أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، انسحاب بلاده من «اتفاق باريس للمناخ»، ملوحاً بتوجّه واشنطن لإعادة التفاوض حول اتفاق جديد ينصف الولايات المتحدة.
وعدّ الرئيس الأميركي، خلال كلمة ألقاها مساء أمس في حديقة البيت الأبيض، أن اتفاق باريس «لا يصب في صالح الولايات المتحدة»، مشدداً على ضرورة حماية الوظائف الأميركية.
وقال ترمب: «بدءاً من اليوم، ستتوقف الولايات المتحدة عن تنفيذ مضمون (اتفاق باريس)، (ولن تلتزم بـ) القيود المالية والاقتصادية الشديدة التي يفرضها الاتفاق على بلادنا».
ومنذ توليه السلطة، عَبَّر ترمب عن نيته دفع قطاع الطاقات الأحفورية (الفحم الحجري، النفط، غاز)، بداعي الدفاع عن الوظائف الأميركية.
ويشكل انسحاب واشنطن هزة قوية بعد 18 شهراً من إبرام هذا الاتفاق التاريخي، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة والصين أبرز المتسببين في ارتفاع درجات حرارة الأرض.
في غضون ذلك، دافع الاتحاد الأوروبي والصين بقوة، أمس، عن اتفاقية باريس حول المناخ، متوقعين وفاء الرئيس الأميركي بوعده الانتخابي. وأكد رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، خلال زيارة إلى برلين أمس، أن «الصين ستواصل تطبيق الوعود التي قطعتها بموجب اتفاق باريس» الموقَّع في عام 2016 من أجل الحد من ارتفاع حرارة الأرض. وأضاف: «لكننا نأمل أيضاً أن نقوم بذلك بالتعاون مع الآخرين»، في إشارة إلى تكهنات حول انسحاب أميركا من الاتفاقية.
وكانت بكين، مع الإدارة الأميركية السابقة لباراك أوباما، من أبرز مهندسي الاتفاقية التاريخية التي التزمت بموجبها 196 دولة بخفض انبعاثاتها من الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، مع طموح بحصر هذا الارتفاع عند 1.5 درجة مقارنة بالمستويات السابقة للحقبة الصناعية.
ودون التعليق على قرار ترمب، عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن سرورها «لوفاء الصين بالتزاماتها الخاصة باتفاق المناخ». وأكد تشيانغ وميركل تأييدهما لـ«نظام عالمي قائم على قواعد». كما أكدت المستشارة الألمانية أن اتفاق باريس «أساسي». وقالت ميركل للصحافيين في برلين: «إنه، بالنسبة لي، اتفاق أساسي»، مشددة على أن بلادها ستواصل «بطبيعة الحال» تنفيذ بنوده.
في سياق متصل، بدت لهجة مسؤولي الاتحاد الأوروبي أقل دبلوماسية إزاء ترمب. وحض رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بلهجة ساخرة الرئيس الأميركي على عدم الخروج من اتفاق باريس. وكتب في تغريدة خاطب فيها ترمب: «من فضلكم لا تسمموا المناخ (السياسي)».
من جانبه، اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الانسحاب الأميركي المحتمل بأنه غير مقبول. وقال في مؤتمر صحافي، مساء الأربعاء، في ألمانيا: «أنا من أنصار العلاقات عبر الأطلسي، لكن إذا قال الرئيس الأميركي في الساعات المقبلة إنه يريد الانسحاب من اتفاق باريس سيكون على أوروبا أن تقول إن الأمور لا تسير بهذا الشكل». وأضاف يونكر في تلميح إلى اتهامات متكررة يوجهها ترمب لوسائل الإعلام بنشر أخبار زائفة: «عندما يتعلق الأمر بنص قانوني واتفاقات دولية، ليس كل شيء من قبيل الأخبار الزائفة».
ووفقاً لتقارير إعلامية، فقد ناشد رئيس المفوضية الأوروبية الرئيس الأميركي أخيراً بعدم انسحابه من اتفاقية باريس حول المناخ. وقال يونكر أمس إنه ينبغي «إعلام الولايات المتحدة الأميركية بأنها لا تستطيع الانسحاب من اتفاقية المناخ بهذا الشكل. فقد تستغرق سنوات طويلة كي تسحب نفسها من مسؤوليات اتفاقية باريس». كما لفت يونكر إلى مخاطر التغير المناخي، وحذر: «إن لم نستطع الكفاح ضد التغير المناخي بعزم وإصرار، فهناك خطر اندثار 83 دولة تحت سطح الأرض».
وكتب ترمب في تغريدة، أول من أمس (الأربعاء)، استعاد فيها الشعار المركزي لحملته الانتخابية: «سأعلن قراري حول اتفاق باريس الخميس في الساعة 15.00 (19.00 بتوقيت غرينيتش) في حديقة البيت الأبيض. فلنعد لأميركا عظمتها».
من جانب آخر، اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، أن انسحاباً محتملاً لفاعلين أساسيين على غرار الولايات المتحدة، من اتفاقية باريس حول المناخ، يمكن أن «يعقد» تطبيقها. ونقلت الوكالات الروسية عن بيسكوف أن «تطبيق هذه الاتفاقية في غياب فاعلين أساسيين سيكون أشد تعقيدا، لكن ليس هناك بديل حالياً».
وكانت مسألة المناخ قد أدت إلى انقسام في قمة مجموعة السبع، التي عقدت الأسبوع الماضي في إيطاليا. وأكد جميع قادة الدول الأعضاء في المجموعة مجدداً انخراطهم في اتفاق باريس للمناخ، باستثناء الولايات المتحدة.
وكان ترمب وعد أثناء حملته الانتخابية بـ«إلغاء» اتفاق المناخ. لكن منذ تنصيبه، وجه ترمب رسائل متعارضة في انعكاس للتيارات التي تشق إدارته حول مسألة المناخ، وبشكل أشمل حول دور واشنطن في العالم وصلاتها بالاتفاقات المتعددة الأطراف.
بدورهم، يرى خبراء قانونيون أن الولايات المتحدة قد تعطل أو تؤثر سلباً على مساعي الدول الأخرى لمكافحة التغير المناخي حتى أواخر عام 2020، حتى إذا قرر الرئيس الأميركي الانسحاب من اتفاقية عالمية للمناخ.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعدّ أكبر دولة ملوثة في العالم، وأكثر جهة دولة تغير مواقفها من قضية المناخ وفقاً للغالبية السياسية الحاكمة. وحتى قبل دونالد ترمب، أوقف رؤساء آخرون على امتداد 25 عاماً، المفاوضات الدولية لمكافحة الاحتباس التي ترعاها الأمم المتحدة. في حين سمح آخرون، خصوصاً باراك أوباما في 2015، بإحراز تقدم كبير أمام الضرورة الملحة لمعالجة أزمة المناخ.
بدأ كل شيء في عام 1992 خلال قمة الأرض في ريو، التي أرست أسس معاهدة الأمم المتحدة حول التقلبات المناخية، وأطلقت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق عالمي ينص على خفض انبعاثات غازات الدفيئة المنبثقة أساساً من «مصادر الطاقة المتأحفرة» من النفط والغاز والفحم.
وتعارض الولايات المتحدة أساساً فكرة فرض قيود على انبعاثاتها. وقال الرئيس جورج إتش دبليو بوش في ريو: «لا تفاوض بشأن نمط العيش الأميركي. نقطة». وخلال التفاوض بشأن «بروتوكول كيوتو»، رفضت واشنطن أيضاً أي التزام واعتبرت أن على الدول الناشئة والنامية تحمل جزء من العبء. وتوصلت المفاوضات إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق في 1997، بعد تلبية المطالب الأميركية.
ووقع المعاهدة نائب الرئيس الديمقراطي آل غور، لكنه لم يحصل على تأييد مجلس الشيوخ.
ووصف الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش النص بأنه «ظالم وغير فعال»، وفي 2011 أعلن أنه لن يصادق عليه.
ودخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في 2005، وألزم 37 بلداً متطوراً بخفض انبعاثاتها، ليس بينها الولايات المتحدة. وسهل الانسحاب الأميركي لاحقا انسحاب كل من كندا ونيوزيلندا واليابان وروسيا منه.
وفي 2017، التقى مندوبو البلدان في بالي للمفاوضات السنوية ومحاولة استبدال بروتوكول كيوتو. وعارضت إدارة بوش مجددا أي معاملة مختلفة بين الدول المتطورة الملوثة تاريخيا، والدول الناشئة. لكن هذه المرة تعرض الوفد الأميركي لصيحات استهجان.
في نهاية المطاف، تم المصادقة على «خطة عمل بالي» لتبني معاهدة جديدة للمناخ في 2009. لكن مؤتمر كوبنهاغن انتهى في تلك السنة على نزاع بين دول الشمال والجنوب. ورفضت الولايات المتحدة المدعومة من دول أخرى أن يكون الاتفاق ملزماً. وانتهت أعمال المؤتمر دون التوصل إلى معاهدة عالمية.
واضطلعت الولايات المتحدة، التي أصبحت في سنة 2000، أول ملوث في العالم إلى جانب الصين، بدور رئيسي في تبني اتفاق باريس نهاية 2015. وفي النهاية، عد الاتفاق تسوية مع مبادئ ملزمة و«مساهمات» وطنية تحددها كل دولة على أساس طوعي.
والنص الشديد الليونة سمح لإدارة أوباما بالالتفاف على مصادقة مجلس الشيوخ المعارض.
لكن هذه الليونة تحديداً وغياب عقوبات، يتيحان لدونالد ترمب التخلي عن الالتزامات الأميركية من دون انعكاسات فورية.
ترمب ينسحب من «اتفاق المناخ» ويسعى إلى معاهدة بديلة
أوروبا والصين تجددان التزامهما الاتفاقية... وميركل تصفها بـ «الأساسية»
ترمب ينسحب من «اتفاق المناخ» ويسعى إلى معاهدة بديلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة