نوع من السكر الطبيعي يعالج تصلب الشرايين والسكري

أحدث الأبحاث العلمية... خلايا مناعية تكافح السرطان

الخلايا التائية المناعية تحارب الأورام السرطانية
الخلايا التائية المناعية تحارب الأورام السرطانية
TT

نوع من السكر الطبيعي يعالج تصلب الشرايين والسكري

الخلايا التائية المناعية تحارب الأورام السرطانية
الخلايا التائية المناعية تحارب الأورام السرطانية

في حدثين علميين منفصلين قال باحثون أميركيون إنهم نجحوا في تعزيز جهاز المناعة بواحد من أنواع السكر الطبيعي الموجود في النباتات ولدى الحشرات، للتخلص من مرض تصلب الشرايين. وأضافوا أن هذا التوجه قد يساعد أيضا في علاج مرضي السكري والكبد الدهني، بينما أعلن باحثون قدموا دراساتهم أمام أكبر مؤتمر سنوي دولي حول علوم السرطان في شيكاغو، أنهم يطورون علاجات لإعادة هندسة خلايا الجسم المناعية، لتمكينها من مكافحة سرطاني نخاع العظم والدم.
* تصلب الشرايين
في الدراسة الأولى قال باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، إن السكر الطبيعي المسمى «تريهالوز trehalose» يعزز قدرات خلايا جهاز المناعة المتخصصة بتنظيف وتنقية الجسم، التي تقوم بدورها بابتلاع الترسبات المتراكمة على جدران الشرايين. وتؤدي هذه الترسبات إلى تصلب الشرايين، ما يهدد بزيادة خطر حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية.
وقال بابك رازاني، الأستاذ المساعد في الطب، المشرف على الدراسة: «نصب اهتمامنا على تقوية قدرات هذه الخلايا المناعية المسماة البلاعم أو البالعات الكبيرة أو الخلايا الأكولة الكبيرة Macrophage، بهدف التقاط والتهام النفايات الخلوية، وذلك بتحويلها إلى خلايا أكولة خارقة الحجم من نوع (السوبر). وتنظف هذه الخلايا البروتينات المشوهة وقطرات الدهون الفائضة والأجزاء المتعطلة داخل الخلايا».
وأضاف رزاني أن «الخلايا الأكولة الكبرى تقوم في حالة تصلب الشرايين بإزالة الأضرار عن الشرايين، بتنظيف مناطقها المصابة، إلا أنها لا تتمكن من تنقيتها كاملا نتيجة انتشار الترسبات... ولذا فإن قسما منها يلتحق بتلك الترسبات وهو ما يدفع خلايا أخرى مماثلة إلى المنطقة لتنظيف النفايات الجديدة... وهكذا تحصل دوامة مفرغة يتكون فيها نوع من (الحساء) الذي تتراكم فيه الترسبات الدهنية مع الخلايا الميتة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الترسبات».
وفي الدراسة المنشورة في مجلة «نتشر كومينيكيش»، ظهر أن الترسبات انحسرت عند فئران مصابة بتصلب الشرايين بعد حقنها بسكر «تريهالوز». وفي المتوسط انحسرت مساحة الترسبات الموجودة في رأس الشريان الأورطي لدى فئران مصابة في مجموعة ضابطة لم تحقن بهذا السكر، من 0.35 ملّيمتر مربع إلى مساحة 0.25 ملّيمتر مربع، لدى فئران مصابة حقن فيها هذا السكر، أي بنسبة 30 في المائة تقريبا.
وقال فريق البحث إن هذا الانحسار لم يحصل عندما تناولت الفئران هذا السكر عن طريق الفم، أو حقنت بأنواع أخرى من السكر.
ويتألف سكر «تريهالوز» من جزيئتي غلوكوز مترابطتين، وقد أجازته وكالة الغذاء والدواء الأميركية بوصفه منتجاً صالحاً للاستهلاك البشري، ويدخل في تركيب عدد من الأدوية. وكانت أبحاث سابقة قد أشارت إلى قدرته على تعزيز التهام النفايات من الجسم، من دون معرفة آلية عمله.
وقال رزاني إن السكر ينشط إحدى الجزيئات التي تدخل إلى الحمض النووي للخلايا الأكولة الكبيرة، وهو الأمر الذي ينشط جينات داخلها تعزز قدراتها على تنقية الجسم.
* خلايا مضادة للسرطان
وفي المؤتمر الدولي لعلوم السرطان الإكلينيكية، أعلن باحثون عن تطويرهم لوسيلة معروفة تسمى Chimeric antigen receptor T - cell لاستخلاص الخلايا التائية المناعية من الأشخاص المصابين بالسرطان، ثم تغيير تركيبتها الجينية بهدف تعزيز قدرتها على رصد وتدمير الخلايا السرطانية، ثم حقنها مجددا في جسم المصاب.
وقال الباحثون إنهم توصلوا إلى نتائج جيدة في علاج المصابين بسرطان النخاع الشوكي المتعدد. وقال الدكتور مايكل سابل مدير علوم السرطان الجراحية بجامعة ميتشغن للمنظومات الصحية: «لقد جاهدنا لسنوات لتنفيذ فكرة تعزيز قدرات الخلايا التائية لرصد السرطان وتعزيز ارتباطها بخلايا السرطان بهدف القضاء عليها... إننا نرى الآن مزايا تلك الجهود».
ويتوقع أن تصل هذه الوسيلة المبتكرة إلى الأسواق الأميركية هذا العام، إذ تشارك شركات صيدلة كبرى في أبحاثها. وتعكف السلطات الصحية الأميركية حاليا على دراسة إجازة علاج من شركات صيدلة يوجه لاستهداف بروتين يسمى «سي دي 19» يوجد في خلايا سرطاني نخاع العظام واللوكيميا (ابيضاض الدم) يؤمل في أن يحقق نتائج أفضل بنسبة 80 في المائة للمصابين. إلا أن هذه الوسيلة المبتكرة تحمل محاذيرها أيضا، وأهمها حصول التهابات تهدد بالوفاة.
وقال نك ليتشلي المدير التنفيذي في شركة «بلوبيرد بايو» التي تطور هذه الوسيلة، إن اختبارات أجريت على مصابين بسرطان نخاع العظم الذين استنفدوا كل وسائل العلاج الأخرى. ونقلت النشرة الإنجليزية لوكالة «رويترز» عنه: «كل الـ15 مصابا في التجربة الذين خضعوا للتقييم استجابوا للعلاج. وانحسر السرطان لدى 27 في المائة منهم نهائيا».
كما أعلنت شركة «نانجنغ ليجند بايوتيك» وهي شركة مغمورة، أن كل الـ35 مصابا بسرطان نخاع العظم قد استجابوا للعلاج، وانحسر المرض من 14 من أصل 19 مصابا خضعوا للتقييم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».