكن يبقى التحدي أمام صناع العمل في الحفاظ على حالة التشويق التي ظهرت في الثلاث حلقات الماضية حتى نهاية العمل.
على أي حال، المعالجات الدرامية دائما ما تكون لها عيوبها وإيجابياتها، ولعل أبرز الإيجابيات في معالجة «لا تطفئ الشمس»، هي تجسيد حالة التدهور في القيم والعلاقات الاجتماعية التي أصابت المجتمع المصري خلال النصف قرن الأخير، فهي تدق ناقوس الخطر نحو تدهور قيمي كبير وتفكك مجتمعي وأسري في ظل صعود «البرجوازية الجديدة».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».