مفوضية بروكسل: نعمل مع واشنطن على حلول مشتركة لمواجهة تهديدات لأمن الطيران

الأميركيون يخشون استهداف الإرهاب لرحلاتهم

مفوضية بروكسل: نعمل مع واشنطن على حلول مشتركة لمواجهة تهديدات لأمن الطيران
TT

مفوضية بروكسل: نعمل مع واشنطن على حلول مشتركة لمواجهة تهديدات لأمن الطيران

مفوضية بروكسل: نعمل مع واشنطن على حلول مشتركة لمواجهة تهديدات لأمن الطيران

قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل، إنه عقب محادثات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اتفق الجانبان على إيجاد حلول مشتركة، للتخفيف من التهديدات المحتملة لأمن الطيران، والعمل معا لتعزيز الإجراءات الأمنية. في هذا الإطار، اتفق الجانبان على تكثيف المحادثات الثنائية على المستويين التقني والسياسي. وجاء التوصل إلى هذا، عقب محادثات هاتفية، أجراها كل من المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية ديمتري أفرامبولوس ومفوض النقل فيوليتا بولك، مع وزير الأمن الداخلي الأميركي جون كيلي. واعترف بيان صدر عن مقر المفوضية، بأن المحادثات عبر الهاتف لم تسفر عن التوصل إلى أي نتائج، ولم يتم إصدار أي إعلان جديد، ولكن المناقشات لا تزال جارية من أجل رفع مستوى أمن الطيران على الصعيد العالمي. واختتم البيان الأوروبي بالقول: «سيواصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العمل معا لضمان أمن المواطنين الأوروبيين والأميركيين، وأمن الطيران العالمي، والحفاظ على خطوط واضحة للاتصال والتعاون القوي في المستقبل».
جاء ذلك بعد أن قالت وزارة الأمن الداخلي الأميركية: إن حظر أجهزة الكومبيوتر المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الكبيرة في مقصورة الركاب في الطائرات القادمة من أوروبا إلى الولايات المتحدة لا يزال قيد المناقشة. وقال وزير الأمن الداخلي جون كيلي للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي: إن توسيع الحظر المفروض على الكومبيوتر المحمول في الوقت الراهن بالنسبة للرحلات الجوية من بعض وجهات الشرق الأوسط «لا يزال مطروحا على الطاولة».
وفي منتصف مايو (أيار) استضافت المفوضية الأوروبية محادثات رفيعة على المستويين السياسي والتقني مع السلطات الأميركية لإجراء تقييم مشترك للتهديدات الجديدة، والتوصل إلى نهج مشترك للتصدي لها، بحسب المتحدث باسم المفوضية الأوروبية مارغاريتيس شيناس.
يشار إلى أن هذا الحظر إن طبق على الرحلات الآتية من أوروبا، سيؤثر على رحلات النقل بين شطري المحيط الأطلسي، والتي تنقل نحو 65 مليون مسافر كل عام، بمعدل 400 رحلة يوميا، وتتضمن مسافرين من رجال الأعمال الذين يستخدمون الحواسيب المحمولة للعمل على متن الطائرة.
وكانت مصادر أوروبية قد أشارت في وقت سابق إلى أن الولايات المتحدة قررت عدم توسيع الحظر. وقال المتحدث باسم الأمن الداخلي ديف لابان «إن الوزير كيلي أكد أنه سينفذ كل الإجراءات اللازمة لتأمين الطائرات التجارية المتجهة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك حظر وجود أجهزة إلكترونية كبيرة في مقصورة الركاب».
وكان وزير الأمن الداخلي الأميركي، قد صرح قبل أيام قليلة، بأن حظر الولايات المتحدة لأجهزة الكومبيوتر المحمولة يمكن أن يتسع ليشمل جميع الرحلات الدولية المتجهة من وإلى الولايات المتحدة. وتحظر أميركا حاليا جلب أجهزة إلكترونية كبيرة، بما في ذلك أجهزة الكومبيوتر المحمولة (لاب توب) وأجهزة الحاسب اللوحي (تابلت)، إلى مقصورة الركاب في الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة من 10 مطارات في ثمانية دول في الشرق الأوسط منذ شهر مارس (آذار) الماضي».
وردا على سؤال حول ما إذا كان سيوسع الحظر ليشمل جميع الرحلات الدولية، قال كيلي في تصريحات لقناة «فوكس نيوز» «ربما»، وأضاف، أن محاولات شن هجمات إرهابية على متن رحلات طيران «تشكل تهديدا حقيقيا».
وأضاف كيلي: «إن الإرهابيين مهووسون بفكرة إسقاط طائرة وهي تحلق. وبخاصة إذا كانت طائرة أميركية، وبالأخص إذا كانت مليئة بركاب معظمهم مواطنون أميركيون».
وقال كيلي: إن تقنيات أمن الطيران الحديثة تشهد تطورا حاليا. وأجاب عندما سئل مجددا عن احتمالية توسيع نطاق الحظر «لكنه تهديد حقيقي متطور، وسأتحفظ على هذا القرار حتى نرى إلى أين تسير الأمور». ويجري تطبيق الإجراءات الأمنية الإضافية بالفعل على الرحلات المتوجهة مباشرة إلى الولايات المتحدة من مطارات تركيا ولبنان والأردن ومصر والكويت والسعودية وقطر والمغرب.
وينطبق الحظر على أجهزة الكومبيوتر المحمولة وأجهزة الحاسب اللوحي وأجهزة قراءة الكتب الإلكترونية، والكاميرات، ويجب وضع هذه الأجهزة مع الأمتعة التي تم فحصها. ويتم استثناء الأجهزة الطبية التي صدرت لها موافقة، ولكن يجب أن تمر بإجراءات فحص إضافية.
وكانت السلطات الأميركية قد أشارت، خلال الإعلان عن حظر أجهزة الكومبيوتر في شهر مارس الماضي، إلى التهديد المتمثل في تهريب متفجرات في أجهزة إلكترونية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟