النظام يلتف على التحذيرات الأميركية ويواصل حشوده قرب التنف

تقلص مساحة نفوذ «داعش» شمالاً إثر الضربات

عناصر من «الحشد الشعبي» على دبابة في قرية أم جريس قرب الحدود العراقية السورية أول من أمس (رويترز)
عناصر من «الحشد الشعبي» على دبابة في قرية أم جريس قرب الحدود العراقية السورية أول من أمس (رويترز)
TT

النظام يلتف على التحذيرات الأميركية ويواصل حشوده قرب التنف

عناصر من «الحشد الشعبي» على دبابة في قرية أم جريس قرب الحدود العراقية السورية أول من أمس (رويترز)
عناصر من «الحشد الشعبي» على دبابة في قرية أم جريس قرب الحدود العراقية السورية أول من أمس (رويترز)

أوقفت التحذيرات الأميركية للميليشيات الموالية لإيران والحليفة للنظام السوري تقدمها في المنطقة الصحراوية المؤدية إلى معبر التنف الحدودي مع العراق في شرق سوريا، لكنها لم توقف التحشيدات العسكرية في منطقة القلمون الشرقي، حيث تعزز قوات النظام وجودها في معسكراتها في المنطقة الواقعة جنوب ظاظا.
ويتزامن ذلك مع تصعيد في الشمال ضد تنظيم داعش، حيث استطاعت «قوات سوريا الديمقراطية» تحقيق تقدم على محور عسكري شمال الرقة وشرق الطبقة، فيما واصلت قوات النظام حملتها العسكرية للسيطرة على مدينة مسكنة، آخر معاقل التنظيم المتشدد في ريف حلب الشرقي.
وغداة إلقاء طائرات تابعة للتحالف الدولي منشورات تحذر فيها ميليشيات تقاتل إلى جانب قوات النظام من التقدم باتجاه التنف، أكدت المعارضة السورية أن النظام أوقف محاولات التقدم في البادية التي تصل إلى التنف. وقال قائد جيش مغاوير الثورة، العقيد مهند الطلاع، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه «تلتزم مواقعها السابقة في منطقة جليغم» التي تبعد نحو 42 كيلومتراً عن التنف، مؤكداً أن التحذيرات «تلزمه بالعودة إلى ظاظا» التي تبعد 75 كيلومتراً إلى الغرب من التنف «لكنه لم يلتزم، ولم يعد أدراجه إلى المنطقة».
وأشار الطلاع إلى أن الوضع العسكري في المنطقة «متوتر»، لافتاً إلى أن النظام، وإثر التحذيرات، «يحاول الالتفاف على مسافة 65 كيلومتراً من شمال منطقة التنف عبر تحركات عسكرية له، في مسعى منه للتقدم، لكن إذا حاول التقدم فإننا سندافع عن مواقعنا ووجودنا في المنطقة، وسنتصدى له»، علماً بأن القوات السورية المعارضة في شرق البلاد قرب التنف باتت عرضة لهجمات من قبل «داعش» في الشرق، وقوات النظام من الغرب.
وكان النظام قد تقدم في وقت سابق من القلمون الشرقي باتجاه معبر التنف إلى منطقة الزرقا التي تبعد مسافة 27 كيلومتراً عن التنف التي تحتضن قاعدة عسكرية لقوات التحالف الدولي، قبل أن تتعرض قوات النظام وحلفائها لضربة جوية من التحالف ألزمتها بالتراجع إلى مسافة 40 كيلومتراً في جليغم، كما يقول معارضون سوريون في المنطقة.
وفيما ألزمت التحذيرات الأميركية قوات النظام بتجميد تحركاتها العسكرية في البادية الواصلة إلى التنف، لم تتوقف تلك القوات عن التحشيدات العسكرية لها في المنطقة، بحسب ما يقوله مسؤول المكتب الإعلامي في «أسود الشرقية»، سعد الحاج، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن قوات النظام والميليشيات الرديفة لها «تواصل إرسال التعزيزات إلى المعسكر المركزي الذي أنشأته جنوب بلدة ظاظا في القلمون الشرقي، رغم التحذيرات الأميركية». وقال الحاج إن «عناصر الميليشيات يقيمون في خيام بيضاء تحمل دبغة الهلال الأحمر السوري في المعسكر نفسه»، منتقداً كيف تحولت خيام الهلال الأحمر إلى مأوى «للعناصر المقاتلة إلى جانب النظام».
وتتسابق الأطراف المقاتلة في سوريا للسيطرة على المنطقة الحدودية مع العراق، وعلى مدينة دير الزور التي يسيطر النظام على عدد من أحيائها، ويفرض عليها تنظيم داعش حصاراً مستمراً منذ نحو 3 سنوات. وتعرضت تلك الأحياء لقصف من قبل «داعش» أثناء تجمع العائلات قبيل موعد الإفطار، أسفر عن مقتل 15 شخصاً، وإصابة 52 آخرين، جراء تعرض أحياء القصور والجورة لقصف مدفعي من قبل التنظيم.
من جهته، قال عمر أبو ليلى، الناشط في موقع «دير الزور 24» الذي يغطي أخبار المدينة: «سقطت 6 هاونات على الأقل على حي الجورة، و(داعش) دائماً ما يقصف هذه الأحياء بقذائف الهاون. وهناك أكثر من 40 جريحاً، بينهم أطفال ونساء بعضهم في حالة حرجة جراء تدهور الأوضاع الصحية داخل الحي بسبب نقص الكوادر والتجهيزات الطبية والأدوية».
ودارت اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى، في حيي الحويقة والرصافة بمدينة دير الزور، وترافق ذلك مع قصف قوات النظام على مناطق الاشتباك، بينما استهدفت طائرات يرجح أنها للتحالف الدولي سيارة للتنظيم في قرية الزباري، وسيارة أخرى في بلدة البوليل بريف دير الزور الشرقي، مما أدى لمقتل 3 عناصر من التنظيم.
وفي حين يلوذ التنظيم بالمرتفعات في مناطق شرق سوريا، إثر الضربات التي يتعرض لها من قبل طائرات التحالف والطائرات الروسية وطائرات النظام السوري، تتقلص مساحة نفوذه بشكل ملحوظ في الشمال. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن «قوات سوريا الديمقراطية»، وقوات النخبة السورية المدعمة بالقوات الخاصة الأميركية وطائرات التحالف الدولي، تمكنت من تحقيق تقدم هام في المشارف الشمالية لمدينة الرقة، عقب اشتباكات عنيفة مع تنظيم داعش خلال الـ48 ساعة الفائتة. وقال إن قوات عملية «غضب الفرات» تمكنت من السيطرة على مزرعة الأسدية ومعمل الغاز القريب منها، بمحاذاة الفرقة 17، وباتت نحو 3 كيلومترات تفصل قوات العملية عن أطراف مدينة الرقة.
وكانت التنظيم قد عمد إلى تحصين مواقعه في الفرقة 17، الواقعة إلى الشمال من مدينة الرقة، وعمد عناصره إلى تمديد أسلاك كهربائية إلى الفرقة 17، ورجحت المصادر أن التنظيم يعمد لاستخدام هذه الأسلاك التي قام بتمديدها في أغراض عسكرية. ونفذت طائرات التحالف الدولي عدة ضربات على مناطق في أطراف الفرقة 17 شمال مدينة الرقة، وسط الاشتباكات الدائرة في المكان.
وفي الوقت نفسه، أعلنت قوات حملة «غضب الفرات» عن تحرير 3 قرى شرق مدينة الطبقة السورية من مسلحي تنظيم داعش. وجاء في بيان صادر عن غرفة عمليات «غضب الفرات» أن «مقاتلي قوات (غضب الفرات) تمكنوا من تحرير 3 قرى (الهورة، وبارودة، ومطيورة)، 20 كم شرق مدينة الطبقة».
وبالموازاة، تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن أن بلدة مسكنة التي تعد آخر بلدة يسيطر عليها تنظيم داعش في محافظة حلب، شهدت أمس قصفاً جوياً وبرياً مكثفاً من قبل قوات النظام والمدفعية الروسية والطائرات الحربية والمروحية، حيث أكدت عدد من المصادر المتقاطعة للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد الضربات الجوية والمدفعية تجاوز 225 ضربة، في محاولة من قوات النظام لتغطية تقدم قواتها والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية نحو بلدة مسكنة.
وكان المرصد السوري قد رصد انكفاء مجموعات تنظيم داعش إلى أسوار وداخل بلدة مسكنة التي تسعى قوات النظام للسيطرة عليها، ضمن إطار العملية العسكرية التي أطلقتها القوات في يناير (كانون الثاني) الماضي بقيادة مجموعات النمر التي يقودها العميد في قوات النظام سهيل الحسن، والتي سيطرت على عشرات القرى والبلدات والمزارع في ريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي، من أبرزها دير حافر والخفسة والمهدوم وعران ومطار الجراح العسكري.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.