مسلسلات رمضان ما بين قضايا الإرهاب والأدلجة والتنظير

أعمال خليجية تعكس الحالة الكارثية التي وصل إليها العالم العربي

مسلسل {غرابيب سود}
مسلسل {غرابيب سود}
TT

مسلسلات رمضان ما بين قضايا الإرهاب والأدلجة والتنظير

مسلسل {غرابيب سود}
مسلسل {غرابيب سود}

تتناثر المسلسلات الخليجية لشهر رمضان هذا العام، لتحمل في جوفها استنكاراً للحالة الكارثية التي وصل إليها العالم العربي. تتسلّل كآبة الأحداث ويتسلط الغضب على التطرف «ليشيطن» عوالمه التي تحيل الآخرين إلى كفرة هم عرضة للنسف والإبادة. تتألق ثيمة الاعتدال في عام 2017، والسعي من خلال مضامين فكرية لمحاربة التطرف، وإن كانت عبر رسائل إعلامية بأسلوب مباشر يحمل لهجة خطابية وتوجيهاً للمشاهدين، وإن كان ذلك يروّج من جهة أخرى لتنظيم داعش بمضامين تعترف بمدى تأثيره على المجتمعات.
فإعلان إحدى شركات الاتصالات السعودية الذي يتقاطع مع المسلسلات الرمضانية، حمل رسالة واضحة، ظهر فيها الإماراتي حسين الجسمي ليصدح بغناء معنون بـ«سنغني حباً»، يتقاطع صوته مع مشاهد أليمة لأطفال وضحايا يردِّدون: «سأخبر الله بكل شيء. بأنّكم ملأتم المقابر بأطفالنا وكراسي المدارس فارغة. وأشعلتم الفتن ونسيتم مصابيح الشوارع مطفأة».
تتناثر أصوات حالمة تطالب بنشر الحب والتسامح واللين ودحض القتل والتفجير واستعراض لأشخاص تعرضوا للقتل والتفجير، ويتقهقر إلى الوراء شخص يحمل حزاماً ناسفاً يصاب بالذعر من مساعي المحيط نشر الحب والسلام.
«غرابيب سود»
فيما حمل المسلسل التلفزيوني «غرابيب سود» من جهته، طموحاً بالقدرة على التأثير على المشاهدين بفريق عمل عربي ضخم قادم من كل من السعودية والكويت ومصر والعراق وسوريا. وأسماء لامعة كالمصري سيد رجب ودينا، والسعودية أسيل عمران ومروة محمد. وطاقم إخراج يجمع ما بين حسام الرنتيسي وعادل أديب وحسين شوكت. يصف مدير مجموعة الـ«إم بي سي»، علي جابر، المقصد من المسلسل بقوله: «نريد مواجهة فكرة بأخرى، ورأي برأي آخر». ليعكس ذلك آمالاً وأحلاماً بتغيير الصورة المغلوطة للتطرف بأسلوب يرغم المشاهد على التساؤل إن كانت أدلجة المواضيع بمثل هذه الأساليب تتلف الحبكة الدرامية وتتخذ من الدراما فرصة لاستقطاب أكبر قدر من المشاهدين لإقناعهم بمساوئ التطرف وخطورة التنظيمات الإرهابية، وتعكس إحباطات الأعضاء ونفاد صبرهم من الحياة، مما أفضى إلى توقهم إلى الممات، والانتقال إلى الجنة كخلاص من الوضع الراهن.
تنظير وفلسفة التطرف
يتصاعد التنظير عبر شخصية أبو عمر السعودي، وهو أستاذ في علوم الشريعة يبدو أشبه برسول سلام مستنكر لما يحدث حوله على الرغم من انضمامه للتنظيم. يتسلل عبر الحلقات متجولاً في المرافق الداعشية كسائح يفلسف الحياة المتطرفة ويهيم في أزقتها، ويتفوه بعبارات تحمل لهجة خطابية مباشرة تتحدث عن تقنيات المتطرفين، وإن حملت في أول حلقة بداية قوية تدحرجت فيما بعد في هاوية المبالغة.
يتساءل أبو عمر: «هل تعرفون ما هو الشعور في مدينة تحت سيطرة (داعش)؟ «ستشعر بأنّك في حفلة تنكرية حزينة، تتنكر فيها المجلات تحت كتب الدين، ويتنكر البيانو (ببسطة) بيع ملابس، وتتنكر إعلانات الشوارع برسائل تهديد ووعيد... ويتنكر طبيب ولادة بعباءة ونقاب لأنه حرام يولّد امرأة. حفل تنكري كبير بلا نهاية». ويضيف: «عقب ما تتفرج عليه تلق نفسك صرت جزءاً منه». ليتابع بعدها: «فيما تظهر نساء خليجيات بأسلوب كوميدي مبالغ فيه، يندبن تقدمهن بالسن من دون زواج نتيجة انتقاصهن جمال المحيا وجاذبية الشخصية، محملات بسعادة وأحلام مغلوطة بالاقتران أخيراً برجال، وإن كانوا متطرفين، فيردّدن في تعهد للانتماء لتنظيم داعش بكل احتفاء: «وأن أبذل نفسي وكل ما أملك للدولة الإسلامية». وتتكالب التساؤلات إن كان «جهاد النكاح» سيفرض عليهن الزواج بأكثر من رجل «داعشي» ليتخلصن من عقدة العنوسة. فيما تتعاقب مشاهد تستعرض وسائل التجنيد واستقطاب الأطفال والشباب وأحلامهم وتوقعاتهم المغلوطة.
مسلسلات خليجية بقالب كوميدي
من جهة أخرى، ظهرت مسلسلات خليجية أخرى بقالب كوميدي ساخر تناقش المواضيع ذاتها، وتسقط كتابها في ورطة أدلجة المسلسلات، وهوّة الحبكة الضعيفة، وانتهاك التفاصيل التي من المفترض أن تغرق في الأحداث التي تحمل رسائل غير مباشرة. ففي المسلسل الكويتي: «كان في كل زمان»، من تأليف وسيناريو هبة حمادة وإخراج محمد القفاص. يناقش قضايا التطرف والصورة النمطية المغلوطة وتصاعد الإسلاموفوبيا لدى الغرب.
في حلقته الأولى التي تحمل حكاية تختلف عن قصص حلقاته الأخرى، تظهر الكويتية المخضرمة سعاد العبد الله في أحد المطارات لتناقش مع ابنتها وأحفادها في حوار غرائبي، الصورة النمطية للمتدينين بعد تشككهم بملتح يظهر أشبه بإرهابي يحمل قنبلة طامحاً في حصد حيوات الأبرياء. ويمتد هذا النقاش إلى نقطة تفتيش المسافرين ليصبح استنكاراً لمدى اختلاف الثقافات ما بين الغرب بعلاقاته المتحررة، والمجتمع الخليجي المحافظ. الأمر الذي يفضي عند الاقتراب من نهاية الحلقة لمشهد ساخر عشوائي تحمل فيه سعاد العبد الله سلاح حفيدها الكلاسيكي في حديقة عامة وهي تردد «الله أكبر»، وتحاول أن تصلي وهي تغمغم بعبارات غاضبة من تصرفات أحفادها. ليصبح ترديد العبارات الدينية والرداء المحتشم تهمة تشكك الآخرين بحقيقتها وتظهر أشبه بمتطرفة عازمة على إطلاق الرصاص على مرتادي الحديقة. يتناغم هذا التوجه مع مسلسل «سيلفي» في جزئه الثالث المحمل برسائل إعلامية كثيرة، وبموضوعات مختارة لهموم وتوجهات المجتمع السعودي، وإن تضمنت ذلك حوارات تتطرق إلى تنظيم داعش.
ففي الحلقة الثانية من المسلسل المعنونة بـ«جري الوحوش» يتعرض ناصر لمحاولة ابني شقيقته سعود ومهند التخلص منه، وفي حوار غاضب بمشهد كوميدي نزق يصارحانه بمحاولتهما قتله ويصفهما بـ«الدواعش»، ويمتد ذلك لاتهامهما علناً في المحكمة بالتحاقهما بالتنظيم. فيما امتدت الإيحاءات ذاتها إلى مقدمة الحلقة التالية «زواج ليبرالي»، حين يُنتقد الكاتب تركي الذي تقمص دوره السعودي ناصر القصبي، في نقاش على طاولة الطعام، نتيجة كتابته مقالاً يطالب فيه بسحق وسجن وقمع المتشددين والإرهابيين المتسببين بكوارث مجتمعية.
تلك المشاهد المقتطعة من المسلسلات الرمضانية الأخيرة تعلن على الملأ مدى تأثير تنظيم داعش على المجتمع الخليجي، وتشكك في مستقبل المسلسلات ومدى نضجها، في حال استمرت على النسق ذاته بسعيها نحو أدلجة المواضيع وتوجيه الجمهور، والسقوط في هوة تحويل العمل الدرامي لوثائقي يفرض على المتابعين الاستماع لمحاضرات وعظية عن ثقافة الحوار ودحض العنف.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».