باريس تستعد لطرح {مبادرة جديدة} حول سوريا

مصادر فرنسية قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها ترمي إلى {تجاوز تهميش أوروبا»

تيريزا ماي وإيمانويل ماكرون في باريس أمس (رويترز)
تيريزا ماي وإيمانويل ماكرون في باريس أمس (رويترز)
TT

باريس تستعد لطرح {مبادرة جديدة} حول سوريا

تيريزا ماي وإيمانويل ماكرون في باريس أمس (رويترز)
تيريزا ماي وإيمانويل ماكرون في باريس أمس (رويترز)

تعمل باريس على بلورة مبادرة سياسية – دبلوماسية، بشأن الحرب في سوريا، وهي لذلك تكثف اتصالاتها في كل اتجاه، إن مع الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان الخليج. وقالت مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن الإعلان عنها «سيعود لرئيس الجمهورية» الذي يريد أن يعيد باريس «ومعها أوروبا» إلى وسط دائرة الاتصالات بعد أن همشتا في الأشهر الأخيرة، مع إطلاق حوارات آستانة، وشبه انفراد موسكو بالمبادرات أكانت عسكرية أم دبلوماسية.
لكن المصادر الفرنسية المشار إليها سارعت إلى القول إن المبادرة الفرنسية «بحاجة إلى إنضاج وبالتالي إلى وقت»، وصدورها مربوط إلى حد كبير بالوضع الدولي وخصوصا بـ«القدرة على إيجاد واقع دولي (جديد) يتبين من خلاله للطرفين الروسي والإيراني أن استمرارهما في السياسة التي يتبعانها في سوريا سيكون أكثر كلفة (لهما) من قبول السير بحل سياسي حقيقي».
بيد أن السؤال الكبير يتناول «الوسائل» التي يمكن الاعتماد عليها من أجل الوصول إلى «الواقع الجديد» أي إلى تغيير معطيات الواقع الحالي بالنسبة للحرب في سوريا، التي يبدو أن تركيز الأنظار فيها على العمليات العسكرية، جعل الاهتمام بالجوانب السياسية يتراجع إلى المواقع الخلفية.
تقول المصادر الفرنسية، إن العائق الأول عنوانه الولايات المتحدة الأميركية، حيث لم تنته وزارتا الخارجية والدفاع من «مراجعة» سياسة واشنطن إزاء سوريا. وتضيف هذه المصادر أنه «لا رؤية سياسية أميركية اليوم لمستقبل الوضع في سوريا، والتركيز الأميركي لا يذهب أبعد من الحرب على (داعش) والإرهاب بشكل عام». لكن واشنطن «العائق» قد تتحول غدا إلى «عامل مساعد» إذا كانت إدارة الرئيس ترمب تريد أن «تترجم سياسة احتواء إيران» التي تدافع عنها إلى واقع، فسيكون البدء من سوريا. وما تنتظره باريس هو أن تنتهي واشنطن من مراجعة سياستها وهي لا ترى أن الإدارة الجديدة «تغالي» في استهلاك الوقت؛ لأن إدارة الرئيس أوباما احتاجت إلى ستة أشهر لإعادة صياغة السياسة الأميركية في أفغانستان. وبانتظار «عودة» واشنطن إلى الملف السوري، فإن إدارة ترمب، كما كشفت المصادر الفرنسية، طلبت من دبلوماسييها الاستمرار على الخط السابق: دعم القرار 2254 وبيان جنيف سياسيا، وزيادة الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، التي ترى فيها السند الفاعل لمحاربة «داعش» في سوريا.
لكن واشنطن ليست وحدها اليوم المعضلة، رغم كونها العنصر الرئيسي الذي من دونه سيكون من الصعب على الغربيين التحرك بفعالية في الملف السوري. فالدول الأوروبية الرئيسية لها مشاغلها الداخلية: بريطانيا تعاني من زعامة تيريزا ماي الفاقدة للثقة، ولا أحد يراهن على بقائها. والمستشارة الألمانية مقبلة على انتخابات بعد ثلاثة أشهر. أما إيطاليا فإنها تنتقل من أزمة سياسية إلى أزمة أخرى. ولذا، فإن «الرافعة» الأوروبية التي تريد باريس الاتكاء إليها في الملف السوري «معطلة». كذلك فإن «الرافعة» الخليجية بعد أن كانت مستوعبة بحرب اليمن تجد نفسها مدعوة لإدارة الأزمة مع قطر، وبالتالي سيكون من الصعب «الركون إليها»، ما لم تسو هذه الأزمة. ثم إن وضع المعارضة السورية المنقسمة على ذاتها سياسيا وعسكريا، لا يساعد الجهات الساعية إلى دعمها، بحيث نجح النظام بدعم الخارج في إبراز الصراع على أنه بينه وبين الإرهاب، أكان «داعش» أو النصرة.
ترى باريس أن مسلسل مؤتمرات جنيف «يدور في فراغ»، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها من أجل حل سياسي. أما حوارات آستانة التي أوجدها الروس، فإنها «ليست أفضل حالا».
وتشرح باريس تقويمها كالتالي: ثمة دائرتان: الأولى منبثقة مباشرة من آستانة، وهي تضم أربعة أطراف: روسيا وتركيا وإيران والأردن، والثانية تضم الأميركيين والروس والأردنيين ومحادثاتها تجرى في عمان. وغرض الدائرتين تحديد مناطق خفض النزاع وتثبيتها وإدارتها، ومفاوضاتها تدور في الحالين «في حلقة مفرغة»، بسبب «غياب الإرادة السياسية» ومطالبة كل طرف بـ«ضمانات» لا يريد أحد أن يوفرها. «مثلا تركيا تطالب بالتزام يحرم استهداف قواتها أو القوات التي تحميها في الشمال»، وعجز روسيا عن الضغط على الميليشيات التي تحميها إيران غير المتحمسة لمناطق خفض النزاع. يضاف إلى ذلك خلافات على تعيين حدود كل منطقة وكيفية إدارتها وعودة اللاجئين والجهات المكلفة الرقابة.
وترى المصادر الفرنسية في التأجيلات المتلاحقة لاجتماع آستانة مؤشرا على الصعوبات التي تلاقيها، فضلا عن أن الحرب فيها لم تتوقف رغم تراجع حدتها في بعض المناطق. والأخطر من ذلك كله أن باريس تعتبر أن سوريا اليوم «مقسمة» فعليا بين منطقة تركية، وأخرى للنظام، وثالثة لـ«داعش» ورابعة لقوى المعارضة.
وبحسب باريس، طالما أنه لم تنطلق دينامية سياسية جديدة من أجل التوصل إلى حل سياسي، فإن الشغل الشاغل سيكون عمليا كيفية إدارة هذه المناطق وتوفير القدرات التي تمكنها من البقاء.
لكن السؤال الأخطر، وفق التحليل الفرنسي، يتناول الصميم، أي كيفية الانتقال من هذا الواقع الانقسامي إلى إطلاق مشروع سياسي و«توفير ضغوط دولية» من شأنها إيجاد الدينامية المطلوبة؟ هذا بالتحديد ما تبحث عنه باريس، وما يريد الرئيس ماكرون العمل عليه.
ورغم سوداوية المشهد وانطلاقا من لقاءاته مع الرئيسين ترمب وبوتين والاتصالات الدبلوماسية الأخرى على المستويات كافة، وخصوصا مع واشنطن وموسكو «بما في ذلك مع المبعوث الدولي دي ميستورا»، تعتبر المصادر الفرنسية أن «هناك هامشا من التحرك يمكن العمل عليه». وتعتبر باريس أن روسيا «بينت عن رغبة في العمل على إقفال الملف السوري». لكن المجهول يتناول الثمن الذي تريده مقابل ذلك.
وعلى الطرف الآخر، تبدو إيران «متمترسة» وراء مواقفها ولا تتزحزح لجهة الدعم المطلق للنظام الذي ترى باريس أنه «ضعيف ذاتيا»، وأن النجاحات التي حققها «ليست نجاحاته بقدر ما هي من فعل الميليشيات الإيرانية أو تلك التي تقودها إيران والغطاء الروسي».
4 حجج رئيسية لإقناع موسكو
من هنا، تبرز موسكو مرة أخرى على أنها «عقدة العقد» التي يتعين التعامل معها والتأثير عليها؛ لأن موقفها سيكون حاسما. لكن ما تريده باريس هو «إقناع» موسكو لاستخدام نفوذها في سوريا للدفع باتجاه الحل، وهي لذلك تستخدم أربع حجج رئيسية: الأولى أن النظام لن يكون قادرا على فرض سيطرته على كامل سوريا قبل شهور وسنوات من الحرب. والثانية أنه لو انتهت الحرب لن يعود اللاجئون إلى بلد مدمر، ولن تحصل عملية إعادة إعمار من غير حل سياسي. والثالثة أن تطبيق سياسة ترمب بالبدء في سوريا لاحتواء إيران سينعكس توترا وربما حربا أوسع من الحرب الحالية، والرابعة، أخيرا، أن كل ذلك يسيء إلى مصالح روسيا، وبالتالي فإن مساهمتها بالحل اليوم ستكون أقل كلفة من استمرارها على سياستها السابقة.
هل تنجح باريس في إقناع موسكو؟ تصعب الإجابة على السؤال اليوم. لكن الثابت أن اللعبة في سوريا إذا سارت على ما هي عليه حاليا، ستكون نتائجها، وفق القناعات الفرنسية، كارثية على سوريا والمنطقة وما وراءها. ولذا، فإن الرئيس ماكرون يريد المحاولة وهو في ذلك يعيد باريس إلى وسط الحلبة. وإذا نجح سيسجل هذا النجاح له، وإن لم ينجح فلن تكون محاولته الوحيدة التي لاقت الفشل.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.