في الوقت الذي احتفل فيه الروس بعيد «يوم الوحدة الشعبية» الأسبوع الماضي، انطلق متظاهرون في مسيرات حاملين أعلام الإمبراطورية الروسية ومرددين هتافات وشعارات عنصرية. جابت المسيرات المدن عبر مختلف أرجاء البلاد، في حين لم يظهر في المشهد مواطنو الأقليات العرقية والمهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذين فضلوا عدم المشاركة لتجنب تعرضهم للضرب.
تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى تزايد أعداد القوميين الروس، ومواجهة مسلمي القوقاز والعمال المهاجرين من آسيا الوسطى مزيدا من العداء. ويتحمل هؤلاء اللوم في كثير من المشكلات التي تحدث هنا، بما في ذلك قضايا الفساد والجرائم والوظائف الدنيا.
ويحاول الرئيس فلاديمير بوتين استغلال كراهية الأجانب الكامنة لدى الروس، ليجعل من نفسه زعيما مدافعا عن دولة متميزة، اعتمادا على تقاليد أرثوذكسية، عن العالم الذي يسوده الجشع والانحلال. وفي الوقت ذاته، يبدو أن بوتين على دراية وإحاطة شاملة بشأن النسبة البالغة 10 في المائة من السكان المسلمين، حينما تحدث عن روسيا كمجتمع متسامح ومتعدد الثقافات. والذي اعتبر محاولة فذة لإحداث توازن بدأ يظهر التوترات العميقة.
ففي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) قام مواطنون روس بأعمال شغب في سوق خضار في الضاحية الجنوبية بموسكو، بيريوليفو، حيث جرت مطاردة أغلبية المهاجرين المسلمين داخل روسيا. واندلعت الاضطرابات إثر مقتل مواطن روسي، بيد أن ذلك التوتر كشف النقاب عن الشعور العميق بالامتعاض بين الشباب والعاطلين عن العمل.
في 24 أكتوبر الماضي، أدلى فلاديمير زيرينوفسكي، النائب الاشتراكي بمجلس النواب ورئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، بتصريح للقناة التلفزيونية الرئيسة مشيرا إلى ضرورة فصل شمال القوقاز – الذي يعد جزءا من الأراضي الروسية المشتملة على داغستان والشيشان - من خلال سور من الأسلاك الشائكة. ودعا إلى فرض غرامة على المواليد بداية من الطفل الثالث لمنع وجود أسر كبيرة العدد.
يخصص «يوم الوحدة الشعبية»، الذي جعله بوتين عيدا في عام 2005 ليحل مكان الاحتفال السنوي بالثورة البلشفية، لإحياء الذكرى الرسمية للانتصار على البولنديين الذين غزوا موسكو في عام 1612. كان الهدف من ذلك العيد هو إلهاب مشاعر وحماس الروس لتذكيرهم كيف تكاتف الشعب بعضه مع بعض للتغلب على العدو الأجنبي.
وعوضا عن ذلك، صار يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) بمثابة «يوم مسيرات الروس»، حيث يرفع المتظاهرون علم الإمبراطورية الروسية القديمة، المكون من اللونين الأسود والذهبي، بجانب الرايات الأرثوذكسية والصليب المعقوف، مرددين هتاف «روسيا للروس»، بالإضافة إلى رفع شعارات مناهضة للمسلمين واليهود.
وقد شهدت المسيرة الروسية في موسكو العام الحالي وجود حشد من رجال الشرطة يقدر بنحو 8,000 شرطي، وهو عدد أقل مما كان متوقعا بسبب برودة الجو واستمرار هطول الأمطار بغزارة. واعتقلت الشرطة نحو 30 شخصا بسبب ارتدائهم أقنعة أو حمل الصليب المعقوف والأشياء الأخرى المحظورة.
أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «ليفادا» المستقل في أكتوبر أن 66 في المائة يؤيدون فكرة «روسيا للروس». وحتى الآن لم يعبر سوى عدد قليل من الأشخاص عن معارضة حالة الغليان التي يشهدها التوتر العرقي، بما في ذلك ميخائيل بروخوروف، الملياردير الروسي ومالك فريق كرة السلة الأميركي بروكلين نتس، الذي حث الشعب على الابتعاد عن المسيرات الروسية.
وفي الأسبوع الماضي، صرح رجل أعمال ثري يدعى فيكتور بوندارينكو بأنه كان يشكل حزبا جديدا يسمى «روسيا للجميع» من أجل محاربة التمييز العرقي والقومية المتشددة.
وفي لقائه بالصحافيين صرح بوندارينكو: «عندما أسمع شعار (روسيا للروس) فإنني أفكر بشأن يوغوسلافيا». وأردف أن الصرب أيضا كانوا يرون يوغوسلافيا دولة سلافية أرثوذكسية قبل أن تنفصل الدولة، مما أدى إلى ارتكاب حرب إبادة جماعية ضد المسلمين خلفت آلاف القتلى. وأضاف بوندارينكو: «يجب علينا أن نعلن عن أنفسنا كدولة علمانية يتساوى فيها الجميع».
تجنب بوتين اتخاذ خطوات لكبح تدفق العمال المهاجرين، الذين تحتاج إليهم البلاد للعمل في وظائف الإنشاءات ذات الرواتب الضعيفة وتنظيف الشوارع. وصرف بوتين انتباه الناس عن الاستياء من تقديم الحكومة معونات إلى داغستان والشيشان والاستياء الذي أبداه كثيرون في مناطق من البلاد بشأن الأموال التي يجري إنفاقها على السيارات الفارهة وأنماط المعيشة المترفة.
وفي سياق متصل، أعرب 55 في المائة من العينة التي شملها استطلاع «ليفادا» عن سخطهم وكراهيتهم للمهاجرين من هذه المناطق الذين يعيشون في مدنهم. وذكرت نسبة 43 في المائة أنهم أحسوا بالتوترات العرقية عندما عاشوا في تلك المناطق، مقارنة بنسبة 29 في المائة في العام الماضي.
يدخل إلى روسيا نحو 12 مليون مهاجر في كل عام، ويجري إجبار الكثير منهم على سداد مبالغ للشرطة التي تهددهم بالترحيل. وطبقا لما يقوله المدافعون عن المهاجرين فإن أصحاب العمل يستغلون تلك المخاوف لإساءة استخدام العمال.
في فبراير (شباط) الماضي نشرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية تقريرا يصف كيف تم استغلال العمال المهاجرين وتشغيلهم في الإنشاءات الخاصة بمنافسات دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014 المقرر إقامتها في مدينة سوتشي، حيث تم إجبارهم على العمل لساعات طويلة مع الحصول على أيام إجازة أقل، وغالبا ما كان يتم حرمانهم من رواتبهم.
الآن ومع اقتراب عملهم من الانتهاء، يجري تجميع هؤلاء العمال بأوامر من ألكسندر تكاتشيف، الحاكم الإقليمي، واستغل بعض أصحاب الشركات هذه الخطوة لتجنب دفع رواتب العمال. وقال سيمون سيمونوف، منسق الهجرة والقانون في مؤسسة «سوتشي» للدفاع عن حقوق المهاجرين: «يريد الحاكم إخلاء المنطقة من المهاجرين قبل بداية الأولمبياد».
ويروي أوميد عليموف، 38 عاما، أوزبكي، في مقابلة أنه عمل لدى مقاول في سوتشي في الفترة من مايو (أيار) وحتى سبتمبر (أيلول) في بناء برج من ستة عشر طابقا بشكل يدوي دون استخدام رافعة، وبعد أن حصل على أقل من 300 دولار في الشهر الأول، لم يتلقَّ أي راتب آخر من صاحب العمل، الذي احتجز جواز سفره. وقال عليموف: «حصلت على تصريح عمل لكنه كان غير قانوني لأنني لم أحصل على عقد».
يعمل عليموف في روسيا منذ سنوات ليعيل زوجته وأبناءه الثلاثة ووالدته في أوزبكستان. وخلال السنوات الثلاث الماضية لم يقضِ سوى 28 يوما في منزله.
وقدم صابردزهون يونسوف، 27 عاما، من طاجيكستان، إلى سوتشي بحثا عن عمل مع والده وأخيه. وحصلوا على عمل في مجال بناء مقرات إقامة بعثات الألعاب الأوليمبية خلال الألعاب التي ستقام في شهر فبراير (شباط)، ولم يعد إلى منزله منذ 14 شهرا. وسعى يونسوف، الذي يعيل زوجة وابنا في طاجيكستان، لشهور عدة للحصول على المساعدة في الحصول على راتب عدة أشهر على الرغم من التحذيرات التي تلقاها من مهاجرين بأنه قد يواجه مشكلة مع الشرطة إذا تقدم بشكوى. وقال: «حتى وإن كنا خائفين، فليس هناك من خيار أمامنا. لذا ينبغي أن لا أخاف».
وخلال الأسبوع الماضي، حصل سيمونوف ويونسوف وأقرانهما من العمال الطاجيك أخيرا على رواتبهم وكانوا يستعدون للعودة إلى بيوتهم جنوب غربي طاجيكستان.
ولم يحالف عليموف وكثير من الأوزبك الآخرين الحظ، فتمكنوا من استعادة جوازات سفرهم لأن شخصا ما وجدهم بالقرب من سلة مهملات. وحاول المدعون العامون تحصيل رواتبهم، لكن ملكية الشركة كانت معقدة، وهو ما جعلهم يتوقفون عن المطالبة بها. وازداد الأوزبك خوفا.
وقال يونسوف: «عندما ينفد المال سأعود إلى روسيا»، التي تستضيف كأس العالم لكرة القدم عام 2018، وهذا يعني مزيدا من الإنشاءات ومزيدا من المهاجرين. ولا يتوقع توقف تدفق المهاجرين من القوقاز ووسط آسيا في القريب العاجل.
* خدمة «واشنطن بوست»
* خاص بـ«الشرق الأوسط»