قفران لتربية النحل في القصر الجمهوري اللبناني

تولت المهمة مستشارة الرئيس لشؤون البيئة

أثناء وضع القفران في حديقة القصر الجمهوري
أثناء وضع القفران في حديقة القصر الجمهوري
TT

قفران لتربية النحل في القصر الجمهوري اللبناني

أثناء وضع القفران في حديقة القصر الجمهوري
أثناء وضع القفران في حديقة القصر الجمهوري

احتفل العالم البارحة بـ«اليوم العالمي للبيئة»، من خلال نشاطات مختلفة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالطبيعة. هذا الحدث الذي حدّد يوم 5 يونيو (حزيران) موعداً له من كل سنة، كان قد بدأ الاحتفال به منذ عام 1972، واختيرت كندا هذا العام لتكون البلد المضيف لأهم نشاطاته. أما لبنان فقد شارك فيه مطلاً من موقعه على الكرة الأرضية بالأخضر، بعد أن تمّت إضاءة نحو ستّة مواقع لبنانية بهذا اللون في مناطق مختلفة تحت عنوان «ربط الناس بالطبيعة»، وذلك بموازاة احتفالات مشابهة أقيمت في مختلف الدول للمناسبة نفسها. ويعدّ هذا الحدث واحداً من أضخم النشاطات في العالم، ويصبّ هدفه في العمل الإيجابي تجاه البيئة وحثّ الناس للتمتع بالطبيعة وحمايتها وتقدير جمالها وأهميتها في استدامة الكوكب.
وبمبادرة من رئيس الجمهورية ميشال عون، أشرفت مستشارته لشؤون البيئة كلودين عون روكز بعد ظهر أمس، على وضع سبعة قفران للنحل في حديقة القصر الجمهوري في بعبدا، وذلك بالتعاون مع شركة L’Atelier du Miel، بهدف إنتاج العسل اللبناني المميز بأنواعه المختلفة.
وتأتي هذه المبادرة؛ نظراً إلى أهمية النحل في الحياة الطبيعية، الذي، لولا عمليات التلقيح التي يقوم بها، لفقدت البشرية 85 في المائة من الأزهار والأشجار، بالإضافة إلى ثلث الخضار والفاكهة مثل التفاح والليمون والخيار والمانغا وغيرها.
وقامت عون روكز بجولة في الحديقة، حيث تم وضع قفران النحل، يرافقها مدير الإعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا، ومديرة مكتب اللبنانية الأولى ميشيل فنيانوس وعدد من العاملين في رئاسة الجمهورية، وصاحب الشركة مارك أنطوان بو ناصيف وعدد من معاونيه، واطلعت عن كثب على طريقة الاهتمام بالنحل، وكيفية تأمين الأجواء الملائمة لصنع أفضل وأجود العسل اللبناني.
وبعد الجولة، أكدت السيدة عون روكز أنه «لمناسبة اليوم العالمي للبيئة، أحب فخامة الرئيس الاحتفال بهذا الحدث بشكل مميز، من خلال وضع قفران نحل في القصر الجمهوري؛ نظراً إلى الأهمية الكبيرة للنحل ودوره في تكاثر الأزهار والشتول؛ بحيث يعتبر ركنا أساسيا من أركان البيئة». وأضافت: «وجود قفران النحل في حديقة القصر الجمهوري يكرس احترام دورة النظام البيئي ويحافظ على طبيعة هذه الحديقة». وقال بو ناصيف: «يحتوي كل قفير من القفران السبعة الموضوعة في الحديقة على عدد يناهز الـ30 ألف نحلة، وسيتم بالتالي إنتاج عسل غني جداً بمكوناته؛ نظراً إلى التنوع البيئي في الحديقة».
وتهدف رئاسة الجمهورية من خلال هذا المشروع إلى زيادة الوعي بأهمية الطبيعة، وتشجيع الشعب اللبناني على الحفاظ عليها من خلال أعمالهم اليومية، أو حتى عن طريق وضع قفران نحل في الأماكن الخاصة بهم.
وعصراً، قام رئيس الوزراء سعد الحريري بغرس شجرة في الباحة الشرقية للسراي الحكومي، بحضور وزير البيئة طارق الخطيب، ووزير الزراعة غازي زعيتر، وسفير النوايا الحسنة للبيئة في الأمم المتحدة راغب علامة، وممثلين عن جمعيات بيئية. أزاح الرئيس الحريري الستار عن لوحة تذكارية للمناسبة. وجاء في كلمة له: «زرعنا هذه الأرزة في السراي لنؤكد على أهمية عودة لبنان كما كان عليه في السابق، من حيث المساحات الخضراء وخاصة في بيروت».
وانطلاقاً من مركز «نادي الغولف اللبناني» الواقع في منطقة الجناح في بيروت، نظّمت كلّ من «الحركة البيئيّة اللبنانيّة» وجمعياتها الأعضاء (نحو 60 جمعية)، وبالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت والأمم المتحدة للبيئة، لقاء خاصا بالمناسبة تخلله إضاءة مساحة من النادي بالأخضر، تماشياً مع الحملة العالمية التي أطلقتها الأمم المتحدة للبيئة احتفاء بهذا اليوم. «هي المرة الأولى التي نضيء فيها معالم لبنانية بالأخضر بمناسبة هذا اليوم» يقول بول أبي راشد رئيس «الحركة البيئية اللبنانية». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا لفت نظر الرأي العام اللبناني إلى نسبة تدني المساحات الخضراء في لبنان، لا سيما أن خطراً يحدّق بالمكان الذي نحتفل به ألا وهو (نادي الغولف اللبناني)».
فحسب أبي راشد لم تعد بيروت تتنفس الأكسجين سوى من مواقع ثلاثة «حرش بيروت والجامعة الأميركية ونادي الغولف اللبناني»، فاقتضى تحويل أنظار الناس إلى هذه المعالم بالذات وإلى غيرها؛ لأن هناك من يتربّص ببعضها من أجل تحويلها إلى مساحات إسمنتية.
و«إن من واجبنا حماية هذه المواقع، والمهم في الموضوع أن مركز الأمم المتحدة في بيروت يشاركنا ويدعمنا في هذه المناسبة». ويختم قائلا: «على الدول والحكومات أن تتقيّد بالأهداف الـ17 التي صدرت عن (التنمية المستدامة) التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر (أيلول) من عام 2015، فنحن كبيئيين سنرتاح بالطبع عندما سيولونها اهتمامهم، ومن بينها الحفاظ على الحياة في البر والبحر، وابتكار مدن ومجتمعات محلية مستدامة، والقضاء على الجوع والفقر، وغيرها من الأهداف التي تصبّ في مصلحة المجتمع العالمي الذي نطمح إليه».
أما المواقع اللبنانية التي تمت إضاءتها عند المغرب من يوم الاحتفال فتوزّعت على مختلف المناطق اللبنانية، وبينها غابة الأرز في بلدة بشرّي (شمال لبنان) ومركز رشيد نخلة الثقافي في الباروك (الشوف)، وكذلك موقع (بارك هاوس) في المنطقة نفسها، إضافة إلى بلديتي صيدا وجزّين (جنوب لبنان).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».