أزمة النقاد الأميركيين مع الأخلاق تتمدد

أفلام جديدة هذا الأسبوع تثير إعجابهم رغم مساوئها

كبير الطباخين
كبير الطباخين
TT

أزمة النقاد الأميركيين مع الأخلاق تتمدد

كبير الطباخين
كبير الطباخين

هل من المفترض بـ«السوبر هيرو» أن لا يبكي؟ هناك مواقف عاطفية يتعرّض لها كل واحد من أولئك الأبطال المقتبسين من مجلات الكوميكس والخيال الجانح، مثل «سوبرمان» و«باتمان» و«العفريت» و«ذا هالك»، لكن «سبايدرمان» وحده هو الذي يذرف الدمع نيابة عن الجميع.
«سبايدرمان المذهل» (2012) بكى في موقف واحد. أما «سبايدر مان المذهل 2» الحالي، فيبكي في موقفين. في الجزء السابق تبكي سالي فيلد (لاعبة دور أمه التي تبنّته) وفي هذا الفيلم تبكي مجددا وتبكي الممثلة إميلي ستون. هل المخرج مارك وَب أو أحد كتّاب السيناريو الثلاثة الذين وضعوا هذه الخامة شاهد وتأثر بالأفلام الهندية القديمة؟
مهما يكن من الأمر فإن «سبايدرمان المذهل» هو من تولّى في الأسبوع المنصرم القمّة منجزا قرابة 12 مليون مشاهد دفعوا نحو 91 مليون دولار لمشاهدة بطل آخر يحلّق في الهواء بلا كلل. في الوقت ذاته جرى إطلاق عدّة أفلام من تلك التي يمشي أبطالها على الأرض.. حفاة، كما حال إليزابيث بانكس في «مسيرة العار» أو متعثرات بالأحذية ذات الكعوب العالية كما في «ليلة خروج الأمهات» (Mom‪›‬s Night Out).
كلاهما لم يحظ بالكثير من العناية النقدية، لكن حال الفيلم الأول، الذي أخرجه ستيفن بريل أفضل قليلا من حال الفيلم الثاني لصاحبه أندرو إوين في محكمة النقد الأميركية. ناقد واحد من أصل خمسة عشر أحب الفيلم (هو بل زويكر في «شيكاغو صن - تايمز») ثلاثة وقفوا منه موقفا وسطا، والثلاثة عشر الآخرون هاجموه بضراوة.
ربما هو فيلم متعثر فنيا كبطلاته آبي كوب، باتريشا هيتون، سارا درو، لكن الملاحظ أن معظم الذين انتقدوا «ليلة خروج الأمهات» شددوا على الناحية الأخلاقية التي رفضوها رفضا تاما. حسب هؤلاء من الخطأ نقد النساء المتزوّجات إذا ما أردن السهر خارجا وطلبن من أزواجهن المكوث في المنازل لتلك الليلة أو كما تقول إليزابيث وايتزمان في «نيويورك دايلي نيوز»: «لا شيء خطأ في ترفيه مبني على الإيمان، لكن المشكلة تأتي عندما يصبح الإيمان في مقدّمة الترفيه».
لكن للفيلمين المذكورين علاقة متينة ولو متناقضة: في «مسيرة العار» تطلب أم إليزابيث بانكس (في الفيلم) من ابنتها الاحتشام حين تطل في المرّة المقبلة على شاشة التلفزيون. الفتاة الجميلة والشابة توافق أمّها مما يعني أنها جاءت من عائلة مسيحية محافظة. في نهاية الفيلم تفعل العكس في تحد للمفاهيم المحافظة. أما في «ليلة خروج الأمّهات» فإن الرسالة تتبدى تأنيبا للأمهات إذا ما التقين في سهرة قُصد بها أن تكون هادئة وعادية.
كلا الفيلمين يأتيان وسط موجة من الأعمال ذات النزعة الدينية كما سبق لنا القول في مقال سابق. آخرها «الجنّة حقيقية» وهو فيلم كانت نسبته من تمازج الآراء أعلى؛ إذ نال 18 صوتا وسطيا وستة أصوات مؤيّدة وصوتين فقط من تلك المعارضة حسب موقع نقدي.
هو فيلم لراندال والاس من بطولة كريغ كينير لاعبا دور واعظ كنيسة في بلدة صغيرة لا يملك إجابات شافية حين يتعلّق الأمر بالأسئلة الوجودية. على ذلك إيمانه قوي ولو أنه يتعرّض للاختبار عندما يسقط ابنه الصغير مريضا وفي لحظة من لحظات الحياة تبدو روحة قد غادرته، لكنه لا يزال حيّا يردد بأنه رأى نفسه يدخل الجنّة. هذه الرؤيا تضع الأب في امتحان جديد ليس مع إيمانه هذه المرّة بل مع محيطه من المواطنين.

* الفيلم مزحة

* هم المخرج جون فافريو مختلف تماما في فيلمه الجديد «كبير الطبّاخين» أو «شف». إنه كارل كاسبر رئيس الطبّاخين الذي يعتز بنفسه وبخبرته وطبخه. في أحد الأيام تقع مشادة بينه وبين صاحب المطعم (دستين هوفمان) الذي يطلب منه الكف عن التفنن واتباع لائحة الطعام. كارل يرفض التنازل وصاحب المطعم يرفض رفضه وينتهي الأمر بكارل إلى تأسيس مطعم في «باص» صغير يساعده فيه جون لغويزامو وسكارلت جوهانسن ويستقبل، فيما يستقبل، روبرت داوني جونيور.
الفيلم مزحة واسعة لها حسناتها لكنها لا تفعل كثيرا لناحية التحوّل إلى عمل جيّد خصوصا وأنه مضطرد في وصفه ووصفاته كما عادة البرامج التلفزيونية من النوع ذاته. جان فافرو هو ذاته مخرج الجزئين الأول والثاني من «آيرون مان» (وأحد منتجي الجزء الثالث) وفي سنة 2011 حقق «كابويز أند أليانز» والآن يحضر لثلاثة أفلام كبيرة متلاحقة أولها إعادة صنع لفيلم الرسوم «كتاب الغابة» وثانيهما «معركة فونفيل» والثالث بعنوان «مملكة السحر». «كبير الطبّاخين» نقلة إلى إنتاج أكثر تواضعا على صعيدي الكلفة والجمهور وهو قال في لقائه مع ممثلي الصحف الأجنبية حين زار بعض هؤلاء مكان التصوير قبل بضعة أشهر: «لقد عملت على الأفلام الكبيرة منذ فترة طويلة وهذا قد يجعلك تعتقد أنك بذلك بت تحوز حريّة عمل أكبر. في الحقيقة الأمر معاكس تماما. مع تضخّم مشروع (آيرون مان) فيلم بعد فيلم، ما عاد ملكا لرؤية عدد محدود من الفنانين بل سلعة للشركة المنتجة».
على منواله من الأفلام الكبيرة «لم يعد عندي قصص خاصّة أرويها، لذلك عدت إلى عمل يعبّر عني أكثر مما تعبر عني الأفلام الأخرى».
هل يعني ذلك أن المخرج طبّاخ يريد تحقيق فيلم عن نفسه؟
«أنا طبّاخ لا بأس به. أنا أفضل الآن مما كنت عليه سابقا (...) لقد وجدت أن العلاقة متينة بين أولئك الذين يصنعون الأفلام وأولئك الذين يصنعون الطعام، كلاهما لديهم التحديات ذاتها في مراحل الإبداع».
هذا من ناحية أن كلا المنتجين يهدف لإرضاء الزبائن. لكن فيلم فافرو هذا يرضي بعض الزبائن ولا يثير اهتمام زبائن آخرين حتى من بين المثقفين الذين لا يكترثون، وربما عن حق، لسينما المؤثرات الصادحة والتكاليف الضخمة.

* العودة إلى أوز

* السوق السينمائية من لوس أنجليس ونيويورك إلى لندن ودبي لا تخلو من فيلم رسوم متحركة جديد هو «أساطير أوز» مسحوب (كما سواه من الأفلام التي حملت كلمة «أوز» مؤخرا) من الفيلم الكلاسيكي «ساحر أوز» لمخرجه فيكتور فليمنغ سنة 1939 حققه قبل عام واحد على تحقيقه «ذهب مع الريح» في السنة التالية.
على كثرة الاستيحاء من هذا المصدر تداخلت الشخصيات في حكايات مفصولة عن الأصل وإن كانت لا تزال على صلة بجوهر الموقع و«التيمة» والحكاية. هنا تعود دوروثي (ليا ميشال) إلى أرض الساحر أوز لتلتقي بشخصيات جديدة خلال بحثها عن بعض أصدقاء الأمس. هذا يستدعي تنصيب شرير جديد اسمه جستر (يقوم بصوته مارتن شورت) يسعى للسيطرة على تلك الغابة ومن فيها. أي كلام ممكن بغاية تسجيل إصابات في ملعب الصغار. الرسوم دجيتال بالطبع لكنها مطواعة وثرية بالتفاصيل بسبب من حسن سرد مخرجي الفيلم دان سانت بيير وول فن. كذلك ينفع أن نقرأ أسماء بعض المواهب الكوميدية تمثّل بأصواتها مثل دان أكرويد وجيمس بيلوشي وكلسي غرامر.
على دكانة بعض مشاهده، يبقى «أساطير أوز» أفضل بكثير من فيلم كوميدي جديد عنوانه «جيران» (أو «جيران سيئون» كما في بعض الأسواق) يجب على الصغار تجنّبه لكونه مليئا بمشاهد تحمل الشتائم بلا هوادة وإلى جانبها مواقف جنسية ومشاهد عري واستخدام المخدّرات. هذا مفهوم، لكن الكبار يمكن لهم تجنّبه لهذه الصفات على الأقل.
هذا الناقد لم يشاهد هذا الفيلم بعد ولا يمكنه الحكم على مضمونه أو عليه تفصيلا، لكن هذا لا يمنعه من التساؤل حول السبب الذي من أجله يتصدّر هذا الفيلم قائمة أكثر الأفلام الجديدة نيلا لإعجاب النقاد الأميركيين (33 مع، 11 مع إلى حد ما وواحد فقط في الصف المعادي). ربما كانوا يساهمون في نشر السينما الرديئة؟ ها هي إحداهن (درو ماكويني) تكتب في «هيت فيكس»: «ليس فقط إنه طريف بشكل صاخب وقذر على نحو لاهث، بل هو مكتوب جيّدا على مستوى الشخصيات..»
إذن القذارة والصخب عنصران مفيدان كما يرى أيضا ناقد «الغارديان» أندرو بولفر حين يكتب: «في حالته الحاضرة فإن «جيران» فيلم قذر وشرير ومتهاون، لكنه محبوب».
على هذه الحال «حلاوة روح» يمكن أن يكون تحفة عصره.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».