اكتشاف مجمع سكني يعود لحضارة طروادة في إزمير التركية

مقرّها مدينة جناق قلعة ويزورها نحو مليون سائح سنويا

اكتشاف منازل في تركيا تعود لـ5 آلاف عام
اكتشاف منازل في تركيا تعود لـ5 آلاف عام
TT

اكتشاف مجمع سكني يعود لحضارة طروادة في إزمير التركية

اكتشاف منازل في تركيا تعود لـ5 آلاف عام
اكتشاف منازل في تركيا تعود لـ5 آلاف عام

اكتشف فريق بحث عن الآثار القديمة يعمل في منطقة بورنوفا التابعة لمحافظة إزمير غرب تركيا مجمعا سكنيا يعود إلى حضارة طروادة قبل 5 آلاف عام.
وقال ظفر درين رئيس الفريق، إنه جرى تدقيق الخرائط التي تعود لعام 1923: «واكتشفنا وجود مجمعات سكنية في منطقة بورنوفا والمؤشرات التي كانت تدل على وجود مجمع سكني في المنطقة، بدأت بالظهور بعد بدء عملية الحفر بقليل، وتلك المؤشرات كانت قريبة جدا من سطح الأرض». وأضاف لدى متابعتنا أعمال الحفر، اكتشفنا 10 منازل فخمة وأنّ المجمع السكني الفخم الذي اكتشفه الفريق العامل في المنطقة منذ 7 سنوات، يعكس إلى حد كبير مدى الرخاء الذي كان سائداً في ولاية إزمير قبل 5 آلاف عام، وأن جميع المؤشرات تدل على وجود مجتمع كان يعيش تحت قيادة ملك.
وتابع درين موضحا، أنّ «المنازل الموجودة في المجمع كلّها مبنية على نمط واحد، ويوجد بداخل كل منزل مستودع، وعثرنا على أبواب من البرونز، ويمكننا القول بأنّ المجتمع الذي كان يقطن هذا المجمع، كان يرتبط بعلاقات مع باقي المجتمعات التي كانت تعيش في منطقة الأناضول».
وكانت طروادة تبعد بنحو 4 أميال عن مضيق الدردنيل الواقع في جناق قلعة شمال غربي تركيا، وتختلط قصة المدينة مع الكثير من الأساطير الإغريقية، ولذلك كان يعتقد أنّ هذه المدينة غير موجودة باعتبار أنّها من نسج خيال الشاعر هوميروس.
وعندما بدأ عالم الآثار الألماني هنريك شليمان الذي تأثر بأشعار ملحمة هوميروس، خصوصاً تلك الأبيات التي تحكي عن النزال الذي دار بين أخيل الميسيني البطل الخارق وهيكتور بن بيريام ملك طروادة، وانتهى بموت هيكتور، قرّر أن يتبع حدسه وينقب عن مدينة طروادة المزعومة في المكان حيث عبث أخيل بجثة هيكتور والمسمى بـ«حصارليك».
واستمرت الحفريات التي قام بها شليمان 20 سنة، قسّمها إلى 7 جولات من 1870 إلى 1890. واستطاع من خلالها الكشف عن طروادة الأولى، ولمّا استمر في الحفر، ظهرت له أسوار طروادة الثانية التي بنيت فوقها، لتوافيه المنية ويكمل تلميذه دوربفيلد عمله ابتداء من 1790. وليكشف عن تسع مدن طروادية بنيت واحدة فوق الأخرى ليتوصل أخيرا إلى أنّ طروادة السادسة هي التي طوقت وأحرقت وليست الثانية كما كان يعتقد شليمان.
وحظيت الحفريات التي قام بها شليمان ودوربفيلد في أواخر القرن 19 بأهمية كبرى في الدراسات الأركيولوجية اللاحقة، لكنّها اكتملت مع العالم الأثري الأميركي كارل ويليام بيلجن الذي واصل الحفريات فيما بين عامي 1932 و1938، وكشف عن التفاصيل النهائية حيث طروادة الأولى وهي الأقدم، تحت هضبة حصارليك ويعود بناؤها إلى الحقبة ما بين 2600 و3000 ق.م، وضمّت سكنى الملك وأسوارا سميكة وطروادة الثانية التي اعتقد شليمان أنّها طروادة الهوميرية بين 2300 و2600 ق.م، ومساحتها 1000م مربع، ومكونة من ميجارون وأسوار ومساكن وطروادة من الثالثة إلى الخامسة من (1900 إلى 2300 ق.م)، فلا تمثل أي شيء متميز ولم تعرف ازدهارا كالذي عرفته طروادة الثانية. فيما اكتشفت طروادة السادسة من (1900 إلى 1275ق.م)، وتوصل الباحثون وأولهم دوربفيلد إلى أنّها طروادة الهوميرية التي تغنّى بها هوميروس في أشعاره.
أما طروادة السابعة من 1275 إلى 1100 ق.م فبنيت من مواد طروادة السادسة وعثر فيها على نوع من الخزف يسمى الخزف المحدب، واستمرت طروادة الثامنة حتى الغزو الروماني عام 85 ق.م.
وتقول الأساطير إن أحفاد الناجين من حرب طروادة التي وقعت قبل ثلاثة آلاف عام أصبحوا هم الرومان فيما بعد وما يؤكد ذلك حرص الأباطرة الرومانيين على زيارة طروادة دائما وتقديم القرابين هناك.
وخلافا لذلك يقول أستاذ علم الآثار التركي رستم أصلان، إنّ علماء الآثار في أوروبا يتعاملون مع الأمر بنزوع آيديولوجي، بحيث يعتقدون أنّه إذا ثبت ذلك فإن أصول الكثير من الأوروبيين ستكون آسيوية.
ويزور مدينة جناق قلعة، التركية، التي كانت مقرا لطروادة، سنويا، نحو مليون سائح يحرصون على شراء هدايا من الأحصنة الخشبية المصنوعة من خشب الزيتون والتعرف على آثار طروادة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».