«أوركيديا»... دراما تاريخية من وحي الأساطير والممالك

أحد أضخم الأعمال الدرامية المنتجة في عام 2017

سلاف معمار بدور الملكة الخاتون - لقطة تجمع نجوم «أوركيديا» - سلوم حداد بدور صاحب القلم براء الحكيم
سلاف معمار بدور الملكة الخاتون - لقطة تجمع نجوم «أوركيديا» - سلوم حداد بدور صاحب القلم براء الحكيم
TT

«أوركيديا»... دراما تاريخية من وحي الأساطير والممالك

سلاف معمار بدور الملكة الخاتون - لقطة تجمع نجوم «أوركيديا» - سلوم حداد بدور صاحب القلم براء الحكيم
سلاف معمار بدور الملكة الخاتون - لقطة تجمع نجوم «أوركيديا» - سلوم حداد بدور صاحب القلم براء الحكيم

ضمن باقة متنوعة وغنية من الأعمال الدرامية الحصرية التي تعرضها خلال شهر رمضان المبارك المقبل، بدأت شبكة قنوات تلفزيون أبوظبي عرض دراما التاريخ والفانتازيا «أوركيديا»، أحد أضخم الأعمال الدرامية المنتجة في عام 2017.

بين السلم والحرب

يُقدم المسلسل بقالب درامي متخيل مشوق، حكاية ليست بريئة من إسقاطات معاصرة «تدور حول صراع بين 3 ممالك متجاورة»؛ هي مملكة «أوركيديا» التي يحكمها الملك الأكثم بن عدي، ومملكة «آشوريا» ويحكمها الملك الجنابي، ومملكة «سامارا» التي يحكمها الملك آلمار. وذلك انطلاقاً من مهاجمة الملك الجنابي ملك «آشوريا»، بمساعدة صاحب قلمه براء الحكيم، وصاحب خبره سيف العز، مملكة «أوركيديا»، وقتل الملك الأكثم بن عدي، والسيطرة على المملكة. لتهرب بعدها زوجة الملك الأكثم، بولديها الصغيرين عتبة وشقيقته رملة، وتلتجئ بهما إلى ملك «سامارا» آلمار، حيث تعهد إليه بحمايتهما من الملك الجنابي، ورعايتهما إلى أن يكبرا، قبل أن تموت.
يقوم الملك آلمار بتنشئة الصغيرين عتبة ورملة إلى أن يشبّا، ويخصص لهما قصراً قريباً من قصره، وفي هذه الأثناء تتعرّض مملكته لأكثر من هجوم من قبل مملكة «آشوريا» بقيادة الملك الجنابي، إلا أن محاولات هذا الأخير باءت بالفشل، وسرعان ما انتهت المعارك بين المملكتين، بعقد صفقة زواج ومصاهرة، حين يتزوج الملك الجنابي بالأميرة خاتون شقيقة الملك آلمار، ويتزوج آلمار بالأميرة الفارعة شقيقة الملك الجنابي، لتلعب هذه المصاهرة دوراً كبيراً، في وقف الحرب بين مملكتي سامارا وآشوريا، مما أعطى الملك آلمار وهو رجل يريد السلام لشعبه، الفرصة ليتفرغ لمشاريع العمران والخدمات في ربوع مملكته، ولكنّ دوام الحال من المحال، إذ سرعان ما يعلم الملك الجنابي أن ابن غريمه السابق الأمير عتبة كبر وأصبح في العشرينات، وهو في حماية صهره الملك آلمار، فيخشى أن يطالب هذا الأمير بعرش والده الأكثم في أوركيديا، ولتجنب مخاوفه يعرض على الملك آلمار، أحد أمرين؛ إما أن يدفع إليه بالأمير عتبة بن الأكثم، ليعيش في قصره في آشوريا، وبالتالي يكون تحت بصره وسيطرته، أو أن يتزوج أخته الأميرة رملة بنت الأكثم، لتحل صلة الرحم بينه وبين وريث عرش أوركيديا بدلاً من العداء.
في هذه الأثناء كانت العرّافة (الكاف) قد قرأت الطالع للأمير عتبة، وفحواه أنّه سُيقتل على يد ابن شقيقته رملة في قادم الأيام، وعليه أن يتخلص من شقيقته رملة، أو يمنعها من الزواج البتّة، وهو الأمر الذي يجعل الأمير عتبة في حيرة من أمره.

الإخوة الأعداء

وسرعان ما تتعقد خيوط الحكاية، فالأمير عتبة كان بدأ إنشاء جيش صغير لاسترداد عرش مملكتهم المغتصب، أمّا الملك آلمار فوقع في غرام الأميرة رملة حين رأى جمالها، وبدلاً من أن يطلبها من أخيها ليدفعها زوجة إلى الملك الجنابي، طلبها لنفسه، الأمر الذي زاد الأمور تعقيداً، فماذا يفعل عتبة أمام طلب الملك آلمار، وما العذر الذي سيقدمه للملك آلمار ولشقيقته رملة، وقد جاءها أكثر مما تحلم به، زوجٌ ملك؟
هل يقتل شقيقته الوحيدة؟ أم يمنعها من الزواج، والملك آلمار هو الخاطب، أم يعطيها عقاراً يسبب لها العقم، ليتجنب قاتله الذي سيحمله رحمها؟
يختار عتبة الهجوم على الجميع، فهو يريد أن يستعيد ملكه وينجو بروحه في آن معاً، من دون أن يقتل أخته، فيلجأ إلى الحيلة والإيقاع بالمتصارعين، وسرعان ما ينجح في إحياء العداء القديم بين الممالك الثلاث من جديد، دونما سلم دائم، أو حرب دائمة... لتتوالى السنون وخلالها ستنجب الأميرة رملة سراً ابنها لؤي، وستدفع بوليدها لؤي مع جاريتها إلى البادية ليكبر بعيداً عنها، ولكن هذا الأخير لا يلبث أن يعود بعد أن يصير مقاتلاً قوياً، ليبحث عن أهله الذين تخلوا عنه، ويكون لاعباً رئيسياً في صراع الممالك الثلاث، ولكن هذه المرة في الضفة المعادية لخاله عتبة وأمه رملة، بل وسيجند نفسه لقتلهما.
تتسارع أحداث المسلسل على هذا النحو الدراماتيكي، لتضع الحكاية في مسارات درامية جديدة، ترفع حدة تعقيدها واشتباكات خيوطها، من درجة الإثارة والتشويق فيها.

نخبة النجوم

كتب قصة وسيناريو وحوار مسلسل «أوركيديا» السيناريست عدنان العودة، وأخرجه حاتم علي بين رومانيا وتونس، فيما يجسد شخصياته نخبة من ألمع نجوم الدراما العربية، منهم: جمال سليمان، وباسل خياط، وعابد فهد، وسلوم حداد، وسلافة معمار، وسامر المصري، وقيس الشيخ نجيب، ويارا صبري، وواحة الراهب، وايميه صياح، ومي سكاف، وآخرون.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)