القنوات التونسية تنافس العربية بأجزاء جديدة من مسلسلات قديمة

تتميز بالحبكة الدرامية وبجرعات كبيرة من التشويق والإثارة

لقطة من مسلسل {المنارة}
لقطة من مسلسل {المنارة}
TT

القنوات التونسية تنافس العربية بأجزاء جديدة من مسلسلات قديمة

لقطة من مسلسل {المنارة}
لقطة من مسلسل {المنارة}

غامرت معظم القنوات التلفزية التونسية الخاصة والعمومية بمواصلة الأعمال الرمضانية نفسها التي شهدت نجاحا خلال المواسم السابقة وراهنت على أجزاء جديدة يقع عرضها على امتداد سهرات رمضان.
ويفسر كتاب السيناريو والمخرجون بتميز هذه الأعمال الفنية بالحبكة الدرامية وبجرعات كبيرة من التشويق والإثارة حيث نجحت خلال المواسم الرمضانية السابقة في تحقيق أعلى نسب مشاهدة.
ووفق عدد من نقاد الأعمال التلفزيونية، تعود أهم أسباب تميزها إلى تلك النزعة الجديدة في كتابة السيناريو أو تلك الموجة الشبابية في الخلق والإبداع المرتكزة بالأساس على الحوار والتفاعل وتبادر الأفكار والآراء ضمن خلايا كتابة جماعية.
ومن بين هذه الأعمال الناجحة مسلسل «أولاد مفيدة» للمخرج التونسي سامي الفهري الذي يبث على شاشة «الحوار التونسي» الخاصة وهو عمل يعيش مع الجمهور التونسي جزأه الثالث، وذلك بعد تحقيق نجاح مهم لجزأيه السابقين.
وتشارك في بطولته مجموعة مهمة من الممثلين من بينهم وحيدة الدريدي وناجي ناجح ونادرة لملوم وهشام رستم وأحمد الأندلسي وياسين بن قمرة وسلمى المحجوبي. وخلال هذا الموسم من المنتظر أن يقحم المخرج مجموعة من الوجوه الجديدة في بطولة هذا العمل من بينها ريم بن مسعود والمذيعة بية الزردي.
ويروي مسلسل «أولاد مفيدة» قصة أرملة، أم لثلاثة أبناء تلتقي عشيقها بعد عشرين سنة من الفراق، ويطالب هذا العشيق العائد من الغربة بمعرفة أي الثلاثة هو ابنه، ومع تتالي الحلقات تتضح الأحداث لتكشف كثيرا من التفاصيل.
وتراهن قناة «نسمة» الخاصة على جزء جديد من السلسلة الكوميدية «نسيبتي العزيزة» وهو الجزء السابع الذي يعرض على هذه القناة التي ترفع شعار «قناة العائلة» وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت هذا العمل الفني فإن بساطة شخصياته وقربها من المجتمع التونسي واعتماد البعض منها على لهجات الأرياف التونسية، قد قربتها من العائلة التي لا تجد حرجا في متابعتها في إطار عائلي يجمع كل أفرادها.
وفي هذا الشأن قالت كوثر الباردي من نجوم الجزء السابع من «نسيبتي العزيزة» إن ترحيل الديكور من منطقة معمارية في مدينة تونس العتيقة، إلى منطقة سيدي بوسعيد السياحية الواقعة في الضاحية الشمالية، سيكون قرار مؤثرا على الأحداث وعلى مختلف العلاقات الرابطة بين شخصيات هذا العمل الفني. وأكدت الباردي على أن عناصر النجاح متوفرة من خلال مشاركة ضيف شرف من نجوم التمثيل في تونس في معظم الحلقات. وفي مقابل الانتقادات التي قالت: إن العمل استنفذ أحداثه ولم يعد له ما يقدمه، قالت الباردي إن عنصر الاستمرارية وخفة روح العمل وعدم بحثه عن التعقيدات، تعتبر من بين أهم عناصر نجاح العمل على حد تعبيرها.
ونجد خلال البرمجة الرمضانية كذلك سلسلة «دنيا أخرى» وهي سلسلة هزلية يتواصل عرضها على القناة نفسها في الجزء الثاني وحققت هي الأخرى نجاحا حيث تميزت بطرافة موضوعها ويشارك في بطولتها كل من الممثل كريم الغربي وحنان الشقراني وبسام الحمراوي والصادق حلواس وسامية الطرابلسي... وفي السياق ذاته نلمس من خلال هذا العمل نفسا كوميديا جديدا بالإضافة إلى حبكة في كتابة السيناريو.
وتؤكد الناقدة التونسية رحاب المازني على أن كل هذه الأعمال الدرامية المبرمجة للعرض خلال شهر رمضان عادة تخلق منافسة كبيرة، فيما بينها كما أنها تعكس مدى تطور الدراما التونسية، وأضافت أن الجمهور التونسي يراهن على مدى نجاح هذه الأجزاء الجديدة من مسلسلات قديمة.
وتضيف المازني أنه على الرغم من تواصل الانتقادات الموجهة إلى الأعمال الدرامية التونسية، فإن معظم الأجزاء الجديدة من الأعمال الفنية التونسية «مثيرة ومشوقة» فأحداث الحكايات منسوجة من وحي خيال كتّابها الذين نجحوا في الخروج من دائرة الكتابة الكلاسيكية إلى الكتابة في إطار ورشات على الطريقة الأميركية الحديثة.
وتراهن القناة الوطنية الأولى الحكومية على مسلسل «الدوامة» وتؤكد على أنه الأضخم من حيث التكلفة المالية إذ بلغت نحو 2.3 مليون دينار تونسي (نحو مليون دولار) وذلك من إجمالي ميزانية بنحو أربعة ملايين دينار تونسي خصصتها للأعمال الرمضانية. ويمتد المسلسل على17 حلقة بمشاركة نحو ستين ممثلًا، من بينهم وجيهة الجندوبي، فتحي المسلماني، أسماء بن عثمان، لسعد بن عبد الله، محمد علي بن جمعة، مريم بن مامي، علي الخميري، رشا بن معاوية، جوليا الشواشي، وغيرهم من النجوم التونسية.
ويروي مسلسل «الدوامة»، قصة عداء قديم متجدّد بين عائلتين من كبار الفلاحين، يورّط فيه كل جيلٍ خلفه ويستنزفه وفي إطار صراع العائلتين، يجر الجيل الجديد رغم علاقات الحب المكتومة إلى دوّامة العداء والانتقام». وقد تم تصوير هذا العمل في مناطق مختلفة في تونس وخارجها.
أما قناة الحوار التونسي الخاصة، فهي تبث مسلسل «المنارة» للمخرج التونسي عاطف بن حسين ويتألف من 15 حلقة ويبث خلال النصف الثاني من شهر رمضان، ويشارك فيه عدد مهم من نجوم الدراما التونسية ومنهم عاطف بن حسين، سنية المؤدب، لسعد الجموسي، ليلى طوبال، منصف ذويب، توفيق العايب، جمال المداني، شاكرة رماح ومرام بن عزيزة إلى جانب كثير من الوجوه الجديدة.
ويروي مسلسل «المنارة» قصة صديقين تربطهما علاقة مهنية متينة، تضطرب بظهور امرأة تنتهي بحلول العداوة بينهما محل الصداقة، وتظهر شخصيات أخرى من طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة لتُدخل حركية وأحداثا متشابكة، المنارة تم تصويره بين تونس العاصمة ومدينة الشابة من ولاية - محافظة – المهدية (وسط تونس).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».