«واحة الغروب»... حينما يضاهي العمل الدرامي روعة الإبداع الروائي

يتابعه القراء والنقاد والأدباء

من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
TT

«واحة الغروب»... حينما يضاهي العمل الدرامي روعة الإبداع الروائي

من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد

تحظى الأعمال الدرامية المأخوذة عن أعمال أدبية بمتابعة دقيقة من قبل الجمهور، وتقع تحت مجهر الفحص من قبل معشر النقاد والأدباء.
هذا العام تقدم «العدل غروب» عدداً من المسلسلات المتنوعة ما بين الاجتماعي والتاريخي، ويعتبر مسلسل «واحة الغروب»، إضافة جديدة للدراما المصرية من حيث انتقاء الفنانين وتكنيك الإخراج واللعب بالإضاءة والديكور وتصميم الملابس والخدع البصرية.
كما يقال الجواب يظهر من عنوانه بداية من «تتر» أو شارة المقدمة التي تعطي المشاهد وعداً بالتشويق فتأخذه عبر ممرات واحة سيوة المحفورة بين صخور جبل شالي وهي المدينة القديمة بسيوة، ويظهر أبطال المسلسل في لقطات بين هذه الممرات بحركة الكاميرا متهدجة ومتراوحة بين البطء والسرعة و«الزووم إن» و«الزووم أوت» متتبعة لهم، يصاحبهم صوت المنشد وائل الفشني حفيد المنشد العظيم الراحل طه الفشني، وهو موال من جنوب مصر، الشارة توحي بأنّ شخوص العمل يبحثون عن ذواتهم أو عن شيء بين هذه الممرات، وهذا هو فحوى رائعة الأديب المصري بهاء طاهر «واحة الغروب» الصادرة عن دار الشروق عام 2008، وحازت على أول جائزة «بوكر» للرواية العربية.
تدور أحداث المسلسل خلال نهاية القرن الـ19، في أعقاب فشل الثورة العرابية، وتنقل السلطات محمود، ضابط الشرطة كعقاب له على اعتناقه أفكار عرابي إلى واحة سيوة في إجراء، ظاهره تكريم وباطنه عقاب، حيث يمثل أهالي تلك الواحة المعزولة مصدر قلق للسلطات بسبب الصراعات الدائرة بين القبائل، وتمردهم عن دفع الضرائب. يصطحب الضابط زوجته الآيرلندية «كاثرين» المهتمة بالآثار، والتي تسعى للبحث عن قبر الإسكندر الأكبر المفقود وحل لغزه، ليصطدم الاثنان بالوضع الأمني وحالة حرب بين أهالي الواحة. يبدو إنتاج المسلسل مهتما ومراعيا لأدق التفاصيل المتعلقة بالديكورات والملابس والإكسسوارات، فمنذ الحلقة الأولى كان من المثير للإعجاب حقاً براعة المخرجة كاملة أبو ذكري في تجسيد وقائع قصف الإسكندرية عام 1882، إثر هجوم الأسطول الإنجليزي بالبحر المتوسط، لدعم الخديوي توفيق باشا إبّان الثورة الشعبية التي قادها أحمد عرابي ضد حكومته. لم يتكل فريق العمل على مجرد استوديو يجسد الإسكندرية القديمة، بل قاموا ببناء ديكور مماثل للصور الأرشيفية التي توثق هذا القصف العنيف الذي دمر معظم المدينة ونشبت على إثره أحداث شغب راح ضحيتها قتلى من المصريين والأجانب المقيمين بها. روت الحلقة الأولى الأحداث وخلفياتها التي سيترتب عليها تطور درامي كبير في حياة بطل الرواية، وإن كان بها بعض الإطالة في تجسد مشاهد إزالة آثار الدمار وحمل القتلى والمصابين.
ظهر بطل العمل الفنان المتميز خالد النبوي، في دور الضابط محمود عبد الظاهر، الذي ساعدته أيضاً ملامح وجهه بعظامها البارزة في أن يحقق مصداقية كونه شخصاً ينتمي لنهايات القرن التاسع عشر، حقا إنّه اختيار موفق له، فهو يبدو كمن خرج للتو من صورة للضباط في تلك الحقبة، براعته في التمثيل بعضلات وجهه ونظراته الشاردة تجسد باحترافية الشخصية المربكة والمقعدة لبطل الرواية؛ فهو شخص تربّى في منزل أسرة محافظة يحضر مجالس الذكر، والده تاجر ميسور الحال ونشأ في بيت توجد به جواري، حينما شب أصبح يتردد على الخمارات وبيوت الدعارة، وفي الوقت نفسه هو ضابط يسعى لتحقيق العدالة والحفاظ على الأمن العام، يؤمن بأفكار عرابي في التحرر من الاحتلال، وبالتالي أصبح يكره الأوروبيين، ويحضر محافل ماسونية ويسعى للانضمام لحزب سياسي شعاره «مصر للمصريين»، لكنّه يتخلّى عن كل ذلك إنقاذا لوظيفته الحكومية التي أجبره عليها والده، شخصية مصرية مليئة بالتناقضات، يحب جاريته «نعمة» التي لعبت دورها ببراعة مها نصار، لكنّه لن يتزوجها، تتركه نعمة في الحلقة الثانية من المسلسل بعدما نهرها بعنف لتناسيها حقيقة أنّها مجرد جارية، لكنّه سيظل أسيراً لحبها، وهو ما سيكتشفه المشاهد خلال الحلقات التالية. وبرعت مصممة الأزياء ريم العدل في اختيار ملابسها وحليها، وجعلتنا بالفعل أمام صورة فوتوغرافية بعدسات المستشرقين.
تظهر في الحلقة الثالثة بطلة العمل الفنانة منه شلبي في دور كاثرين الفتاة الآيرلندية الشغوفة بالآثار وعلم المصريات، والعاشقة لمصر والمصريين عبر صفحات التاريخ، وهي ستقع في حب الضابط محمود، ولكنّها ستكون هي الطرف الذي يقود العلاقة للزواج، ويبدو محمود منقاداً في هذه العلاقة. برعت الفنانة منة شلبي في إقناع المشاهدين في الحلقة الثالثة، في أول ظهور لها بكونها فتاة أوروبية رقيقة لا تتقن العربية، أيضاً ساعدتها براعة «الاستيليست» ريم العدل، في تغيير مظهرها وظهورها بلون شعر أحمر نحاسي وعيون ملونة في تقمص الشخصية، لكنّنا في الحلقة الـ54 فقدنا تلك القناعة تدريجياً، ووجدنا حضوراً لشخصية منة شلبي التي نعرفها بحركاتها ونظراتها المتمردة في بعض المشاهد، بالطبع ما زلنا في الحلقات الأولى من العمل وأمام «كاثرين» الكثير من المشاهد المعقدة التي ستجعل المشاهد يحكم على إتقان الشخصية. ظهرت جوانب الصراع ما بين أفكار وعادات الشرق والغرب بين سلوكيات محمود وسلوكيات كاثرين، وظهر أيضاً اشتياقه لجاريته «نعمة» وبوادر الخلاف بينه وبين كاثرين التي ستتطور فيما بعد.
السيناريو والحوار مكتوب باحترافية وقد كتبت أول 16 حلقة منه مريم نعوم بمشاركة أحمد بدوي، أمّا باقي الحلقات فكتبتها هالة الزغندي، واستطاع المسلسل أن يقتبس الجمل الحوارية الهامة في الرواية التي تفك شفرات دواخل شخصيات العمل. لغة الحوار دقيقة وسلسلة تجذب الجمهور. أمّا باقي شخصيات العمل وأبطاله حتى الآن، فيبدو جليا أنّ التوفيق حليف المخرجة في اختيارهم؛ فهو يضم مجموعة من الممثلين الصاعدين بقوة هذا العام، على رأسهم الفنان خالد كمال، الذي يلعب دور زميل الضابط محمود، وأيضاً الممثل الصاعد أحمد مجدي في دور «شاهين»، والفنانة الأردنية ركين سعد في دور «مليكة» التي تمثل شخصية معقدة أيضاً فهي فتاة مهووسة بصنع التماثيل الصغيرة أو التي يطلق عليها «المساخيط»، برعت ركين سعد في إقناع المشاهد بكونها فتاة سيوية ذات ملامح بدوية، في الحلقة السادسة تُزفّ على شاهين ابن الشيخ يحيى الذي يلعب دوره الفنان المتمكن أحمد كمال، وتظهر في تلك الحلقة ملامح الصراعات الدفينة بين العائلات في الواحة وصراعهم مع مأمور الواحة. يبدو بعض الاختلاف بين الرواية والمسلسل، حيث من المفترض أن تتزوج مليكة من رجل كبير في السن يدعى «معبد»، لكنّها تتزوّج في الحلقة السادسة من شاب، وقد صاحب الحلقة بعض الإطالة في مشاهد العرس السيوي، لكنها إطالة محمودة تعرف الجمهور على تقاليد واحة سيوة ومراسم الزواج بها. وشهدت تلك الحلقة ظهور الفنان البارع سيد رجب في دور «الشاويش إبراهيم» بنقطة شرطة القرية الذي يبدو أنّه سيكون له دور كبير في علاقة الضابط محمود مع أهل الواحة وما ستحويه من صراع. المثير أيضاً أنّ فريق العمل إلى جانب التصوير الخارجي في واحة سيوة بنى ديكورات مماثلة لمدينة شالي الجبلية.
رصيد المخرجة كاملة أبو ذكري لدى الجمهور العربي كبير، فهي قدّمت عدداً من الأعمال الناجحة، أبرزها دراما «سجن النسا». أمّا إيقاع المسلسل فليس بطيئاً مملاً كما اعتدنا في المسلسلات التي تدور في سياق زمني تاريخي، والأحداث تنطوي على تشويق وإثارة، ونجح المسلسل في استقطاب المشاهدين من بين الزخم الرمضاني الكبير، واستطاع أن يأخذ المشاهد لزمن القرن الـ19، ونجح في إعادة القراء للرواية ومقارنة الأحداث بينهما، ينتظر الجمهور تتابع الأحداث في محاولة للحكم على العمل الذي قد يتوّج بنجاح كبير كونه مأخوذاً عن عمل أدبي متقن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».