إسكافي يحيي «زمن كابل الجميل» في ورشته

يصلح الأحذية على طريق أجداده... ويروي للمارة قصصاً من الماضي

رمضان حيدري في ورشته الصغيرة («واشنطن بوست») - جندي أفغاني يجلس أمام الورشة ليستريح ويستمع  لحكايات الإسكافي («واشنطن بوست»)
رمضان حيدري في ورشته الصغيرة («واشنطن بوست») - جندي أفغاني يجلس أمام الورشة ليستريح ويستمع لحكايات الإسكافي («واشنطن بوست»)
TT

إسكافي يحيي «زمن كابل الجميل» في ورشته

رمضان حيدري في ورشته الصغيرة («واشنطن بوست») - جندي أفغاني يجلس أمام الورشة ليستريح ويستمع  لحكايات الإسكافي («واشنطن بوست»)
رمضان حيدري في ورشته الصغيرة («واشنطن بوست») - جندي أفغاني يجلس أمام الورشة ليستريح ويستمع لحكايات الإسكافي («واشنطن بوست»)

في تمام الساعة السابعة صباحاً، يفتح رمضان حيدري مصرعي الشباك الخشبي القديم لورشته الصغيرة، ويفتح مظلة مرقعة توجد على الرصيف، ثم يشرع في ترتيب رف يحمل مجموعة من الأحذية المصقولة، وأربطة الأحذية المرتبة جيداً، وزوجاً من حذاء رياضي نسائي أصفر، ويخرج من جعبته مجموعة من المطارق وأدوات الثقب، و«الزرديات»، ويجلس على وسادته منتظراً بداية العمل.
لا يزال الوقت مبكراً، والرصيف مبتلا بسبب رش بائع الفاكهة المتجول المجاور له الماء على المانجو، والخوخ، الذي اشتراه من سوق الجملة في الخامسة فجرا.
وفي ركن آخر من الشارع، يبدأ طائر الكناري في الزقزقة بينما يعلق رجل عجوز القفص، الذي يوجد بداخله، إلى جوار واجهة عرض بها قمصان رياضية وسراويل.
على بعد بضع بنايات، يقع حي شاري ناو البرّاق، وهو حي تجاري ينمو بخطى سريعة في العاصمة الأفغانية كابل، حيث بات يزخر بالمراكز التجارية الصغيرة، وقاعات الزفاف الأنيقة، والمتاجر التي تبيع هواتف الـ«آيفون»، وأجهزة الكومبيوتر المحمولة التي يقف على أبوابها حرّاس مسلحون، وواجهات عرض لأحذية رياضية تحمل اسم علامات تجارية شهيرة، تم استيراد أكثرها من الصين.
مع ذلك مفترق الطرق القديم، الذي به مركز للشرطة، وصيدلية مملوكة لأسرة، أقل مساحة، وإيقاعه أكثر بطئاً، ويتميز بالعلاقات الشخصية القوية التي تربط بين الناس.
مكان عمل حيدري ليس سوى مكان ضيق مغلق يقع إلى جوار شجرة، لكنه يوجَد في هذا المكان منذ 18 عاماً، ويعرفه الجميع. يضع حيدري كل يوم صناديق خشبية مغطاة بقطع من السجاد، ويجلس عليها دوماً شخص أو اثنان يتحدثان ويشاهدانه وهو يعمل.
إنه رجل أشيب الشعر، في الخامسة والستين من العمر، ذو وجه جذاب يذهب إلى عمله ويعود منه بالدراجة، ويجني نحو 7 دولارات في اليوم المشحون بالعمل. يقول مقطباً جبينه بينما يخترق بإبرته السميكة طبقات متعددة من الجلد: «إذا لم تكن لديك خبرة مثل تلك التي لدي يمكن أن تغرس مسماراً في إصبعك». الكثير من عملائه معارف قدامى متواضعون يأملون في إطالة عمر أحذيتهم بضعة أشهر أخرى. إنها أوقات عصيبة في ظل الصراع طويل الأمد الطارد للاستثمار. رغم ازدهار البناء في المناطق الحضرية، لا يزال هناك عدد كبير من العاطلين عن العمل.
يدفع حمّال أمتعة أشيب يدعى محمد غول عربة اليد الخاصة به على الرصيف، ويتبادل الرجلان التحية بود ويبدآن النقاش بشأن العمل. حذاء غول متهالك، وبحاجة إلى نعل جديد، يفحص الحيدري زوج الأحذية ويطلب 60 سنتاً، ويقول غول إن ما يستطيع دفعه 40 سنتاً فقط. يضيف غول قائلا: «لم أتمكن من الحصول على عمل الأسبوع الحالي، لكن لدي زبائن في الطريق، لذا لا بد أن أبدو في مظهر لائق». ويتفق الرجلان في النهاية على 40 سنتاً.
يبدو المجتمع من عدة أوجه متجمداً في الزمن، وغير متأثر بالحرب المندلعة في الريف. يستمتع الناس بتقاليدهم، ويقنعون بالقيام بأعمال بسيطة، ويصبّون الشاي. مع ذلك خلفت عقود من الصراع والاضطرابات آثارها وإن لم تكن الجروح والندوب ملحوظة.
أصيب غول بالشلل في ذراعه اليسرى من جرّاء شظية أصابته حين كان جندياً منذ 30 عاماً يحارب إلى جانب الحكومة المدعومة من روسيا ضد عدد من الجماعات المسلحة الأفغانية. ويقول: «أستخدم يدي اليمنى لدفع عربتي، لكني أستطيع استخدام الأخرى من أجل تحقيق التوازن فحسب».
يقول قادام شاه، الذي فتح متجر للسلع الجافة إلى جواره، إنه في عهد الملك ظاهر شاه في السبعينات توقف عن بيع السكر والأرز للزبائن الذين يدفعون بالأجل، ويشكو من الحال السيئ الذي أصبحت عليه سوق واردات الجملة. يقول شاه، البالغ من العمر 58 عاماً الذي يستورد زيت الطهي من كازاخستان، والمناشف الورقية من تركيا: «لم تعد هناك ثقة. لقد كان أهل كابل متعلمين وأمناء، وصادقين، لكن غادر الكثير منهم. كانت الحرب طويلة وعنيفة وغاب الأمن. كل شيء بات مزيفاً الآن، ويحاول الجميع خداعك ثم الاختفاء».
ربما يكون تألق وجاذبية الأشياء الجديدة مكلفاً من أوجه أخرى على حد قول شاه، فقد سمع أخيرا أنباء عن صبي في الثالثة عشرة من العمر يقطن في الحي تمنى الحصول على زوج من الأحذية الرياضية معروض في إحدى المتاجر، لكن أخبره والده أن أسرته لا تستطيع شراء هذا الحذاء له، مما دفع الصبي إلى الانتحار في تلك الليلة.
صيدلية حسيني القريبة أقدم من متجر شاه، ومرت الأسرة بمعاناة بسبب الخسارات الكثيرة والكبيرة طوال أجيال. سجن النظام الشيوعي مؤسس الصيدلية مير فاض حسيني في ثمانينات القرن الماضي، ولم يره أحد بعد ذلك. وبعد عشر سنوات، أثناء الحرب لأهلية، دمرت قذيفة الصيدلية، وأسفرت عن مقتل اثنين من أبنائه، في حين أعاد الابن الثالث ميرويز بناء الصيدلية. يقول ميرويز حسيني البالغ من العمر 34 عاماً: «لقد بقينا ولم نغادر حتى نحافظ على اسم والدي حياً». وتمتلئ الصيدلية الضيقة المكدسة بآنية النباتات وصور الأسرة. ويضيف قائلاً: «تحسنت الأمور الآن، لكن يمكن أن تنفجر قنبلة انتحارية هذه الأيام بشكل مفاجئ في أي مكان. يشعر الناس بالخوف طوال الوقت».
يحمل هذا الجزء عسير الوصف من المدينة آثار التاريخ، حيث تزين ملصقات لأحمد شاه مسعود، الزعيم الأسطوري المناهض للسوفيات، الذي اغتيل في عام 2001، نقطة الشرطة ومنصة لبيع الفاكهة. ويوجد على بعد بناية واحدة المسكن المحصن الخاص بعبد الرشيد دوستم، نائب الرئيس الأفغاني، والزعيم السابق لإحدى الجماعات المسلحة، الذي يخضع حالياً لتحقيق بشأن الاعتداء الوحشي على سياسي بارز.
لقد كانت صواريخ دوستم هي التي دمرت صيدلية حسيني عام 1993 عندما كانت قواته تحارب مسعود، وقادة جماعات مسلحة أخرى للسيطرة على العاصمة. كثيراً ما يأتي حرس دوستم هذه الأيام إلى حيدري لتلميع أحذيتهم، وحين يتوجه إلى المسجد للصلاة، عادة ما يقف أحدهم بالقرب من محله لحراسة أدواته.
لا يتحدث حيدري كثيراً حيث يركز وهو يدق، ويخيط، ويلمع، لكن يبدو مستمتعاً بالصحبة وبالمحادثة. بعد عشرين دقيقة يسلّم غول زوج الأحذية بعد إصلاحه وهو متجهم، في حين يبتسم غول ابتسامة رضا قائلا: «عمل نظيف ودقيق كما أردتَه تماماً» ويمدّ إليه يداً تعيسة تعبيراً عن الشكر.
* خدمة «واشنطن بوست»
ـ خاص بـ»الشرق الأوسط»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».