الجامعة الأميركية تكرّم وليد غلميّة برفقة الأوركسترا الوطنية

أوصى قبل رحيله بأن يعود كامل أرشيفه الفنّي إليها

الموسيقي وليد غلميّة
الموسيقي وليد غلميّة
TT

الجامعة الأميركية تكرّم وليد غلميّة برفقة الأوركسترا الوطنية

الموسيقي وليد غلميّة
الموسيقي وليد غلميّة

بعد مرور نحو ستّ سنوات على رحيله تكرّم الجامعة الأميركية في لبنان «برنامج زكي ناصيف للموسيقى» الموسيقي د. وليد غلمية في حفل سيقام في قاعة «اسمبلي هول» في 15 من شهر يونيو (حزيران) الحالي. هذا التكريم الذي يحمل عنوان «تحيّة لوليد غلمية» سيكون الثاني من نوعه الذي تخصّصه الجامعة المذكورة للموسيقي الراحل.
فقد سبق وأن كرّمته بعيد وفاته في عام 2011 في حفل مشابه تولّى قيادته أيضاً المايسترو أندريه الحاج (قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى) الذي سيقوم بالمهمّة نفسها هذا العام. ويتضمن الحفل الذي يندرج في خانة حفلات موسيقية وغنائية أخرى أقامتها الجامعة الأميركية على مدار السنوات الماضية تحت عنوان «لنتذكّر ونكتشف»، وشملت فنانين عدة أمثال الراحلين (شوشو وسلوى القطريب) معزوفات فولكلورية ومقاطع من سيمفونياته الستّ الشهيرة، إضافة إلى أغان وأعمال موسيقية قام بتلحينها لفنانين عدة وشارك من خلالها في مهرجانات بعلبك والأرز وجبيل وغيرها.
«الحفل سيكون منوعاً بحيث نلقي الضوء على أعمال الموسيقي الراحل منذ بداياته وإلى حين رحيله». يقول المايسترو أندريه الحاج في حديث لـ«الشرق الأوسط» ويتابع: «هي بمثابة مقطوعات موسيقية كالتي سنستهلّ بها الحفل (مناديل) و(نثر حبّ) ليغني الكورال بعدها سلسلة من أغانيه المشهورة (رجعنا وقلعة كبيرة وقالوا انطوا) وغيرها». ويتابع الحاج الذي سلّمه الموسيقي الراحل شخصيا قيادة الأوركسترا الوطنية اللبنانية قبيل ثلاثة أشهر من وفاته: «لقد اشتهر بأسلوبه المميز في التأليف الموسيقى فاستطاع أن يجمع ما بين الفن السيمفوني والفولكلور اللبناني، فتميّز بتأليف مقطوعات صغيرة لا تتعدّى مدة الواحدة، الأربع دقائق وهي ما سنعطيها حيّزا في الحفل التكريمي الخاص به».
وسيتضمن البرنامج أيضاً عزف سولو على العود لأحد تلامذته في المعهد الموسيقي الوطني عباس قعسماني لمقطوعة لوليد غلمية بعنوان «عبور». وسيغني فريقا الكورال العربي (بقيادة عايدة شلهوب) والليريكي بقيادة عادل سميا أغان أخرى مثل «قول للحلوة» و«وينك يا خيّال» و«يسلملنا لبنان» إضافة إلى ميدلاي مدته ثماني دقائق يجمع أشهر أعماله مع الراحلة صباح وأبرزها «دخلك لا تعلّقني فيك» لتنتهي بـ«زقفة يا شباب». ومن المقطوعات الموسيقية له والتي ستعزف في هذا الحفل «بوليرو» و«خريفية»، وفي هذه الأخيرة يجتمع التراث والجبل اللبناني من خلال آلات موسيقية تشير إلى أسلوبه هذا.
وكان الموسيقي الراحل قد أوصى قبيل رحيله بأن يعود كامل أرشيفه إلى الجامعة الأميركية والذي يتضمن أكثر من 300 عمل موسيقي إضافة إلى أقصوصات ورقية ومدوّنات من الصحف وأدوات خاصة به.
«استغرق تحضيرنا وترتيب أرشيفه نحو الأربع سنوات لأنه ضخم وفيه تفاصيل كثيرة «تقول إلهام زوجة الموسيقي الراحل. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: هناك كتابات وسيمفونيات ومؤلّفات موسيقية عدة ستحتفظ بها الجامعة الأميركية من خلال معرض دائم تقيمه له في حرمها. كما أننا تقدّمنا إليها بأدوات وأشياء شخصية له كان يحبها من صور فوتوغرافية في حفلاته في بلدان أوروبية وعربية، إضافة إلى العصا الخشبي الذي كان يستعمله لقيادة الأوركسترا الوطنية وكذلك نظاراته وربطة عنق وقلم، وهذه كان يفضّلها على غيرها من أغراضه».
ويعدّ الموسيقي الراحل (من مواليد بلدة مرجعيون الجنوبية) أول من كتب السيمفونية الموسيقية، وأدخلها في برنامج تعليم الموسيقى العربية، وهو أول من أعطى الموسيقى العربية السيمفونية بعدها الإنساني فكتب خمس سيمفونيات تحدثت عن محطات تاريخية مهمة كـ«القادسية» و«الشهيد» وسواهما من أعماله المعروفة. كما ترأسّ المعهد الوطني للموسيقى في لبنان، سنوات متتالية (من 1991 حتى 2011).
توقّف عن تلحين الأغاني منذ عام 1970 ليتفرّغ لتأليف المقطوعات الموسيقية والعمل الأوركسترالي، وكان يعتبر موسيقى الشرق العربي بأنها غنية جدا في ألحانها وإيقاعاتها، وأنه حان الوقت لإعادة النظر في مقاماتها وتركيباتها كونها موسيقى واسعة لا يمكن أن يعرفها الإنسان ولو قضى عمره يدرسها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».