«قسد» تتقدم داخل الرقة و«داعش» يرد في دير الزور

انشقاق أحد أمراء التنظيم وانضمامه للقوات المهاجمة

مقاتلو «قسد» في طريقهم إلى مدينة الرقة أول من أمس ضمن معركة طرد «داعش» منها (رويترز)
مقاتلو «قسد» في طريقهم إلى مدينة الرقة أول من أمس ضمن معركة طرد «داعش» منها (رويترز)
TT

«قسد» تتقدم داخل الرقة و«داعش» يرد في دير الزور

مقاتلو «قسد» في طريقهم إلى مدينة الرقة أول من أمس ضمن معركة طرد «داعش» منها (رويترز)
مقاتلو «قسد» في طريقهم إلى مدينة الرقة أول من أمس ضمن معركة طرد «داعش» منها (رويترز)

واصلت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب يوم أمس تقدمها داخل أحياء مدينة الرقة، عاصمة ومعقل تنظيم داعش في الشمال السوري. وفي حين اكتفى التنظيم المتطرف باتخاذ وضعية الدفاع مستخدما الألغام والقناصة في الرقة، أصر على مواصلة الهجوم في مدينة دير الزور، حيث أفاد ناشطون عن تقدم يحققه على حساب قوات النظام التي قتلت بالتعاون مع موسكو أكثر من 100 عنصر منه خلال 5 أيام.
وأفاد مصدر قيادي كردي بـ«تقدم سريع» تحققه «قسد» داخل مدينة الرقة التي وصلتها الثلاثاء، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه القوات سيطرت على أحياء عدة في الجهة الشمالية والشمالية الشرقية. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: إن قوات عملية «غضب الفرات» وبالتحديد «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري و«قوات النخبة السورية»، تعملان على تثبيت نقاط سيطرتهما داخل حي المشلب، في شرق مدينة الرقة، والذي انسحب تنظيم داعش من نحو نصفه، لافتا إلى أنه تم تثبيت السيطرة على الجزء الشرقي من الحي، وهو الوحيد الذي جرى الدخول إليه.
وأوضح «المرصد»، أن عملية التثبيت هذه تتزامن مع قيام طائرات التحالف الدولي باستهداف مواقع ونقاط تمركز لعناصر «داعش»، مشيرا إلى أن عملية تقدم القوات المهاجمة يعيقها قناصة التنظيم المتمركزون في الحي، إضافة لكثافة الألغام المزروعة. وأضاف: «طائرات التحالف تعمد إلى قصف المواقع التي يتواجد فيها قناصة التنظيم، إضافة إلى قصف أهداف أخرى في الحي في محاولة لتهيئة الطريق أمام قوات عملية (غضب الفرات)، كما تدور اشتباكات داخل حرم الفرقة 17 وفي محيطها بشمال مدينة الرقة، بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وعناصر (داعش) من جهة أخرى بالتزامن مع اشتباكات بين الطرفين في أطراف منطقة هرقلة في غرب حي السباهية الواقع في الأطراف الغربية للرقة».
من جهتها، أعلنت قيادة حملة «غضب الفرات» سيطرتها على قلعة هرقل التي تبعد نحو 2 كلم عن حدود مدينة الرقة، في حين أصرت على التكتم بما يتعلق بمسار المعارك داخل المدينة.
ولا يزال مصير المدنيين العالقين داخل الرقة والذي يبلغ عددهم نحو 160 ألفا مجهولا. وقد وثق «المرصد» مقتل 8 منهم في ضربات نفذتها طائرات التحالف الدولي على المدينة الرقة، تسببت أيضا بوقوع عدد من الجرحى، ليرتفع إلى 29 على الأقل بينهم 3 أطفال عدد الذين قضوا خلال الـ48 ساعة الفائتة، باستهداف طائرات التحالف الدولي لمدينة الرقة ومنطقة عبارات وتجمع قوارب عند أطراف نهر الفرات.
وكشفت حملة «الرقة تذبح بصمت» عن أن «أحد أمراء تنظيم داعش من الخط الشرقي (عبد الله الجلقيف) وهو من بلدة الكرامة واحد أقرباء المدعو أبو علي، الشرعي أحد أهم أمراء تنظيم داعش بالرقة، أقدم على الهرب والانضمام إلى قوات (قسد) بعدما كان منذ فترة قريبة يقوم بقتل المواطنين، بتهم، منها الانضمام أو مناصرة التحالف الدولي والميليشيات الكردية التي يبدو أنه قد أصبح جزءً منها». ورصدت الحملة الأحوال داخل المدينة، لافتة إلى «حركة قليلة جداً للمدنيين وتوقف كامل لخدمات (مياه – كهرباء – اتصالات) وفقدان تام للمحروقات بأنواعها، وكذلك عدم توفر الخضراوات في المحال التجارية التي فتحت أبوابها».
واستبعد نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات أن تكون معركة الرقة سهلة وسريعة كما يتم الترويج له، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بعض الانسحابات التي يقوم بها التنظيم تندرج بإطار إعادة تموضعه في مواقع ومراكز يعتبرها أهم بالنسبة له. وقال: «للرقة رمزية خاصة لـ(داعش) فهي عاصمته؛ ولذلك أطلقت (قسد) على هذه المعركة توصيف المعركة الكبرى التي نتوقع أن تكون صعبة معقدة، لكن الاستعدادات كبيرة جدا من حيث الكثير والعتاد وحجم المكون العربي كما من حيث مستوى التنسيق مع التحالف الدولي».
وبمقابل اكتفاء «داعش» في الرقة في هذه المرحلة أقله بصد هجوم «قسد»، واصل التنظيم تقدمه في مدينة دير الزور على حساب قوات النظام السوري رغم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها. وفي هذا الإطار، قال الناشط في حملة «فرات بوست» أحمد الرمضان، المتخصص بشؤون «داعش»: إن المعارك مستمرة بين طرفي التنظيم والنظام منذ نحو 5 أيام، وقد استقدم الأول تعزيزات إلى محور دير الزور الجنوبي وأوشك على فصل اللواء 137 تماما عن أحياء الجورة والقصر. وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن (داعش) يسعى حاليا للسيطرة على اللواء 137 ويستخدم الانغماسيين بكثرة لتحقيق هدفه، علما بأنه تكبّد أكثر من 100 قتيل في الأيام الماضية جراء الحملة الجوية العنيفة التي تشنها موسكو والتي نفذت خلالها 300 غارة».
بالمقابل، أشارت وكالة «سانا» التابعة للنظام السوري إلى أن «سلاح الجو في الجيش السوري نفذ غارات ليل الثلاثاء - الأربعاء على تجمعات وتحركات لتنظيم داعش الإرهابي عند محطة وقود الإيمان وساتر منطقة البانوراما ودشمة القلعة وجسر الرقة والمجبل في محيط الفوج 137 وفي محيط مستودعات الوقود بقرية عياش ما أدى لوقوع قتلى وجرحى في صفوفه»، ولفتت إلى أن قوات النظام «قتلت في اليومين الماضيين أكثر من 50 إرهابيا من تنظيم داعش».ولا تقتصر المواجهات التي يخوضها «داعش» على الرقة ودير الزور، بل تطال ريف حلب الشرقي أيضا، بحيث أفاد «المرصد السوري» عن اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وعناصر التنظيم المتطرف من جهة أخرى، عند الحدود الإدارية للرقة مع حلب: «في محاولة من قوات النظام التقدم في المنطقة بعدما تمكنت في الأيام الماضية من إجبار التنظيم على الانسحاب نحو مناطق سيطرته المتبقية في أقصى ريف حلب الشرقي وفي أقصى الريف الغربي للرقة، نتيجة لحتمية وقوعه في حصار مطبق ونتيجة القصف العنيف الذي يتعرض له».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.