«آلة بيع» لكل 25 مواطنا في اليابان... وأسواق «كومبيني» تنافس بشراسة

آلات البيع في الشوارع اليابانية (بي بي سي)
آلات البيع في الشوارع اليابانية (بي بي سي)
TT

«آلة بيع» لكل 25 مواطنا في اليابان... وأسواق «كومبيني» تنافس بشراسة

آلات البيع في الشوارع اليابانية (بي بي سي)
آلات البيع في الشوارع اليابانية (بي بي سي)

تنتشر في اليابان مثل إشارات المرور، في كل مكان. يوجد من «آلات البيع» نحو 5 ملايين آلة في ثالث أكبر اقتصاديات العالم، أي بواقع آلة لكل 25 مواطنا.
هذا البلد الذي يسير على مستوى عال من التكنولوجيا، لديه أعلى كثافة من آلات البيع. ويقوم نحو نصف هذه الآلات بالبيع الآلي لما يصل إلى 30 مشروبا مختلفا: مشروبات غازية وماء وشاي أخضر وقهوة وحتى الحساء، كلها من جهاز واحد.
لكن، يبدو أن ازدهار آلات البيع التي تعرف باسم «جيدو هامبايكي» في اليابان قد انتهى. فقد أصبحت أسواق «كومبيني»، وهو نوع من المتاجر المريحة التي تفتح أبوابها على مدار 24 ساعة، توفر الخدمات نفسها التي تقدمها هذه الآلات.
ويقول أحد الموظفين في طوكيو: «لقد اعتدت أن أتناول القهوة من آلة البيع»، ولكن الآن هذه المتاجر ذات العمالة البشرية تبيع القهوة المصبوبة حديثا ليس فقط بأسعار أقل، بل أيضا بمذاق أفضل.
بدأ صناع آلة البيع يشعرون بالضيق والرغبة في الدفاع عن أنفسهم. فقد تراجعت مبيعات آلات البيع العام الماضي إلى تريليوني ين (17.8 مليار دولار) بانخفاض أكثر من الثلث عن عام 1995 عندما حققت مبيعات جيدو هامبايكي رقما قياسيا بلغ 1.‏3 تريليون ين.
وفي منتصف تسعينات القرن الماضي، كان اليابانيون يشترون 48 في المائة من مشروباتهم من آلات البيع، ولكن في العام الماضي انخفضت النسبة إلى 29 في المائة، وفقا لإحصاءات معهد بحوث المشروبات «إنريو سوكين»، مع استحواذ أسواق كومبيني على حصة 22 في المائة من مشتريات اليابانيين من المشروبات.
ورغم المنافسة، لا تزال صناعة المشروبات مستمرة مع آلات البيع، حسبما يقول كازوهيرو مياشيتا من معهد «إنريو سوكين»، نظرا لارتفاع هامش الربح.
ولا يقتصر الأمر على صناعة المشروبات. فهناك آلات بيع لمجموعة واسعة من المنتجات المختلفة: المثلجات والفواكه والخضراوات ومناديل اليد والشعيرية سريعة التحضير الساخنة والبطاريات والجوارب والمواد الإباحية والواقيات الذكرية.
يشرح مياشيتا أن آلات البيع لا تحتاج لأي موظفين، «لهذا فهي مهمة لكثير من منتجي المشروبات».
ولضمان أن تبقى آلات البيع جاذبة للمستهلكين اليابانيين، يطلق صناعها باستمرار أفكارا جديدة. وقد بدأت الأجيال الأحدث من الآلات في التحدث مع العملاء، بل وتقديم النصيحة بالمشروبات المناسبة.
يتم استخدام برنامج التعرف على الوجه من أجل «التعرف» على جنس المستهلك وعمره بدرجة عالية من الدقة ودمج ذلك مع بيانات التوقيت وأحوال الطقس للتوصل إلى التوصية المناسبة بشأن المشروب الذي يمكن أن يتناوله المستهلك.
وفي اقتصادات رائدة أخرى في أنحاء العالم، لم تسجل آلات البيع تقدما أو انتشارا قريبا من وضعها في اليابان.
ففي السوق الألمانية، وهي الأكبر في أوروبا، يوجد نحو نصف مليون آلة بيع فقط لتقديم المشروبات الساخنة والباردة في المقام الأول، وفقا لإحصاءات الاتحاد الألماني لآلات البيع. ويمثل هذا العدد 20 في المائة من عدد آلات البيع التي تقدم المشروبات في اليابان (2.47 مليون آلة).
أما في المناطق الريفية في اليابان، فسوف يستخدم بعض المزارعين الذين يديرون متاجر، آلات البيع لتوفير منتجاتهم الغذائية خلال ساعات غلق المتاجر. كما يقدم الخبازون والجزارون منتجاتهم عبر آلات البيع. ويتم تشغيل الآلات بطريقة لمس الشاشة، وهي تتيح مجموعة متنوعة من طرق الدفع.
وهناك حتى بعض آلات البيع التي تقوم بتوزيع السلع مجانا، وخاصة في أوقات الكوارث، على سبيل المثال بعد وقوع الزلازل.
وبعد كارثة الزلزال وموجة المد العاتية «تسونامي» في مارس (آذار) 2011 في شمال شرقي اليابان، تم توزيع أكثر من مائة ألف مشروب في المنطقة بهذه الطريقة. ويتم تجهيز بعض آلات البيع بشاشات لتقديم تقارير إخبارية ومعلومات عن تدابير الإخلاء.
يجري التفكير في آلات البيع فيما يتعلق بالأجهزة الطبية لعلاج اضطرابات ضربات القلب.
يبدو أنه لا يوجد حد لخيال صانعي آلات البيع. ويقول شوجي ماماموتو، أستاذ التسويق وسلوك المستهلك في جامعة كوانسي جاكوين، إن مستقبل الآلات يعتمد على ما إذا كانت توفر قيمة مضافة للبشر.
وفي الوقت الراهن، تجبر أسواق كومبيني هذه الصناعة اليابانية المتميزة على تأخير تركيب آلات بيع جديدة.



الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
TT

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

تعود أحداث فيلم «صيفي»، الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات، حيث يأخذ المشاهد في رحلة درامية مشوقة تسلط الضوء على طموح الثراء السريع والتحديات التي تواجهها المجتمعات في تلك الحقبة.

الفيلم، المرشح لجائزة مسابقة الأفلام الطويلة، يحكي قصة رجل أربعيني يُدعى صيفي محمد، الذي يعيش وهم تحقيق ثراء سريع باستخدام مهاراته المحدودة، إلا أنه يجد نفسه محصوراً بين فرقته الشعبية التي تُحيي الأفراح الجماعية، وإدارة متجره الخاص «شريط الكون» الذي يبيع فيه أشرطة كاسيت متنوعة، لا سيما تلك التي تتعلق بالخطب الإسلامية الممنوعة، التي يحصل عليها من المهدي حسام الحارثي، المستشار الديني لرجل الأعمال الشيخ أسعد أمان.

وفي خضم حياة مليئة بالتجارب الفاشلة، يعثر صيفي على شريط يحتوي على تسجيل سري بين الشيخ أسعد والمهدي، يكشف عن فضيحة تضع مكانة الشيخ الاجتماعية على المحك، بعدها يقرر صيفي خوض مغامرة خطيرة لابتزاز المهدي مالياً، مستغلاً سراً يمكن أن يُدمّر حياة الجميع. ومع تسارع الأحداث يضطر صيفي للاختباء في منزل طليقته رابعة، التي تشارك في جلسات تطوير الذات واستشفاء الطاقة، إلى جانب أختها رابية، حينها يجد في علاقتهما المضطربة فرصة للبقاء عندها أطول فترة ممكنة.

مخرج الفيلم وكاتب السيناريو، وائل أبو منصور، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة الفيلم جاءت من شخصية صيفي التي كانت مثيرة بالنسبة لي، فهو شخص يعيش وهم النجاح ولكنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وهذا التناقض جذبني لشخصيته، وحاولت أن أقدم شخصية معقدة ترسخ في ذاكرة المشاهد.

وأوضح أبو منصور أن الفيلم يناقش قضايا حساسة مثل الابتزاز والفساد الديني، وهي مواضيع قد تثير الكثير من الجدل، وأضاف: «كان التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو الحفاظ على التوازن في طرح هذه القضايا دون الإساءة للمعتقدات أو المجتمع أو الأجيال المختلفة، في المقام الأول، لقد كان من الضروري أن نكون حذرين في تقديم هذه المواضيع، بحيث لا نوجه اتهامات مباشرة أو نظهرها بطريقة يمكن أن تضر بالمجتمع أو تؤذي مشاعر الناس».

وتابع مخرج العمل: «حاولنا أن نعرض هذه القضايا من خلال السياق الدرامي الذي يثير التساؤلات ولا يقدم إجابات قاطعة، بل يحفز المشاهد على التفكير والنقد بشكل مفتوح، كانت هناك حاجة لإيجاد طريقة لتقديم هذه المواضيع بشكل واقعي، مع الحفاظ على احترام الأبعاد الاجتماعية والدينية. لكن الأهم من ذلك هو إيجاد الأسلوب الذي يعكس التعقيد البشري لهذه المواضيع، بدلاً من أن نقدمها بشكل سطحّي أو مسيء».

وفي ختام حديثه يقول أبو منصور إنه حرص على أن يكون «صيفي» متوازناً بين إظهار الحقيقة التي قد تحيط بهذه القضايا، والتأكيد على أن هذا لا يعكس المجتمع ككل، بل يعكس جزءاً من واقعه المعقد، وكان الهدف فتح حوار بنّاء بين الأفراد والمجتمع حول هذه القضايا، بدلاً من استغلالها لأغراض إثارة الجدل أو الهجوم.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم الذي تم تصويره في مدينة جدة الساحلية مطلع عام 2023، واستغرق العمل عليه 28 يوماً، روعي فيه اختيار مواقع تصوير تعكس تلك الحقبة الزمنية لتجنب إرباك المشاهد؛ حيث تم اختيار أحياء ومواقع قديمة من المدينة، ومنها حي الرويس وحي البغدادية العتيقة لتكون ساحات لتصوير مشاهد الفيلم».