الأديان السماوية... دور فاعل في نشر السلام ومواجهة التطرف

في ضوء زيارة الرئيس ترمب للمنطقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام حائط المبكى في القدس الشرقية خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام حائط المبكى في القدس الشرقية خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط (أ.ب)
TT

الأديان السماوية... دور فاعل في نشر السلام ومواجهة التطرف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام حائط المبكى في القدس الشرقية خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام حائط المبكى في القدس الشرقية خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط (أ.ب)

شهد القرن العشرون حربين عالميتين ذهبتا بملايين البشر، ومع أوائل القرن الحادي والعشرين بدا كأن البشرية في مواجهة حرب عالمية أخرى وقودها التطرف والتعصب، وزادها مزيج من الأصوليات، وأدواتها سيئة إلى أقصى حد وحد، وتتنوع أشكال موتها بين الحريق والغريق، ومنها ما هو مادي وفيها ما هو معنوي، ووسط هذه المأساة الإنسانية، ضاع ويضيع السلام، وفقدت البشرية أمنها وأمانها، من مشارق الشمس إلى مغاربها.

لعل السؤال الواجب البحث عن جواب له: «هل السلام العالمي أمر ممكن بالفعل في مجتمعات بشرية عهدت الصراعات الإنسانية منذ بداياتها؟».
يبقى الجواب دون تطويل ممل أو اختصار مخل يدور حول الأديان وكيفية بسطها لقيم السلام حول الكرة الأرضية، وهل هي أدوات تدفع البشر في طريق التلاقي والألفة أم آليات لتعميق التطرف والبغضة؟
لا يمكن لمتابع جيد للأحداث أن يغفل تغيير الماء الراكد على صعيد العالم كافة، والشرق الأوسط خاصة خلال الأيام القليلة الماضية، التي شهدت فيها الرياض 3 قمم من أجل محاربة الإرهاب والأصولية، وقد كانت الأديان في القلب منها.
الزيارة الناجحة وغير المسبوقة للرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، جاءت في واقع الحال خطوة مغايرة لأدوات محاربة العنف والأصولية التقليدية، أي استخدام القوة العسكرية أولاً وآخراً في مجابهة الأفكار، ولهذا كانت فكرة استيلاد ما في باطن الأديان، لا سيما الإبراهيمية الثلاث؛ المسيحية والإسلام واليهودية، من سلام وتعايش للوقوف في وجه دعاة الكراهية وحاملي رايات الصدام.
قبل أن يبدأ الرئيس الأميركي رحلته إلى الشرق الأوسط، تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت ريموند ماكماستر بالقول: «هذه الرحلة تاريخية، فلم يسبق لأي رئيس زيارة الأماكن المقدسة للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية في رحلة واحدة، وما يسعى إليه الرئيس ترمب هو توحيد الناس من كل الأديان حول رؤية مشتركة للسلام والتقدم والرخاء».
في كلمته أمام رؤساء وزعماء دول العالم الإسلامي، أشار الرئيس ترمب إلى أنه: «بعون الله ستشكل هذه القمة بداية النهاية لأولئك الذين يمارسون الإرهاب وينشرون عقيدته الخبيثة».
وفي الوقت نفسه، ذكّر الجميع بأن هذا اليوم هو بداية سلام في الشرق الأوسط، تكون فيه الأديان الرافعة الحقيقية التي تنتشل العالم من وهدة الأصولية والتطرف.
من قلب المملكة العربية السعودية التي وصفها ترمب في حديثه بأنها موطن أقدس المواقع لإحدى أكبر الديانات في العالم، أشار إلى أنه في كل مرة يقتل فيها إرهابي شخصاً بريئاً ويستخدم اسم الله على نحو كاذب، ينبغي أن يمثل ذلك إهانة لكل شخص مؤمن، فالإرهابيون لا يعبدون الله، بل إنهم يعبدون الموت. كان الرئيس ترمب موفقاً جداً في خطابه، بل متحدثاً بليغاً عن روح الأديان، وكيف أنها بعيدة كل البعد عن التناحر والتشاجر، عن الصراع والحروب، تلك المفاهيم المكذوبة التي يروجها «تجار الأديان»، أو «موظفو الله»... قال ترمب: «هذه ليست معركة بين مختلف الديانات أو الطوائف المختلفة أو الحضارات المتعددة المتباينة».
هذه معركة بين المجرمين الهمجيين الذين يسعون إلى طمس حياة الإنسان، والناس الكرماء من جميع الأديان الذين يسعون إلى حمايته، هذه معركة بين الخير والشر. جاء ترمب إلى الشرق الأوسط وهو يدرك أن الأديان السماوية ولدت مشرقية، وعاشت ونشأت، ثم انتشرت حول العالم من الشرق، ولهذا، فإن هذا الشرق الخلاق مصدر للحياة لا للموت، للتعايش لا للتصادم، وفي هذا وحده مدخل جيد لمجابهة أفكار الأصولية والمغالاة.
أكد ترمب أنه لقرون كثيرة كان الشرق الأوسط موطناً للمسيحيين والمسلمين واليهود الذين يعيشون معاً، مضيفاً: «يجب أن نمارس التسامح والاحترام المتبادل مرة أخرى، وأن نجعل هذه المنطقة مكاناً يمكن فيه لكل رجل وامرأة بصرف النظر عن إيمانهم أو عرقهم، أن يتمتعوا بحياة كريمة يملأها الأمل».
خلاصة أقوال ترمب، أنه إذا أمكن لهذه الديانات الثلاث أن تتعاون معاً، فإن السلام في هذا العالم سيكون ممكناً، ونحن بدورنا نتساءل أين يقع السلام في قلب الأديان التوحيدية الثلاث؟... هل له مكان؟... وإذا كان ذلك كذلك فأي طريق يتوجب على أتباع تلك الأديان أن يسلكوا من أجل الوصول في نهاية الأمر للغاية الكبرى أي السلام العالمي، الذي يتوجب أن يبسط مظلته على العالم برمته؟
الجواب عن السؤال المتقدم يحتاج لأعمال بحثية مطولة في واقع الأمر تتصل بالبحث في علاقة السلام بكل دين من الأديان الإبراهيمية، غير أنه في رؤية ملخصة وغير مخلة يمكننا أن نشير لما يلي:
بداية إذا طرحنا سؤالاً لاهوتياً عميقاً يتصل باليهودية: «ما إرادة يهوه إله إسرائيل النهائية تجاه الخليقة؟... هل هي السلام أم الخصام؟«.
الجواب نجده عند أحد كبار أنبياء بني إسرائيل «أشعياء» المعروف بالنبي الباكي، ففي سفره في التوراة، الإصحاح السابع عشر نقرأ ما نصه: «فيطبعون سيوفهم محاريث، ورماحهم مناجل، ولا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتدربون على الحرب فيما بعد».
هذه العبارة محفورة في حاضرات أيامنا على الحائط المعروف بـ«حائط أشعياء»، في جزيرة مانهاتن بمدينة نيويورك الأميركية عند الجادة الأولى وتقاطعها مع شارع 43، وذلك في مواجهة مبنى الأمم المتحدة، للتذكير بأن الهدف الرئيسي للمؤسسة الأممية والفكرة التي نشأت من أجلها كانت الحفاظ على السلام العالمي، ودلالة الكلمات لا تحتاج إلى شرح، فالسيوف الموجهة إلى الصدور تضحى محاريث للأرض تبحث عن الزرع والماء وشبع الإنسان، والرماح تتحول إلى مناجل تحصد خير ما زرع الإنسان، ولا تعود بذلك الأمم تتطاحن ولا يبقى مجال للحرب، بل يسعى الذئب والحمل معاً دون تفكير أحدهما في الفتك بالآخر.
هذا هو المنوط بالهيئة الأممية في الفكر التوراتي الباحث عن السلام قبل عدة آلاف من السنين، وقد شخصت اليهودية عبر كتب العهد القديم حال البشرية اليوم، تلك الشاكية الباكية من العنف والأصولية، فوصفت المشهد بالقول: «أرجلهم تسعى إلى الشر، وتسارع إلى سفك الدم البريء، أفكارهم أفكار الإثم، وفي مسالكهم دمار وتحطيم، لم يعرفوا طريق السلام، ولا حق في سبلهم، قد جعلوا دروبهم معوجة، كل من سلكها لا يعرف السلام».
هل حادت المسيحية لاحقاً عن طريق البحث عن السلام؟
ليلة مولده المعجز رتلت الملائكة: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة».
كانت حياة ورسالة السيد المسيح سلاماً متصلاً، ومقيماً، وعندما أرسل تلاميذه وحوارييه في مهمة التبشير الأولى، قال لهم: «أي بيت دخلتموه فقولوا أولاً السلام لأهل هذا البيت، فإن كان هناك ابن سلام فسلامكم يحل عليه، وإلا فيرتد إليكم»، في إشارة لا تخطئها العين إلى أن هناك من البشر من يرفضون السلام جوهراً لحياتهم، وأسلوباً لمعيشتهم مع غيرهم من الناس. أما عن تحية السيد المسيح الرسمية التي كان يستخدمها على الدوام فلم تخرج أبداً عن سياق «السلام لكم».
كان السائد في زمن السيد المسيح شريعة موسى؛ عين بعين، وسن بسن، لكن شريعة عيسى ابن مريم رأت أن «من طلب ثوبك فأعطه رداءك أيضاً، ومن سخرك ميلاً فامشِ معه ميلين».
كان السلام الذي يسعى إليه هو تلك الحرية العذبة التي تضع كل شيء في وقته بنظام وترتيب وحكمة، وتتجه إلى موضوعها وتهتم به بمحبة قلبية، ولهذا قال: «طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون».
هل كان الإسلام ليفارق أو يغاير في مفهومه عن السلام؟
يبقى السلام في الإسلام بداية اسماً من أسماء الله الحسنى، «هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم»، وقد وصف البارئ عز وجل ذاته في القرآن الكريم بأنه «السلام»، الحشر (23)، والمصطلح العربي للسلام مشتق من الأصل ذاته الذي اشتق منه لفظ الإسلام، فهناك تطابق بين الإسلام والسلام.
على أن علامة الاستفهام: هل يقدر الإنسان على خوض معركة السلام دون سند أو عون إلهي؟
يوضح الإسلام أنه لا يمكن للمرء أن يفعل ذلك من دون هداية الله سبحانه وتعالى الذي يريد الخير لكل الناس، وهذه الهداية تبدأ بالدعوة إلى السلام، أو إلى دار السلام، وهي دعوة صادرة من الله إلى الإنسان «والله يدعو إلى دار السلام»، يونس (25).
والثابت كذلك أن الشريعة الإسلامية حافلة بالإشارات التي يمكن للمرء أن يرتكز عليها في تبيان عضوية العلاقة بين السلام والإسلام، وكيف أن تلك الشريعة تريد أن تجعل من السلام حاضراً وقاسماً أعظم في فكر وسلوك أمة المسلمين، فعلى سبيل المثال يتفكر المسلم في ليلة القدر، أهم ليلة من ليالي السنة؛ إذ إن الله زينها وجعلها سلاماً حتى مطلع الفجر «سلام هي حتى مطلع الفجر» سورة القدر (5).
هل وضع الإسلام دستوراً بدوره لنشر السلم العالمي منذ بداية التنزيل؟
الحادث أن ذلك كذلك، وهو الدستور الذي يكفل حتى اليوم للعالم المتنازع أن يجد حالة من السلم والتعايش الآمن، وهذا ما ورد في سورة الممتحنة: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» الممتحنة (8).
تعني الآية الكريمة السابقة أن الإسلام وضع للمسلمين مبدأ عاماً للتعايش السلمي بينهم وبين غيرهم من الشعوب يتلخص في ضرورة التعايش مع الآخرين أياً كانوا، ومعاملتهم بالعدل والإنصاف والتسامح ما دام أن هؤلاء لم يصدر عنهم أي عدوان على المسلمين، ولم يتعاونوا مع أعداء المسلمين ضد المسلمين.
يتضح مما سبق أن هناك قاسماً أعظم مشتركاً كبيراً عند أتباع الأديان التوحيدية الثلاث، قاسماً يمكنه أن يقف صداً وسداً في مواجهة الأفكار المغلوطة والشعارات الزائفة، وهو أمر تنبه إليه كبار المفكرين في العالمين العربي والغربي على حد سواء.
خذ إليك على سبيل المثال ما يقوله الشيخ الإمام محمد الغزالي الداعية والمفكر الإسلامي الشهير، عن طريق رسمه للتعايش بين الأديان والمذاهب، عبر وضعه 3 مبادئ: -
أولاً: نتفق على استبعاد كل كلمة تخدش عظمة الله وجلاله.
ثانياً: نتفق على أن الله يختار رسله من أهل الصدق والأمانة والكياسة.
ثالثاً: ما وجدناه متوافقاً في تراثنا، نرد إليه ما اختلف عليه، وبذلك يمكن وضع قاعدة مشتركة بين أتباع الأديان.
على الجانب الغربي، نجد البروفسور هانز كونغ اللاهوتي الكاثوليكي السويسري الكبير، صاحب الصيحة الشهيرة في عالمنا المعاصر: «لا سلام بين الأمم من دون سلام بين الأديان»، والواردة في كتابه المعنون «الإسلام رمز الأمل... القيم الأخلاقية المشتركة للأديان».
سطور الكتاب المشار إليه تؤكد أن الأديان رسائل للسلام لا أدوات للخصام، وأنه في زمن يمتلك فيه الإنسان من الوسائل التقنية الحديثة، ينبغي أن تتواصل الديانات لا سيما النبوية الثلاث، من أجل تجنب الحروب ونشر السلام.
لكن لكي يحدث هذا لا غنى عنده عن إعادة القراءة والتفسير لكل رواية من الروايات التي تشكل تقاليدها الدينية، ولتحقيق تفسير ديني يحمل في طياته روح السلام.
يشير كونغ إلى ضرورة اتباع النهج الثنائي التالي؛ وهو تفسير الأقوال والأحداث النضالية في كل رواية من الروايات في التقاليد الدينية في السياق التاريخي للزمن الخاص بها ودون التغاضي عن شيء من تلك التفاصيل التي تقدم لنا المفهوم والأبعاد الإنسانية في تلك الأزمنة الغابرة وعدم قياسها بمعطيات عصرنا الحاضر، ومن جهة ثانية، ينبغي اتخاذ الكلمات والأفعال التي تشجع على السلام في التقاليد التي يتبعها المرء على محمل الجد كإلهام للعصر الحديث. جاءت زيارة الرئيس ترمب وقمم المملكة الثلاث لتحثنا على التفكير ملياً في الدور العميق الذي يمكن للأديان أن تلعبه في طريقها لمجابهة القتلى الذين يسقطون، والأحياء الذين يتصارعون، والجميع يقف مكتوف الأيدي أمام دعوات نفي الآخر وإبعاده، بل وإقصائه من المشهد الأدبي عبر التذرع بامتلاك الحقيقة المطلقة من جهة، أو الخلاص منه نفساً وجسماً باعتباره عدو الله.
هل من خلاصة؟
الأديان لديها قوة كافية مؤثرة من أجل المستقبل على أساس الثراء الروحاني والأخلاقي، والأديان التوحيدية الثلاث يمكن أن تسهم بشكل أكبر من خلال التفاهم والتعاون، وجميعها لديها الفرصة سانحة في تقديم إسهام لا يمكن الاستغناء عنه لعالم أكثر سلاماً وعدلاً، ولهذا وبالفعل، لا يمكن أن يكون هناك سلام مستقبلي في وجه الأصوليات الظلامية دون سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان دونما حوار جدي بين أتباعها.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.